جودي عرش – الوعر
“ستزولون بزوال الأسد”، هكذا أقنع النظام السوري الطائفة العلوية للوقوف إلى جانبه منذ بدء الحراك الثوري في مدينة حمص، ممهدًا لدخول الطائفة الشيعية إلى المدينة، التي غدت حاليًا نقمة عليه بعد حصولها على الدعم والقوة الإيرانية.
وتحت شعار “اللحمة الوطنية” وتعدد الطوائف، ماتزال أجهزة الأمن السوري تعاني من التخبط جراء الحرب السرية الدائرة بين الطائفتين.
برز حضور الطائفة العلوية في حمص منذ أربعة عقود، إذ استقطبت المدينة العلويين القادمين من الساحل وريفي حمص وحماة، وتمتع العلويون آنذاك بامتيازات لدى الحكومة على جميع المستويات، كانت واضحة في رُخص البناء ووظائف الدولة، وفي القطاعين الأمني والعسكري.
ويتوزع أبناء الطائفة بنسب كبيرة في أحياء الزهراء والنزهة وعكرمة، بينما تتفاوت نسب وجودهم في أحياء السبيل والعباسية والأرمن، إضافة إلى ضاحية الوليد ومساكن الادخار وكرمي الزيتون واللوز.
يقول الناشط الإعلامي في حمص جلال التلاوي “عارضت الطائفة العلوية الحراك الثوري منذ بدايته، ولجأت إلى تأييد النظام الحاكم بعد إقناع أبنائها أن سقوطه سينهي الطائفة”.
سلّح النظام مواليه، من كل الطوائف، وعقب ذلك وثقت عشرات حالات الخطف منذ منتصف عام 2011، عدا عن الاستهداف المباشر للمدنيين خلال المظاهرات، ويرى التلاوي أن ناشطي المدينة حاولوا بشتى الوسائل تصدير خطاب متوازن بأن الحراك الثوري لم يكن ضد طائفة، بل ضد نظام قتل واعتقل الأبرياء، “لكن سياسية النظام كانت أقوى، ما جعلنا نلجأ إلى خطف ضباطٍ عسكريين لمقايضتهم مع المدنيين المخطوفين وجلهم من النساء والأطفال”.
سبع مجازر شهدتها حمص خلال 2013
تطور العداء بشكل ملحوظ عام 2013 بين الثورة وقواتها المشكلة لإيقاف انتهاكات النظام السوري وبين قوات الأسد وميليشياته، وشكلت الأحياء التي تتركز فيها الطائفة مجموعات مسلحة عرفت باسم “الشبيحة” وأخرى سميت “قوات الدفاع الوطني”، ويوضح التلاوي أن المجموعات تلقت تدريبات عسكرية “وحشية” بنيت على حقد طائفي وشراسة قتالية وحب للدماء”.
وشهدت مدينة حمص سبع مجازر خلال عام 2013، أبرزها مجزرتا كرم الزيتون والحولة، وقد نفذتا من قبل “الشبيحة” الذين ذبحوا وقتلوا خلالها ما يزيد عن 300 مدني جلهم من النساء والأطفال، بدعم من دبابات النظام، وفق ناشطي حمص.
امتيازات للشيعة.. خلافات وتمرد
ويرى الناشطون أن دعم القوات الرديفة لنظام الأسد لم يمنعها عن الخروج عن سيطرته، إذ لم يستطع النظام، حتى الآن، منع “شبيحته” من أعمال السرقة والنهب والقتل في حمص، يشتكي منها موالوه قبل المعارضين، ما جعل أكبر معاقل النظام في حمص الأكثر تهديدًا له.
ومع تطوّر الأحداث في سوريا، استقطب النظام السوري مقاتلين شيعة من الدول المجاورة، ويتهم ناشطو حمص المعارضون النظام بمنحهم جنسيات سورية حتى لا يفقدهم في حال صدور قرارات دولية تنص على إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، ومؤكدين أنهم حصلوا على منازل وأراض مستفيدين من إحراق مباني تسجيل الملكيات والعقارات.
الامتيازات التي حازها الشيعة خولتهم تشكيل قوة عسكرية منفصلة عن النظام، وتعرف حاليًا باسم “لواء الرضا الشيعي”، وضم مع بداية تشكيله ثلاثة آلاف مقاتل جعلوا من حمص محط أنظار إيران الداعم الأساسي للواء، وفق الناطق العسكري باسم حركة “تحرير حمص”، النقيب رشيد الحوراني.
