أحمد الشامي
باللهجة الشامية كلمة “برّا” تعني: خارجي، اخرج، انقلع، من غير مطرود… وهي نقيض كلمة “تفضل”. كلمة “برّا” هي الأكثر استعمالًا حين يتعلق اﻷمر بالسوريين الذين يريدهم الجميع “برّا”.
اﻷسد وحلفاؤه، من روس وإيرانيين هم من وراء السوريين، و”اﻷشقاء” من أمامهم مع “حرسهم الملكي” أو “الجندرمة” أو الجيش والميليشيات، وكلهم مستعدون ﻹطلاق النار على السوري بسبب أو بدونه، المهم أن يكون السوري “برّا” وليس “جوّا”، حيًا أو ميتًا.
أحيانًا، يستمتع السوري بكلمة “تفضل” لكن إلى القوارب استعدادًا لعبور البحر أو إلى القبر، في البر أو البحر.
كلمة “برّا” لم تعد حكرًا على السوريين، فها هي أقلية “الروهنجا” المسلمة في “بورما” تتلقى تهديدات بالطرد، الكهنة البوذيون في “بورما”، ممن يدّعون المسالمة والذين يسيرون وعيونهم شاخصة إلى اﻷرض خشية أن يدهسوا سهوًا نملة أو حشرة، يطالبون بطرد المسلمين وذبح من يرفض الخروج منهم خوفًا من “أن يتلوث العنصر البورمي النقي…”.
الكهنة البوذيون ليسوا وحدهم من أتباع “المسلم برّا”، فحتى “اونغ سان سو كي” المحسوبة على الجناح الديمقراطي والمنفتح في هذا البلد المتخلف، رفضت الحديث مع صحافية بريطانية مسلمة! وهي لا تجد ضرورة ﻹدانة الدعوات لذبح المسلمين وترفض حتى اعتبارهم بشرًا.
في “قلعة العالم الحر” الولايات المتحدة اﻷمريكية، لا يكف السيد “ترامب” عن التصريح بضرورة “الحد” من الهجرة المكسيكية لكنه يطالب بطرد المسلمين “لبرّا”.
يحق لنا أن نتساءل إن كانت كلمة “برّا” هي عمليًا احتكار حصري للمسلمين السنة عمومًا وللسورييين خاصة؟
لعنة “برّا” لم تعد تقتصر على المسلمين وهاهي تطول أعرق الديمقراطيات اﻷوروبية، فاﻷسبوع الماضي صوت البريطانيون قائلين “برّا” للاتحاد اﻷوربي وهاهم الاسكوتلانديون والإيرلنديون الشماليون يستعدون للقول “برّا” للإنكليز!
“البرّا” البريطانية هي حصيلة “الصعلكة” السياسية لرئيس وزراء صاحبة الجلالة “كاميرون” وهو ذاته الذي طلب إذن البرلمان البريطاني قبل معاقبة “اﻷسد” لاستعماله السلاح الكيماوي دون أن يكون محتاجًا لهذه الموافقة. البرلمانيون البريطانيون العارفون “بكفاءة” الرجل رفضوا التفويض.
لم يكتف صاحبنا بهذه المأثرة وتقدم للانتخابات عام 2015 وحين لاحظ أنه قد يخسر الانتخابات لصالح حزب “اوكيب” المطالب بالخروج من الاتحاد اﻷوروبي، تبنى “كاميرون” مقولات الحزب الانفصالي ووعد بإقامة استفتاء على الانفصال، دون أن تكون لديه سياسة واضحة أو خطة “باء”. النتيجة كانت خروج بريطانيا من الاتحاد اﻷوروبي وهو شيء مؤسف بكل المقاييس.
البريطانيون، وخاصة العجزة والكسالى، صوتوا ليس فقط لخروج بلادهم من الاتحاد اﻷوروبي، ولكن أيضًا لطرد رعايا دول “أوروبا الشرقية” الذين هاجروا بمئات الآلاف إلى المملكة المتحدة للعمل ولتأمين مستقبل أفضل لهم وﻷطفالهم (وليس هربًا من البراميل وغاز الخردل…).
قريبًا سيتمتع رعايا “بولونيا” وهنغاريا” وغيرهما من الدول الراقية التي استقبلت السوريين بأعقاب البنادق، بنعمة “برّا” التي طالما أتحفوا أسماع السوريين بها، وسيضطر حكام دول أوروبا الشرقية الذين “استرزقوا” من خير دول غرب القارة لاستقبال “لاجئين” وعائدين هم من طينتهم ومن ديانتهم و”الدنيا دين ووفاء”.
البريطانيون المقيمون في دول غرب “أوروبا” وهم أكثر من مليون مواطن أغلبهم من كبار السن الذين يتمتعون بحقوق اجتماعية مرتفعة نسبة لحقوقهم في بلدهم اﻷصلي سيضطرون، ربما، لسماع كلمة “برّا” وكثر منهم سوف يعودون للتمتع بالضباب البريطاني الشهير وللانتظار ﻷشهر قبل رؤية الطبيب.
اﻷوروبيون من جهتهم مستعجلون للقول “برّا” والتخلص من الجزيرة البريطانية المشاكسة، حصان طروادة اﻷمريكي بحسب الجنرال “ديغول” الذي رفض على الدوام قبول طلب العضوية البريطاني.
عدوى “برّا” صارت تصيب الجميع فحتى “هنغاريا” تريد تنظيم استفتاء لوضع اﻷجانب “برّا”!