حذام زهور عدي
لا شيء يدل على تشابك النضال عند شعوب الشرق الأوسط أشد من الصرخة المدوية باللغة العربية لعشرات آلاف الإيرانيين “الشعب يريد إسقاط النظام”، أولئك الذين حضروا مؤتمر المعارضة الإيرانية في أكبر تظاهرة ملأت الساحة الباريسية الواسعة، وكأن الربيع العربي قد وصل إليهم الآن كما كان في بداياته الواعدة، أو كأنهم يشدون على أيدي ثوار سوريا معتذرين عما اقترفت وتقترف ملاليهم من آثام بحق الشعب السوري.
لقد كانت سوريا حاضرة بقوة في ذلك المؤتمر، ليس من خلال الأستاذ جورج صبرا ووجوه المعارضة السياسية السورية، وتجمع المعارضين السوريين فقط، وإنما الأهم من خلال المعارضة الإيرانية نفسها، التي أعلنت رئيستها السيدة المناضلة مريم رجوي أن إسقاط الأسد هو إسقاط لحكم الملالي المستبد القروسطي، وأن إسقاط نظام الملالي هو بالتأكيد إسقاط للأسد ونظامه.
إنها المعادلة الجدلية التي تعكس العلاقة الحميمة بين النظامين، وبالتالي العلاقة نفسها التي يجب أن تكون بين المعارضتين والهدف المشترك لهما، المعارضة الإيرانية تقدم للعالم اليوم منطقًا جديدًا عصريًا وحداثيًا للحكم في إيران، يعتمد على التنمية الداخلية والتعددية، وفصل الدين عن قوانين الدولة والمساواة في الحقوق والواجبات لمكونات الشعب الإيراني كافة، وسيادة فكرة المواطنة، ومن يتابع حركة المعارضة الإيرانية يقرأ عن الكم الكبير من التضحيات التي قدمها عناصرها والمعاناة الرهيبة الشديدة الشبه بمآسي الشعب السوري على يد النظام الأسدي، ربما مع نسبة أقل من التهجير الذي يمارسه نظام الأسد ومن يدري فلو تطورت الأمور وألجأ الملالي شعبهم للكفاح المسلح فسيمارسون التهجير كما يفعل عميلهم السوري. أليسوا هم أصحاب هذه الأفكار وهم من خطط ووجّه ونفذ؟ بالفم الملآن اتهمت المعارضة الإيرانية نظام الملالي باحتضان الإرهاب وتربيته، وساقت مواقعها الإلكترونية الأدلة والبراهين عليه، وهدف الملالي من توظيفه كورقة يغطي بها فشله الداخلي ويشيع الفوضى وعدم الاستقرار لدول الجوار، وليحقق أوهامًا امبراطورية تتمتع بنفوذ دولة كبرى في العالم، لافرق بينها وبين من يحلم بالخلافة سوى أن الملالي يقبضون على سلطة دولة معترف بها عالميًا تتظاهر باحترام القوانين الدولية وتنتهكها كل ساعة، يملكون إمكانيات اقتصادية هائلة ويُخضعون شعبهم باسم سلطة إلهية قوامها العنف المطلق.
كان على الثورة السورية الانتباه للتحالف مع المعارضة الإيرانية منذ البدء تحالفًا وتنسيقًا استراتيجيًا يصب في صالح الطرفين، وكان عليهما تشكيل لجان ومكاتب تعبر عن المصلحة المشتركة لشعبيهما، تلك المصلحة التي تعتمد على حسن الجوار والمساهمة في الاستقرار والتعاون للتنمية وإزالة الفقر والأمية والعدالة الاجتماعية، لا الهيمنة وتمزيق المجتمعات ودفعها لصراع مذهبي لا يخرج منه أحد سالمًا ولن يستفيد منه إلا أعداء هذه الشعوب.
لقد كان موقف الرئيسة رجوي موقف رجل دولة حقيقي، عندما أعلنت أن إيران التي تناضل من أجلها هي التي لن يلقى جيرانها منها إلا الود والأخوة والتعامل بالمثل وعدم التدخل بشؤون أي دولة أو سياستها، داخلية كانت أم خارجية، وعدم إثارة النعرات العنصرية أو المذهبية، التي تحيل الشرق الأوسط لقمة سائغة بفم الأعداء بدلًا من تشكيل تقارب يصون استقلال شعوبه ويحرص على توظيف ثرواته الطبيعية والبشرية، من أجل حل مشكلاته وتقدمه وازدهاره.
