قصر القامة عند الأطفال.. متى يقلق الأهل لطول أبنائهم
د. أكرم خولاني
كثيرًا ما يراجع الأهالي عيادات الأطباء ليسألوهم عن نمو أبنائهم، هل هو طبيعي أم أنه دون المستوى المطلوب، ومع أن قصر القامة ليس بمرض خطير، إلا أن الناس تهتم له كثيرًا لما يتركه من آثار سلبية على نفسية الشخص، ولما للطول من صفات جمالية أولًا، وما يؤمّنه من زيادة فرص العمل والنجاح في الحياة ثانيًا، وهنا يأتي دور الطبيب ليتأكد أن نمو الطفل سليم وطوله ضمن الحدود الطبيعية، أو أن لديه مشكلة مرضية تؤثر على نموه.
ما الطول الطبيعي للطفل
يبلغ طول الوليد 50 سم تقريبًا، ويكتسب في أول سنة من عمره 25 سم من الطول، وفي السنة الثانية يكتسب 12 سم، وفي السنة الثالثة يكتسب 6 سم، ثم يكون متوسط نسبة الزيادة 5 سم في السنة من سن أربع سنوات حتى البلوغ.
ويصل مقدار الزيادة في الفترة ما بين قبل البلوغ مباشرة وحتى سنة من البلوغ ما بين 8-14سم، وبعد هذه المرحلة تتغير نسبة الزيادة فتكون عند الذكور 0,6 سم في السنة حتى سن 20 سنة، بينما تكون عند البنات 0,5 سم في السنة حتى سن 18 سنة.
ويكون الطول التقريبي للشخص البالغ تبعًا للعامل الوراثي، فيتم جمع طول الأب والأم وقسمتهما على 2 ثم إضافة 6.5 للذكور أو طرح 6.5 للإناث لنحصل على الطول بالسنتيميتر، وتكون هناك فروق بالطبع لكن تكون دون 8 سم سواء بالزيادة أو بالنقصان.
متى يقال إن الطفل لديه قصر قامة؟
يختلف طول الأطفال من طفل إلى آخر، ويعود السبب في هذا الاختلاف إلى العوامل البيئة والعوامل الوراثية أيضًا، ويعتبر الأهل أن ابنهم قصير القامة إذا كان أقصر من أقرانه، بينما يعني قصر القامة علميًا أن يكون الطفل أقصر من 97% من الأطفال الآخرين من نفس جنسه وعمره وبلده، ويظهر ذلك عندما يقع طول الطفل على أو تحت الانحراف المعياري -2 أو أن يكون أقل من 3% على منحنيات النمو الخاصة لنفس الجنس والعمر والبلد ولأكثر من زيارة واحدة.
ومنحنيات النمو هي عبارة عن رسوم بيانية تعطي الطول أو الوزن حسب العمر أو الجنس، وقد تم رسمها بعد مراقبة نمو آلاف الأطفال الطبيعيين لعرق ما خلال فترة معينة، فهناك منحنيات نمو للذكور وللإناث، وهناك منحنيات النمو الأمريكية، ومنحنيات النمو العالمية، وكذلك منحنيات النمو لمنطقتنا.
ما أسباب قصر القامة؟
يجب عدم الخلط بين قصر القامة وبين فشل النمو أو تأخر النمو، ولو أن الحالتين قد تترافقان، إذ إن تأخر النمو المزمن قد يسبب قصر القامة، لكن من الضروري معرفة أن تأخر النمو حالة مرضية تستدعي العلاج حتمًا، بينما قصر القامة يمكن أن يكون حالة طبيعية ولا تمثل أي مشكلة طبية، ويمكن أن يكون حالة مرضية تستدعي العلاج، وأهم أسباب قصر القامة:
قصر القامة العائلي الوراثي
يكون الطفل قصيرًا ودون المعدل لأسباب وراثية، حيث يكون أحد الوالدين أو كلاهما قصيرًا بالأصل، وفي هذه الحالة يكون الطفل بحالة صحية جيدة، ووزنه متناسب مع طوله بشكل جيد، وعند تصوير العظم وتقدير عمره يكون العمر العظمي مساويًا للعمر الزمني للطفل، ويكون الطفل بحيوية جيدة إلا أنه يبقى قصيرًا.
قصر القامة البنيوي
وهنا يكون الطفل قصيرًا ودون المعدل، ولكن لا يوجد سبب مرضي، وصحته جيدة، وحيويته جيدة، وعند البلوغ يزداد طوله بشكل واضح حتى يلحق بأقرانه من نفس العمر، ويصل لمستوى مقبول من الطول بعد البلوغ، ويشخص ذلك من خلال العمر العظمي والعمر الطولي إذ يكونان متساويين ومتناسبين مع بعضهما لكنهما متأخران عن العمر الزمني في مرحلة ما قبل البلوغ، وقد يكون السبب هو تأخر البلوغ، وغالبًا ما نجد نفس القصة عند بعض أفراد العائلة نفسها.
قصر القامة المرضي
هنا يكون الطفل قصيرًا لأسباب مرضية، ويكون العمر العظمي متدنيًا بشكل جلي ومختلف عن العمر الطولي والزمني، وهناك أسباب عديدة أهمها:
- قصر القامة بسبب نقص الوارد الحروري: وهو من أهم الأسباب في بلدان العالم الثالث، إذ يسبب نقص التغذية نقصًا في الوارد الحروري والبروتينات والمعادن كالحديد والزنك وغيرها مما يؤدي لحدوث تأخر في الوزن والطول لدى الأطفال .