وأوضح الحوراني في حديثه إلى عنب بلدي أن اللواء “يتكون من مقاتلين إيرانيين بلغت نسبتهم 20%، كما يضم عددًا كبيرًا من مقاتلي القرى الواقعة في أرياف حمص كمقاتلي قرى المزرعة والزرزورية وأم العمد وغيرها”، مشيرًا إلى أنه “يضم أيضًا مقاتلين من جنسيات لبنانية وعراقية، ويديره قادة إيرانيون يدعمهم الوجود العسكري في مطار الشعيرات والكتيبة الإيرانية المتمركزة قرب جبل زغرين في ريف حماه الشرقي”.
شاركت القوات الشيعية في كافة المعارك بين المعارضة وقوات الأسد ومازالت مستمرة في ريف حمص الشمالي، وقال النقيب الحوراني إن دور الشيعة برز منذ معركة القصير، مؤكدًا أن المقاتلين الشيعة حاولوا فصل مناطق ريف حماة الشرقي عن ريف حمص الشمالي انطلاقًا من قرية الكم التي يسيطر عليها “الدفاع الوطني”.
كل ما سبق من القوى وما حصلت عليه من ميزات جعلها تتمرد على النظام وفق الحوراني، واعتبر أن العداء التي تكنه القوات الشيعية لفصائل المعارضة في المدينة، ناتج عن خلاف عقائدي بخلاف ظن النظام بأنهم يحاربون لأجله في المدينة، “وبالتالي باتت السلطة التي أولاهم إياها نقمة عليه”.
وبحسب الحوراني، نستطيع اليوم ملاحظة أن فصائل الشيعة في المنطقة باتت تخدم مصالح إيران المتجلية ببسط النفوذ والسيطرة الأمنية والعقائدية على المدينة، وهو ما يبرر كما يرى الناطق العسكري ظهور ظاهرة التشييع في الآونة الأخيرة، “فالشيعة يعتبرون أنفسهم جنودًا لتحقيق ولاية الفقيه، ويسعون للتفوق على العلويين، وهذا يبدو جليًا كون لواء الرضا هو الأقوى في حمص والآمر الناهي فيها”.
خلافات شيعية علوية
وظهرت الخلافات بين مقاتلين من الطائفتين العلوية والشيعية من جهة، وبين قياديين شيعة وعناصر من أجهزة النظام من جهة أخرى، وتجلى الأمر بتجاهل القادة الشيعة لتعليمات أجهزة الأمن في المدينة، وفق الناشط رضوان الهندي، مراسل شبكة “شام” في حمص.
وتعاظم الخلاف بين الطائفتين بعد اعتماد الشيعة على الدعم الإيراني بشكل كامل، كما يرى الهندي، مدللًا على ذلك بحوادث كثيرة من القتل والخطف، إضافة إلى السيارات المفخخة التي يتهم بعض الموالين الشيعة بالوقوف وراءها.
ناشطو حمص كان لهم رأيهم بخصوص الخلافات، واعتبروا أن تخبطًا يطال الطائفتين، خاصة بعد أنباء عن قتل قائد الدفاع الوطني، صقر رستم، عددًا من الشيعة ورمي جثثهم في منطقة عكرمة، لم تستطع عنب بلدي التأكد من صحتها.
وأكد الناشطون أن حوادث اختطاف بين الطرفين، مازالت مستمرة حتى الآن، وتنتهي أغلبها بإعادة المخطوفين جثثًا، أو بعمليات
الطائفة الشيعية في حمص
تنتشر الطائفة الشيعية في أرياف مدينة حمص، وبشكل رئيسي في قرى الزرزورية والرقة والمزرعة، إضافة إلى قرى أم العمد وأم التين والحميدية والمخرم الفوقاني والغور، في حين تنخفض نسبة وجودهم في باقي مناطق حمص. وجعل ضعف قدرات ميلشيات “الدفاع الوطني” وكثرة قتلاهم من الشيعة ذوي الحضور الضعيف في ساحة الأحداث هدفًا رئيسيًا للنظام، الذي زودهم بالسلاح ومنحهم تسهيلات وامتيازات لم يمنحها للعلويين. |
مبادلة مقابل مبالغ مالية، بينما يقف جهاز الأمن عاجزًا عن حل الخلاف والحد من التجاوزات بين الطرفين.
ودعم ناشطو حمص حديثهم بـ “ثورة” تشهدها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الموالية للنظام السوري للأسد، والتي يتبادل فيها عناصر من الطائفتين الاتهامات حول المسؤولية عن تفجير السيارات المفخخة وعمليات الخطف والإعدام.
تمتد حمص ثالث أكبر المدن في سوريا على مساحة 48 كيلومترًا مربعًا، وعرفت بنسيجها الشعبي المكون من عدة طوائف، أكبرها الطائفة السنية، التي تبلغ نسبتها 65%، في حين تتنوع باقي الطوائف بين العلوية والشيعية والكردية والإسماعيلية والمسيحية والمرشدية.