عنب بلدي – العدد 69 – الأحد 16-6-2013
هوشيار – قامشلو
في روتين الحياة العادية تقدر نسبة حدوث اضطرابات التكيف بـ 5-25 % من مجموع السكان، ونظرًا لأن أعراضه قد تتشابه مع اضطرابات أخرى فمن الوارد جدًا بأن يشخص بشكل خاطئ، وإذا كانت النسبة كما سبق في ظروف المجتمع العادية فما بالك بمتغيرات قاسية تحكم الواقع المعيشي للأطفال.
يعرف اضطراب التكيف بأنه مجموعة من متغيرات الحياة التي تطرأ على الفرد فتسبب له ضغوطًا وكربًا في أي مجال من مجالات حياته، كالطفل الذي تتغير عليه بيئة التعلم، أو اللغة المنطوقة والمخاطبة، أو البيئة القيمية ..الخ
ويعرف التكيف بأنه القدرة على تحقيق التوازن بين حاجاتنا الداخلية ومتغيرات المحيط، فطالما أن البيئة متحورة وغير ثابتة، ونحن غير قادرين فيها على تحقيق ما نحتاجه فإن الخلل والإضطراب سيكون سيد الموقف.
تبرز الأعراض بين التفكير والمشاعر والسلوك، فعلى صعيد طريقة التفكير والشعور يصبح الطفل حزينًا ويفقد الاستمتاع في الاشياء ويسيطر عليه العصبية وحدة الطباع والقلق، صعوبة في التركيز والنوم. وعلى صعيد السلوك والتصرفات يغلب التهور والصراع مع الآخرين، ويتجنب الاختلاط مع الاصدقاء، ومحاولات الهروب من التعلم يرافقه ضعف تحصيل وتخريب ممتلكات.
قد تستمر الأعراض لمدة ستة أشهر أو أقل، وتكون في هذه الحالة حادة، وتذهب الأعراض من تلقاء نفسها. أما اذا امتدت لأكثر من ستة أشهر فتكون الأعراض مزمنة وتسبب ضيقًا ممتدًا لمجريات حياة الفرد وتصبح الحاجة ماسة لتدخل اختصاصي لمنع تدهور الحالة والتخفيف من حدة أعراضها.
تزداد احتمالية تعرض الفرد لهذه الاضطرابات في حال كان هناك تفككًا أسريًا ووفيات، أو تنقلًا كثيرًا، وخاصة في المراحل المبكرة من الطفولة. كما وتزداد احتمالية تعرض الطفل لهذه الاضطرابات في حال ضيق الأوضاع المعيشية والمادية وبالطبع هذا شائع بكثرة في حالات الأزمات كـالحروب والكوارث الطبيعية.
كما سردنا في أول المقال قد يختلط هذه الاضطراب مع غيره، وقد يأتي مرافقًا، كاضطراب التكيف المرافق للاكتئاب، واضطراب التكيف المرافق للقلق، واضطراب التكيف المرافق للصدمة النفسية واضطراب التكيف المرافق للاكتئاب والقلق ..الخ
ودائمًا سيدور في خلدنا سؤال ..
لماذا بعض الناس دون سواهم يتعرضون لهذه الاضطرابات؟
لماذا زيد من الناس مر بظروف عمرُ وتعرض عمرُ للاضطراب بينما زيد لا !
هنا علينا أن نفهم قاعدة في الاضطرابات النفسية بشكل عام والتي تقسم العوامل المُمرضة إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية، ربما تحدثنا عنها في مقال سابق، وباختصار لكل إنسان بصمة وشيفرة نفسية (عوامل داخلية) نستطيع أن نسميها بالصلابة النفسية، والتي تتراكم وتُركب عبر تحالف المورثات والقدرات والصفات الشخصية، ومن ثم العوامل الخارجية، كقوة المثير (الظروف) وتشابكه وتكراره وتعقيده، ومدى مرور الانسان بصدمات نفسية سابقة، وكيف تخطاها؟ وهل يمتلك الانسان شبكة اجتماعية داعمة؟
اضطرابات التكيف ليس اضطرابًا غريبًا أو خطيرًا ، فهو كأي اضطراب آخر، بحاجة لبيئة آمنة يشعر الطفل فيها بالاستقرار، لذلك وجود بيئة تعليمية ومحيط مشابه لبيئة الطفل قبل التغير مهم جدًا.
وفي حالة المخيمات والنزوح من الضروري جدًا تأمين بيئة مشابهة قدر الامكان لبيئة الطفل السابقة، سواءً كان بالتشبيك مع أقران من نفس اللغة والمشرب الثقافي، ومن حيث المرحلة العمرية والفئة الاجتماعية أو بتهيئة وتعويد الطفل للاستفادة مما هو متوفر ضمن نسيجه الأسري.
في المحصلة يرى علماء النفس أن العوامل الآتية لها أكبر الأثر في إحداث التوافق بين الأفراد وبيئاتهم:
• إشبالاع الحاجات البيولوجية للفرد (منها الحاجة إلى الطعام والشراب والراحة)
• إشباع الحاجات الاجتماعية، ويطلق عليها البعض اجتماعية نفسية (ومن أهمها الحاجة إلى الحنان، الاستقرار، المعرفة ، الانتماء، الأمن، الحرية والنجاح.)