تُرى لو أن الملالي اتبعوا هذه السياسة كيف كان حال شعوب الشرق الأوسط، كم من الدماء والمآسي كانت قد وفرتها عليهم؟ وكم من الأموال التي صُرفت بالتدمير كانت للبناء ورفاهيتهم؟ وهل كان للتدخل الأمريكي والروسي موطئ قدمٍ أو افتتاح مصب نهر ثروات المنطقة في مصانعهم الحربية؟
وتبقى الأسئلة: ما مدى شعبية هذه المعارضة وتأثيرها لتكون عاملًا مسقطًا أو ضاغطًا على النظام الإيراني ليخفف دعمه غير المحدود للأسد ونظامه؟ ثم ما مدى مصداقيتها فيما تعلن من شعارات وأفكار؟ ألم يتحدث الخميني سابقًا بحديث مشابه وعند استلام السلطة انقلب على عقبيه وأظهر من العداوة والحماقة والتفرد ما تعجز عنه أعتى الأنظمة تطرفًا واستبدادًا؟
الإجابة الأولى: فأنا لا أتحدث عما يزيد عن الـ100 ألف التي ملأت الساحة الباريسية، إنما عن الثورة الخضراء التي حققت في الانتخابات الرئاسية أيام أحمدي نجاد تقدمًا شعبيًا عالجه النظام بتزوير النتائج، وقمعٍ مفرط للاحتجاجات عليه، وعن مظاهرات أصفهان التي رفع عمالها لافتات تطالب الملالي بالخروج من سوريا، وعن الإضرابات اليومية للعمال الذين مرت عليهم أشهرًا دون أن يحصلوا على رواتبهم، عن الفساد والمخدرات التي تفتك بالشباب الإيراني، عن البطالة التي فاقت نسبتها ما كان عليه الحال أيام الشاه، عن الكفاح المسلح الذي بدأه الأكراد والأذريون في الشمال والأحوازيون العرب في الجنوب، والبلوش في الجنوب الشرقي، عن التوابيت التي تصل يوميًا من سوريا.
عن الأخبار التي تناقلتها مواقع إلكترونية حول إعلان حالة الطوارىء في سبع محافظات إيرانية منذ أيام، كل ذلك يُنذر الوطن الإيراني بأسوأ النتائج، والشعب الذي استطاع إسقاط الشاه يستطيع إسقاط نظام جلب الويلات عليه.
وأما الجواب الثاني: فلا شيء يضمن المصداقية بقدر ما تضمنه قوة قادرة على حماية ما تتفق الأطراف عليه، فالانقسام والضعف وإدارة متخلفة للثورة السورية لن تكون سوى مجلبة للطامعين وناكثي العهود، لكن قيادةً إيرانية بعيدة عن نظام الأحلام والأوهام والأساطير، ستكون بالضرورة عقلانية تستطيع حل المشاكل الكبيرة التي سيخلفها نظام الملالي، فإن لم تفعل فإنها تنتظر المصير نفسه، فقد تعلمت الشعوب جيدًا كيف تدافع عن مصالحها.
إن التنسيق المنظم والجدي بين المعارضة الإيرانية والسورية لا شك أنه يصب في مصلحة الشعبين، ولا شك أن المعارضة الإيرانية قوة ملموسة مؤثرة سواء أكان ذلك في تبادل المعلومات والخبرات، أم في تطوير المعارضة الداخلية باتجاه الانسحاب من سوريا، كما لاشك أن ذلك أيضًا يصب في مصلحة حلٍ عادلٍ للشعب السوري الذي سينتصف حينها من الملالي وسفيههم اللبناني، بعد أن ملأت الدماء السورية ومآسي السوريين عيونهم وبطونهم وأيديهم، وستكشف الأيام فضائح المقاومة والممانعة التي خدّر نظام الخميني والخامنئي شعبه والشعوب العربية بها سنين طوالًا.