- قصر القامة الهرموني: وهو يشكل نسبة ضئيلة من الحالات مع أن أغلب الناس يظنون أنه هو السبب الأساسي لقصر القامة، ولذلك تبدأ المعالجات الخاطئة ومن غير جدوى، وهي تكلف الأهل كثيرًا من المال علاوة على التأثيرات الجانبية لهذه المعالجات على الأطفال. وأهم الأسباب الهرمونية هي قصور النخامى وقصور هرمون النمو المعزول وقصور الدرق، ولكل حالة من هذه الحالات الدلائل السريرية المميزة لها والتحاليل والفحوصات الخاصة ومن ثم العلاج المناسب لها.
- أمراض عظمية غضروفية: إذ توجد بعض الأمراض العظمية الغضروفية وأغلبها ولادي أو وراثي مثل عسر تصنع الغضروف الخلقي وغيرها من الأمراض التي لا علاج لها.
- الأمراض الاستقلابية الخلقية: مثل أدواء عديدات السكرايد المخاطية، وأدواء الخزن وهي اضطرابات خلقية يكون أحد تظاهراتها قصر القامة.
- الاضطرابات الجينية: وهي اضطرابات خلقية أيضًا يكون الخلل بالصبغيات مثل متلازمة داون (المنغولية) ومتلازمة تورنر ومتلازمة برادر ويلي.
- الأمراض المزمنة: إن وجود مرض مزمن لدى الطفل، سواء أكان قلبيًا كالإصابات الدسامية، أو رئويًا مثل الربو وغيره، أو معويًا كأسواء الامتصاص، أو دمويًا كفقر الدم المزمن أيًا كان سببه، أو أمراض الكلية المزمنة، وغيرها من الأمراض المزمنة، كل ذلك يؤثر على نمو الطفل وطوله، والعلاج يكون بعلاج السبب بشكل رئيسي مع بعض العلاجات الداعمة الأخرى.
- قصر القامة النفسي الاجتماعي: والذي يتميز بتأخر النمو بسبب الحرمان العاطفي والاضطهاد الاجتماعي للطفل، وتحدث في هذه الحالة اضطرابات بالأكل والشرب، وقد يحدث عدم استمساك البول والبراز مع انسحاب اجتماعي وتأخر بالنطق. وهنا يجب علاج البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل مما يؤدي لتحسن بنمو الطفل وتحسن باقي الاضطرابات المرافقة .
- العلاج بالكورتيزون: الأطفال الذين يعالجون بالكورتيزون يوميًا لفترة طويلة من الزمن، يمكن أن ينتج عن ذلك قصر القامة، وذلك لأن الكورتيزونات يمكن أن تؤثر على إفراز هرمون النمو، أو تقليل تكوين العظام، أو تؤثر على تكوين الكولاجين، والذى يعد من الهرمونات المهمة للنمو الطبيعي.
كيف يتم تقييم الحالة وتشخيص السبب؟
يجب تقييم الحالة في البداية، فيجب أخذ الطول ووضعه على مخططات النمو، وكذلك أخذ الوزن، وملاحظة إذا كان هناك فقدان في وزن الطفل أيضًا (فشل نمو)، ومعرفة معدل النمو السابق للطول (معدل النمو الطبيعي في الطول تقريبًا نحو 6 سم سنويًا من عمر 3 وحتى البلوغ)، فإذا كان معدل النمو طبيعيًا غالبًا ما يكون قصر القامة نابعًا عن فروق شخصية ولا يحمل علامة مرضية، أما في حال تراجع معدل النمو فيكون هناك تراجع في النمو لأسباب مرضية يجب التحري عنها، ويجب ملاحظة طول الوالدين، وملاحظة ظهور علامات البلوغ الخاصة بالذكور والإناث، وموعد بلوغ كل من الوالدين.
وفي حال تشخيص قصر في القامة بسبب مرضي يجب إجراء عدة تحاليل، منها تحاليل دم شاملة، ووظائف الكلى والكبد، وتحاليل البول والبراز، والأجسام المضادة للداء الزلاقي (حساسية القمح)، وفيتامين د، ووظائف الغدة الدرقية، وتحليل هرمون النمو، كما يجب إجراء أشعة لمعصم اليد اليسرى لتقدير العمر العظمي.
كيف يتم العلاج؟
قصر القامة العائلي أو البنيوي لا يحتاجان أي علاج، وحتى لو أعطيت العلاجات فهي دون جدوى غالبًا.
أما قصر القامة المرضي فإنه يعالج بمعالجة المرض المسبب.
هناك حالات خاصة يمكن فيها استخدام إبر هرمون النمو حسب توصية الطبيب المعالج وهي: نقص هرمون النمو، قصر القامة بسبب الفشل الكلوي، أو بسبب نقص وزن الولادة، أو بسبب الإصابة بمتلازمة تيرنر، ويتم حقن إبر هرمون النمو تحت الجلد مرة واحدة يوميًا مع استراحة يوم في الأسبوع حسب توصية الطبيب، وهي آمنة الاستخدام بشكل عام.
ويمكن إعطاء كبسولات أو حقن الزنك للطفل، إذا كان لا يعاني من أي مشكلة صحية، ولا يوجد بعائلته أحد يعاني من قصر القامة، أي لا يحمل عوامل وراثية خاصة بالقصر، وعنصر الزنك هذا يقوي الغدة النخامية، ويحفزها على إفراز الكميات التي يحتاجها الجسم من الهرمونات، وينعكس ذلك على نمو العظام بصورة طبيعية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :