العمل الطبي في داريا… حوار مع الطبيب حسام خشيني
عنب بلدي – العدد 69 – الأحد 16-6-2013
في الثاني والعشرين من نيسان عام 2011 خرج أهالي داريا في واحدة من أكبر المظاهرات التي شهدتها المدينة في جمعة أطلق عليها الناشطون اسم «الجمعة العظيمة» بعد سلسلة جمع كان النظام يصعد فيها عنفه تدريجيًا، وينوع بين القمع بالعصي والجنازير وإطلاق الغاز الخانق وضرب النار بالهواء.
في ذلك اليوم فتحت قوات النظام النار مباشرة في وجه آلاف الغاضبين، ليسقط يومها وللمرة الأولى ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى وليقع جموع المتظاهرين في تخبط كبير وفوضى عارمة بين هرب ومواجهة وإنقاذ للجرحى ومعالجة حالات الاختناق بالغاز. في ذلك اليوم تخاذل الكثيرون من أطباء داريا وأغلقت بعض العيادات أبوابها في وجه المتظاهرين الذين كانوا يركضون بجرحاهم إلى أي مكان توجد فيه عيادة، ولم يكن ممكنًا حينها إسعافهم إلى المشافي العامة أو الخاصة خشية تعريضها لخطر الإغلاق، فاندفع بعض الأطباء الشباب وبادروا بإنشاء نقاط طبية في أماكن مختلفة من المدينة قاموا فيها بمعالجة الجرحى وتقديم ما أمكن من الإسعافات السريعة لهم، وكان أحد أبرزهم يومها الطبيب الشاب حسام خشيني..
حسام خشيني، أخصائي جراحة عظمية، ويحمل شهادة بورد عربي في الجراحة العظمية، ويبلغ من العمر 32 عامًا، كان أحد الأطباء المتطوعين في العمل الطبي منذ بداية الثورة، واستمر في عمله في مختلف النقاط الطبية التي تم إنشاؤها قبل تشكيل المجلس المحلي لمدينة داريا، والذي شغل فيه لاحقًا إدارة المكتب الطبي، بالإضافة إلى إدارته للمشفى الميداني.
عنب بلدي التي نشرت مجموعة تحقيقات وتقارير حول المشفى الميداني في داريا، التقت بالدكتور حسام مدير المشفى وكان لها معه حديث مطول قبل أيام نقتطف بعضًا منه في هذا التقرير.
أقسام المشفى
رغم ضعف الإمكانيات والحصار المطبق الذي يحول دون دخول المواد والتجهيزات إلى المدينة فإن المشفى الميداني في داريا جُهّز بشكل جيد من مخلفات المشفى الحكومي الوحيد في داريا والمشافي الخاصة الأخرى، وذلك قبل أن تقع في قبضة قوات الأسد خلال الحملة العسكرية الحالية. ويضم المشفى الحالي كما يقول حسام عدة أقسام: قسم إسعاف وقسم عناية وقسم أشعة ومخبر ودار استشفاء بسعة ٢١ سرير، كما أن هناك نقطة أخرى تابعة للمشفى فيها ١٧ سريرًا للمرضى الذين «تخرجوا وتعافوا ويحتاجون إلى نوع من الفندقة فقط»، بالإضافة إلى غرفتي عمليات مجهزتين تجهيزًا كاملًا، وعيادة سنية كاملة.
ويقول حسام، أن المشفى –إضافة إلى العمليات الإسعافية- قادر على إجراء العمليات الباردة والعمليات العظمية والعامة والأوعية، وحتى النسائية، وقد شهدت الفترة الأخيرة إجراء عمليات ولادة طبيعة وأخرى قيصرية.
من يتلقى العلاج في المشفى
يستقبل المشفى جميع الحالات التي تصله، سواءً كانت من جرحى القصف على المدينة من الثوار والمدنيين أو من مرضى الداخلية والقلبيين، كما يستقبل المشفى جرحى النظام ومؤيديه والذين يقعون في أسر الجيش الحر بداريا. ويذكر حسام أن المشفى استقبل حالتين أو أكثر من الأسرى الذين تعرضوا لإصابات أثناء المعارك، وقد تم علاجهم «كالآخرين تمامًا»، ويضيف: «من منظور إنساني فالعمل الطبي هو عمل إنساني حيادي»، وعن نوع العمليات التي يجريها المشفى يقول حسام أن أكثرها يكون «فتوحات البطن ومن ثم العمليات العظمية وبعدها عمليات الأوعية، والإصابات معظمها تكون بالرصاص أو بشظايا الصواريخ والقذائف».
الكادر الطبي، نقص وتخاذل
واحدة من أهم المشاكل التي عانى منها المشفى الميداني في بداية تأسيسه هي افتقاره لأطباء مختصين بالأوعية، وهو اختصاص «نادر أساسًا ولا يوجد عليه إقبال»، وهذا ما اضطر حسام للعمل به رغم أن اختصاصه في العظمية، وذلك بعد أن توقف الطبيب الوحيد الذي كان يأتي إلى المشفى عن تلبية نداءات المشفى، ويضيف حسام: «الحمد لله استطعنا تدارك الموضوع إلى حد ما، هناك بعض الحالات النازفة بشدة والتي نضطر لنقل الدم الكتلي لهم، وهو ما يسبب لديهم قصور كلوي حاد ويحتاجون إلى غسيل كلية وعندها لا نستطيع فعل شيء لعدم توافر التجهيزات لدينا، كنا نقوم بإرسالهم لبعض المشافي في دمشق ولكن بسبب الظروف الأمنية لم يعد هذا ممكنًا حتى لو توفي المريض أمام أعيننا، لا نرسله خارج المشفى الميداني نظرًا لخطورة اعتقاله على الطريق». لكن حسام الذي يعتبر أن «نسبة كبيرة من أطباء سوريا لم يعملوا في علاج المرضى في الثورة» يعذر زملاءه من الأطباء المتخاذلين ويعتبر أن «هذا الشيء لدواع أمنية ربما أو لظروفهم الخاصة، ولكل منهم وضعه الخاص» وفي نفس الوقت فإنه يعتب عليهم ويؤكد أنه «من المفروض من ناحية إنسانية أن يتحملوا مسؤولياتهم كونهم كانوا يعالجون الناس قبل الثورة، هذه حالة إنسانية لا علاقة لها بمعارضة أو تأييد ويجب تحمل المصاعب والتضحيات في سبيلها». ويؤكد حسام أنه وجه نداءات عديدة لزملائه، وتكلم بشكل مباشر مع بعضهم، لكن دون أن يجد منهم تجاوبًا، بينما آخرون وعدوه بالمجيء إلى المشفى لكنهم «لم يأتوا بعد»، ويتابع: «نظريًا معظمهم متعاطف مع الثورة بالدعاء، ولكنهم غير مستعدين للتضحية بصراحة».
لكن في ظل هذا النقص، كيف تم تدارك الأمر؟
يقول حسام: «معظم العاملين لدينا هم من المتطوعين، وبما أنهم تطوعوا في بداية الثورة فقد أصبحت لديهم خبرة كبيرة أكثر من الممرضين نتيجة طول الفترة والحالات الكثيرة التي تأتي يوميًا، وأصبحنا نوكل إليهم المهام ولكن تحت إشرافنا المباشر»، وعن اختصاصاتهم يضيف: «نسبة كبيرة منهم يدرسون في التجارة والاقتصاد، يعني مستوى وعي جيد، تبقى عليك كطبيب التوجيه والتعليم … في الحقيقة أصبح لديهم خبرة جيدة جدًا»، لكن رغم ذلك يقر حسام بأن ثمة أخطاء تقع بسبب «ضعف الخبرة في بعض الاختصاصات، كأطباء العناية مثلًا أو أطباء العينية» وأنهم يضطرون أحيانًا للاتصال هاتفيًا بهم للتزود بالمعلومات حول بعض الحالات، «لكن ذلك لا يكفي بالتأكيد ولا يغني عن وجود هذه الاختصاصات في المشفى».
