يونس الكريم
بدأ الشارع السوري تداول أخبار، مجهولة المصدر، حول نية الدول الإقليمية إنهاء المأساة السورية، بتشكيل حكومة مؤقتة تدير البلد خلال المرحلة الانتقالية، وتكون هذه الحكومة بقيادة عسكرية يترأسها إما العماد علي حبيب أو العميد مناف طلاس، مسؤوليتهما جمع عسكريين منشقين عن النظام يقيمون في مخيمات تركية وأردنية، ذات حماية مشددة، وضباط آخرين مازالوا مع النظام، إضافة الى أسماء سياسيين لاجتياز المرحلة.
هذه هي تشكيلة الحكومة الموسعة فهل ستنجح في مسعاها؟
لكي نكون منطقيين لا بدّ من تحليل شخصيات الحكومة المفترضة والموقف الدولي، وبعدها سوف تقودنا النتائج إلى معرفة مصير هذه الحكومة.
العماد علي حبيب يعتبر آخر الناجين من مشايخ الطائفة العلوية، التي دمرها آل الأسد ابتداءً من حافظ ورفعت.. وآخرهم بشار ورامي، وهو وزير الدفاع السابق الذي يقيم اليوم تحت الإقامة الجبرية، رغم الإشاعات التي تنقله من بلد لآخر دون أي ظهور إعلامي، وقد تمت إقالته بعد رفضه الحل العسكري كما أشيع، لكنه عندما أقيل لم تحدث تغيرات جوهرية في بنية قيادة الجيش أو أي اضطراب، وكأن الذي أقيل هو موظف إداري.
هذا يدل على أن وزير الدفاع لا يتمتع بأي شعبية لدى ضباطه، وهو الذي قضى حياته بمكتبه في الجيش، ويشاع حوله أنك إذا دفعت المعلوم تخدم عسكريتك في بيتك، حتى طائفته لم تتحرك لإقالته، بعدما لم يعد لها كبير سوى المال، ما سمح لرامي وأيمن جابر (قائد ميليشيا صقور الصحراء المدربة من روسيا) وغيرهم من آل الأسد بتزعم مشهد القيادة.
وهنا، لا أعتقد أن رجلًا قضى سنين عمره في الجيش، وعند إقالته من أعلى منصب غادره كأي موظف بشكل روتيني بل وتحت إقامة جبرية، بإمكانه القيام بأي خطوات على هذا المستوى.
أما مناف طلاس، فالعميد نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، والذي كان يوقع على مذكرات الإعدام من حمام السباحة، كما يذكر خلال مجزرة حماة، وقد ورث عن أبيه حبه للنساء وآل الأسد، أما ارتباطاته العسكرية فمصدرها صهره الملياردير الفرنسي ذو الأصول السعودية تاجر السلاح والمخدرات أكرم عجة، وعندما ترك لواء “الحرس الجمهوري 105” لم يحدث تغيرًا بالنظام، رغم أن لواءه يعتبر من أعمدة النظام.
يدلّ ذلك على أن الشخصين المذكورين لم يكونا لاعبين مهمين في لوحة الحكم، ولا يمكن الاعتماد عليهما بلمّ جيش وطني، كما أن هذا الأمر مستبعد لأن تشكيل مجلس عسكري ببيان عسكري هو انقلاب على الثورة المدنية قبل النظام، ولنا تجربة مع حزب البعث والحكومات العسكرية قبلها.
إذن لماذا الاهتمام بهذين الرجلين إقليميًا ودوليًا؟
يعود سبب الاهتمام بهذين الرجلين لكسب الوقت بالتفاوض، فتركيا تحاول الضغط على إيران وسوريا، للحصول على مكاسب مستقبلية بكعكة طرق الطاقة التي تمر في سوريا، من خلال وجود شخصيات معارضة للنظام بالحكومة تدين لها بالولاء. كما تريد تركيا إنهاء المسألة الكردية من جذورها، عدا التفاوض على مسألة الموصل مع إيران المتحكم الفعلي بالعراق وحصة أنقرة بشركات إعادة الاعمار.
الأردن من جهته، يريد إبعاد شبح القاعدة وداعش عن حدوده، وإنهاء مسألة حوض اليرموك لصالحه، كما يبحث عن امتيازات تجارية بالنقل والطاقة.
أما فرنسا والاتحاد الأوروبي فهم يتجاوزون مسألة الطاقة وإعادة الإعمار إلى تصادم بالسياسة الاقتصادية، فهم يرون أن الربيع العربي قد خلق اضطرابًا بأسوق الطاقة التي لم تكن قد تعافت من الأزمة المالية، وبالتالي يحتاجون إلى استقرار هذه الأسوق لتتمكن أسواقهم بالتالي من التعافي، وهذه نظرة رأسمالية كنزية، وهي لدودة للنظرة الأمريكية الإسرائيلية الليبرالية الملتوية، التي ترى أن الحرب بذاتها سوقٌ اقتصادية من خلال تنشيط الأمن والمعلومات والسلاح، والاستفادة من أسعار طاقة مخفضة، مما يلقي بظلاله على باقي القطاعات.
وبين هاتين النظرتين يبقى الوقت هو وسيلة التفاوض الوحيدة المتوفرة لميليشيات الموت التي تدعمها هذه الدول في سوريا.