عنب بلدي – العدد 68 – الأحد 9-6-2013
أمير – حمص
كان سقوط القصير في الأسبوع الماضي هو الحدث الأبرز الذي استحوذ على تركيز وسائل الإعلام وعلى متابعة وثيقة من جميع السوريين، وقد أحدث سقوط هذه المدينة الصغيرة استغرابًا كبيرًا، وأثرًا نفسيًا حادًا على مؤيدي الثورة السورية، بينما حاول البعض الآخر استخلاص الفائدة من مثل هذا الفشل. لكن الشيء المشترك عند الجميع هو المفاجأة التي خلقها سقوط القصير .. ترى ما السبب؟ كيف حدث هذا الأمر؟ ماذا حدث بالمدنيين؟ ولماذا هذه الانهزامات المتكررة؟
لنفهم ماجرى في معركة القصير علينا أن نتذكر أنها معركة مثل باقي المعارك، لها قوانين تحكمها، وأحدها أن الانتصار يتحقق باستغلال لحظة، تلك اللحظة التي تقلب الهزيمة أو ركود الموقف إلى نصر للطرف الذي يستغلها، وذلك ما قامت به قوات الأسد وحزب الله، استغلوا لحظة تخلخلت فيها الصفوف الداخلية للكتائب الثورية التي تقاتل على جهة ما من القصير، واستغلت هذا الضعف بشكل جيد واستطاعت اختراق صفوف المقاتلين، وإنَّ كمية الأسلحة والذخيرة الكبيرة التي خلّفتها الكتائب الثورية بعيد انسحابها واغتنمها النظام والتي تقدر بعشرات الآليات وكمية كبيرة من الذخيرة، يؤشر بشكل جلي أن القضية لم تكن نقصًا في الذخيرة كما تحاول تصوريه جهات إعلامية موالية للثورة.
إذًا ما سبب هذا الخلل الذي حدث عند كتائب الثورة؟
لا يمكن أن ننسب فشلًا بهذا الحجم إلى سبب وحيد، وإنمّا اجتماع عدة أسباب تكررت في أكثر من منطقة في سوريا، إحداها اختلاف النظرة لكيفية قيادة المعركة بين الكتائب الثورية، فمنها من يرى ضرورة الصمود حتى الرمق الأخير كما هي عادة المقاتل العربي، بينما ترى كتائب أخرى ضرورة وجود ليونة تسمح بانسحاب بشكل آمن وتوجيه المعركة لهدف معين. إضافة لضعف الاتصال والتنسيق بين كتيبتين (أو أكثر) موجودتين على مقربة من بعضهما في نفس الجهة التي تمّ منها اختراق صفوف الكتائب، فتباطأت قيادات هذه الكتائب في التوجيه العسكري بشكل مناسب مما سببّ خسارة اللحظة الحاسمة. كما يضاف ضعف القيادات العسكرية الثورية في تقدير قوّة جبهة معينة وقدرتها على المناورة والصمود، وهذا ما توحيه لنا طريقة ترك مقاتلي الثورة لمواقعهم بشكل عشوائي وسريع جدًا، فمما لا شكَّ فيه أن الكتائب الثورية المقاتلة في القصير تملك خططًا للانسحاب، وهذا الانسحاب لن يكون بصورة عشوائية كما حدث، وبالتالي فالانسحاب تمّ بشكل مفاجئ وغير متوقع. ولا يمكن أن نتجاهل الاتهامات بانهزام إحدى الكتائب بشكل فردي وتركها لمواقعها لعدم قدرتها على مواصلة القتال أو لخشيتها فقدان السند الخلفي في ساحة القتال.
جميع ما ذكر يشكل السبب الطبيعي لخسارة أرض المعركة، وهذا ما حدث فعلًا ودفع الكتائب الثورية إلى الانسحاب من المدنية والمناطق المحيطة بها، مع أنّ قلّة من المقاتلين ما زالوا مصرين حتى اليوم على البقاء والقتال في المناطق القريبة من الجهة الشمالية في القصير، مدفوعون بعزيمة ومنطلق عقائدي إسلامي.
الشيء الجيد في عقلية المقاتل المحسوب على الثورة هو حرصه على إخلاء المدنيين قبل انسحابه لكي لا يقع هؤﻻء المدنيين تحت رحمة قوات نظام الأسد والثأر منهم، وما جاء من معلومات من القصير تشير إلى إخراج معظم المدنيين ـ يقدّرون ببضعة آلاف ـ من المدينة قبل تركها من قبل المقاتلين.
المنابر الإعلامية للكتائب الثورية التي وُجدت في القصير غائبة عن الإدلاء بتفاصيل عما حدث، وهذا أمر جيد لضرورة امتصاص الصدمة النفسية والبحث عن الهدوء لإعادة دراسة وتحليل ما جرى.
يجب الاعتراف بالهزيمة في القصير، والاعتراف بصعوبتها، وكذلك عدم تضخيم هذه الخسارة، فمدينة القصير مدينة صغيرة وعدد سكّانها أقل من عدد سكان بعض الأحياء في مدينة حمص مثلاً، ويمكن إيجاد بديل لها كموقع استراتيجي، لكن الأهم بالنسبة للسوريين، إن كانت كتائب الثورة السورية ستسفيد مما جرى وتعيد حساباتها وتتجنب الوقوع في الأخطاء القاتلة أم لا، فكثرة الأخطاء هي طريق للنجاح إذا تمّ دراستها بشكل جيد وموضوعي بعيدًا عن تراشق الاتهامات والتعامي عن مكامن الضعف الحقيقية وتجنّب النقد الذاتي.