هل استخدم النظام السلاح الكيماوي في داريا؟
يقول حسام: « بسبب نقص الخبرة لدينا وقلة الإمكانات فإننا لا نستطيع التحديد بدقة إن كان قد استخدم السلاح الكيماوي، ولكن ما هو مؤكد أنه استخدم صاروخين في تلك الفترة وبعدها بدأت الأعراض تتوافد على المشفى، حوالي ١٣٥ حالة خلال الليل والأعراض تدل على استخدام غاز كيماوي، تراوحت أعراضه بين تقبض الحدقات واحمرار العينين والغثيان وزيادة إفراز اللعاب إلى الاختلاجات في الحالات الشديدة، وقد نفقت الكثير من الطيور والحيوانات تأثرًا بذلك.. كل هذا يعني أن هناك سلاحًا كيماويًا قد استخدم»، «وبحسب الأعراض التي ظهرت عند المرضى فغالبًا استُخدمت غازات الأعصاب، وربما يكون غاز السارين بتراكيز مخففة».
وعن جاهزية المشفى الميداني في داريا للتصدي لأي هجوم كيماوي، يقول حسام: «في كل سوريا لا يوجد جاهزية للسلاح الكيماوي، في الحقيقة نحن نجد صعوبة بالغة في تدبير الحالات الناتجة عن الإصابات بالأسلحة التقليدية فكيف بالأسلحة الكيماوية، لدينا بعض الأدوية التي تخفف الأعراض كالأتروبين والبلودكسين، ولدينا الأقنعة الواقية التي نصنعها يدويًا لمن هم على الجبهات ولكنها إجراءات غير كافية بالتأكيد».
ارتياح مغموس بالتعب والإرهاق
يشعر حسام بارتياح كبير في عمله في المشفى بعد «تحرير» المدينة، ويعتبر العمل الطبي فيها ضمن الإمكانيات المتاحة ممتازًا، إذ «يتم تدبير أكثر من ٩٠٪ من الحالات وبكفاءة عالية جدًا» لكن تبقى لديه مشكلة في بعض الاختصاصات وصعوبة إدخال المواد الطبية اللازمة، كما أنه لم يخفِ شعوره بالتعب والإرهاق، والذي يدفعه أحيانًا للتفكير بترك العمل «كما فعل الآخرون»، ولكنه يراجع نفسه ويتساءل: «لمن أترك مصير المرضى إذا فعلت ذلك! من تبقى من الأطباء؟ علينا أن نصبر وأن نضحي في سبيل أهلنا وبلدنا»
تشاؤم وواقعية
حسام الذي ينقل عنه أصدقاؤه تشاؤمه الدائم واعتقاده بطول أمد الثورة، يعتقد أن هذه واقعية «وليست تشاؤمًا على الإطلاق» فهو ما زال يعمل في المشفى الميداني وسيبقى به ولكنه يعتقد أن «الثورة لن تنتهي في شهر أو شهرين وإنما تحتاج لنفس طويل جدًا خاصة في ظل الخذلان الدولي في نصر الثورة».
وينهي حسام خشيني لقاءه معنا بتذكير السوريين بشعار ثورتهم «هي لله هي لله لا للسلطة لا للجاه» ويؤكد على ضرورة «رص الصفوف وأن نكون كالجسد الواحد»، موجهًا رسالة في نفس الوقت إلى مؤيدي نظام الأسد «أن يعودوا إلى إنسانيتهم وأن يقفوا رافضين للمجازر والقتل بحق الإنسانية»
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :