جريدة عنب بلدي – العدد الثاني عشر – الأحد 22 نيسان 2012
يتحدث الجميع هذه الأيام عن إعتصام ساحة الحرية (اعتصام الساعة) في حمص ومجزرته المعروفة، إذ صادفت ذكراها يوم الثامن عشر من نيسان. وأظن بأن هذا الحدث حصل من التغطية ما يكفيه، لكن كان هناك ما حصل قبله بعشرة أيام تقريبًا، يغفل عنه الكثيرون رغم أهميته ومكانته وتمهيده لإعتصام الساعة.
أتحدث عن بيان علماء حمص الموقع من خمسة عشر شيخًا من كبار مشايخ المدينة، على رأسهم الشيخ عدنان السقا والشيخ اسماعيل مجذوب. البيان صدر في السابع من نيسان، وهو بذلك يشكّل أوّل بيان رسمي تصدره مؤسسة داخل سورية يتناول الاوضاع آنذاك، كما أنه أول بيان ديني صادر (بيان علماء سورية صدر في 21 نيسان) وهذا كله يعطي دلالة واسعة على أن مكانة حمص في الثورة السورية كانت مبكرة جدًا ورمزية جدًا.
البيان تألف من خمسة عشر بندًا، منها اعتبار المواطنة أساس الحقوق والواجبات وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، نبذ العنف والطائفية والتمسك بوحدة الأمة، رفع حالة الطوارئ، كف يد الأجهزة الأمنية عن الاحتكاك بالناس وإهانتهم واستفزازهم، فتح الآفاق أمام الإعلام الحرّ والشفاف والمنضبط بإطار القيم، اعتبار التظاهر السلمي حقًا مشروعًا للمواطنين. باختصار كان البيان الترجمة القانونية لمشروع إسقاط النظام بشكل سلمي تدرجي بنفس طويل.
البيان حدد موقفه من التظاهر بمطالبة الحكومة بإحترام هذا الحق الطبيعي، بينما لم نسمع من بقية مشايخ الشام موقفًا مدافعًا عن التظاهر إلا بعد وقت متأخر جدًا (تحديدا بعد بدء حركة الانشقاق وظاهرة التسلح) !! ..
البيان قرأه مشايخ حمص على المنابر في يوم الجمعة الذي صدر فيه، وشُرحت المبادئ الاسلامية التي استند عليها البيان، وبسبب طبيعة الناس في حمص التي تحترم المشايخ وتسمع لهم كان للبيان أثرًا واضحًا في نشاط حركة التظاهر في المدينة واتساعها شيئًا فشيئًا حتى وصلنا إلى اعتصام الساعة الذي قاده المشايخ أيضًا واستلموا منصته وراحوا يوجهون الناس (كم نفتقد اليوم لجهة موجهة رشيدة) للحفاظ على حضارة الاعتصام ورونقه.
هذا الموقف لم يكن الوحيد من جهة مشايخ حمص، فمقابلات الشيخ أنس سويد مع بشار الأسد باتت أكثر من معروفة، لكنني أريد الحديث عن أحد المشايخ السباقين جدًا في موقفهم من الثورة وهو الشيخ منهال الأتاسي المعروف هنا في حمص بأبو الطيب الأتاسي.
الشيخ أبو الطيب لم يكن خطيب منبر، لكنه كان يتكلم إلى الناس من المنبر بعد صلاة الجمعة .. وكان أكثرهم شجاعة إذ كان يسمي الأمور بمسمياتها من المرة الأولى، أذكر أنه قال في جمع أحفاد خالد في 22 تموز «السلام عليكم .. يا شباب هذه الجمعة جمعة ثورة .. واسمها خالد بن الوليد، يجب أن نخرج كلنا في المظاهرة وأن نقول للعالم أننا لن نركع إلا لله»
كلمات بسيطة قليلة .. كان الشيخ يلقيها خاصة في رمضان عن جهاد الصحابة وتحملهم للصعاب والمشاق وصبرهم حتى تحقيق النصر ..
كانت أكثر كلمة يرددها على المنبر «ألم يفهم بشار الطاغية أننا لن نركع إلا لله» … هكذا على المنبر، أمام آلاف الناس، وأمام مخبري أفرع الأمن .. كان الشيخ يحمس الناس ويحثهم على التظاهر ويصبرهم .. وأقسم ما هي إلا جمع قليلة حتى كان المسجد يخرج عن بكرة أبيه في التظاهرات اليومية.
لقد أعاد الأتاسي للمنبر دوره ووظيفته وهيبته بعدما أساء لها البوطي وحسون وبقية الجرذان القذرة .. وكم كنا نتعرض لإطلاق نار مباشر، ويركض الجميع .. وبعد أن يتوقف النار انظر لأرى من بقي فإذا بالشيخ مع الشباب مازال مصممًا على المواجهة والتحدي.
ما أريد ان أقوله هو أن موقف مشايخ حمص الجماعي بدءًا من إصدار البيان ثم دورهم الفردي في خطب الجمعة بالوقوف إلى جانب الشارع والتأكيد على حقوقه ومظلوميته كان واحدًا من العوامل الأساسية في تبوّء حمص مكانة العاصمة في الثورة.
وكم غفل مشايخ الشام عن دورهم هذا فلاذ أكثرهم بالصمت المطبق أو التلميح المزدوج، وبعض من تكلم كاد أن يفجر عاصفة الشام .. لكنه آثر لاحقًا الصمت كالبقية ..
الجماهير تحتاج إلى من يقودها هذه حقيقة لا يجب أن تغيب عنا وتقهقر مشايخ الشام عن أخذ مكان القيادة كان له أثر موجع وسيكون له تبعاته حتى بعد التحرير ..