مراد عبد الله – عنب بلدي
لم تقتصر آثار الحرب التي اندلعت في سوريا قبل سنين على الخسائر البشرية والاجتماعية فحسب، وإنما طالت صناعات سورية اشتهرت بها على مر العصور كصناعة الحرف اليدوية مثل الزجاج والنحاسيات والنسيج وغيرها.
الضرر الذي أصاب الحرف اليدوية تجاوز نسبة 80% نتيجة الحرب وتداعياتها، لأسباب عديدة أبرزها، تراجع الطلب على المنتجات بعد شلل قطاع السياحة الذي كان يمثل السوق الكبير لتصريفها، إضافة إلى عزوف الأهالي عن شرائها بسبب ارتفاع أسعارها لأرقام قياسية بعد ارتفاع تكاليفها.
ومن أبرز الأسباب الرئيسية التي أثرت في تراجع هذه الصناعات تقاعد الكثير من العاملين، وهجرة “شيوخ الكار” إلى دول الخليج، بعد تقديم عروض مغرية لهم عقب خسارتهم أغلب ورشهم نتيجة الحرب.
الصابون الحلبي
ومن أشهر الصناعات التي تراجع إنتاجها هي الصابون الحلبي الملقب بـ “ذهب حلب الأخضر”، ويعتبر من أقدم أنواع الصابون على الإطلاق، وانتشر بشكل واسع في أنحاء العالم كافة، نظرًا لاحتوائه على مواد طبيعية وزيوت نباتية لها فوائد على البشرة.
معظم مصانع الصابون، ويقدر عددها بأكثر من ستين مصنعًا، تعرضت للقصف العشوائي، وتحولت مناطقها إلى خطوط جبهة، بينما استهدفت شاحنات تصديرها.
كل هذه الأسباب أدّت إلى اضمحلال الصناعة العريقة في حلب وأدت إلى اتجاهها نحو الاندثار في ظل استمرار الحرب، بعد أن كان يصدّر منها قبل 2010 نحو 600 طن إلى العالم.
المنسوجات اليدوية السورية
ومن أشهر الصناعات اليدوية التي بدأت بالاندثار هي المنسوجات اليدوية السورية، وتمتد جذورها إلى حقب تاريخية تقدر بآلاف السنين، إذ يُعتقد أن سوريا هي الموطن الأول والأقدم لهذه الصناعة في العالم.
ويزيد أنواع المنسوجات اليدوية على 100 نوع، ولكل نوع ما يزيد على 20 صنفًا، كالبروكار والدامسكو (نسبة إلى دمشق)، والأغباني.
وتعرضت صناعة النسيج إلى عثرات عديدة في الأعوام الماضية نتيجة الحرب أدّت لانخفاض إنتاجها بنسبة وصلت لحدود 50%.
النحاسيات
ولم يكن قطاع النحاسيات بأفضل حال من سابقيه، فشهد في السنوات الماضية تراجعًا كبيرًا نتيجة تقاعد الكثير من العاملين في المهنة.
القطاع التي اشتهرت به سوريا على مدار التاريخ، دخل دائرة الانقراض بسبب ارتفاع الأسعار وعزوف المواطن السوري عن شراء قطعه بعد وصول سعرها إلى 3500 دولار، إضافة إلى توقف السياحة التي كانت تمثل النسبة الأكبر لزبائن القطاع.
الموزاييك
الموزاييك الدمشقي ويعتبر من أقدم المهن العريقة التي اشتهرت بها ولا تزال مدينة دمشق، وهو فن تطعيم الخشب بالصدَف أو ما يسمى الموزاييك، هو إدخال مادة الصدف إلى جزيئات من أنواع خشبية مختلفة.
رئيس الجمعية الحرفية للمنتجات الشرقية في دمشق، فؤاد عربش، قال عام 2010، لوسائل إعلامٍ محلية، إن هناك 150 حرفيًا منتسبًا للجمعية منهم نحو 100 يمارسون حرفة صناعة الموزاييك الخشبي و50 حرفيًا يصنعون الفسيفساء والزجاج المعشق والرسم على الزجاج والتصديف، وكان يصدّر ما قيمته أكثر من 100 مليون ليرة سورية من هذه المنتجات إلى الخارج سنويًا قبل الحرب.
إلا أنّ هذه الصناعة لاقت تراجعًا كبيرًا خلال السنوات الخمس الماضية نتيجة عدم تصريف منتجاتها وارتفاع أسعارها.
الزجاج المعشق
اشتهرت مدينة دمشق بتصنيع الزجاجيات منذ آلاف السنين، حتى صارت مضرب الأمثال فيقال “أرق من زجاج الشام”.
الزجاج المعشق واحدة من أقدم الحرف الدمشقية ويرجع تاريخ نشأتها إلى 2000 عام، وجاءت تسميتها بالمعشق من ترابط مادة الجص مع الزجاج، ووصف هذا الترابط بالعشق نظرًا للتماسك والتناغم بين الألوان والجص.
رئيس اتحاد الحرفيين في دمشق، مروان دباس، حذّر في حزيران الماضي في حديثٍ لصحيفة الوطن المقربة من النظام، من انخفاض سريع في أعداد اليد العاملة في المهن والحرف اليدوية ضمن سوريا.
وأوضح أن هناك “صعوبات تواجه قطاع الحرفيين، وهي استمرار نزف اليد العاملة حتى وصلنا لمرحلة أصبحت شبه معدومة”، مؤكدًا أن الموجودين حاليًا أغلبهم حديثو العهد ويحتاجون لوقت طويل ليمتلكوا الخبرة المطلوبة.
وأضاف دباس أن أجور اليد العاملة ارتفعت عشرات الأضعاف، وهذا يؤثر في تأمينها في ظل عدم وجود أسواق لتصريف كل المنتجات الحرفية.
تاريخ سوريا التراثي مهدد بالضياع والانقراض، ما لم تضع الحرب أوزارها وتقوم حكومةٌ متفقٌ عليها بخطواتٍ تعيد بريق هذه الصناعات التي تحكي قصة آلاف السنين في سوريا.