عنب بلدي – العدد 68 – الأحد 9-6-2013
حنان اللكود
بابتسامة هادئة، ونظرات أبوية حنونة، استقبل ملاحظاتي وانتقاداتي وعباراتي التهكمية التي أطلقتها رشًا ودراكًا بكل ما أوتيت من أسلحة وذخائر!
ثم أجابني: أشكرك يا ابنتي! فقد أضفت إلى فكرتي وجهة نظرك حولها، وسأعمل على دراسة ما ذكرتِه.
فما كان من براكيني التي اشتعلت في رأسي، وزلازلي التي سيطرت على أفكاري إلى أن سكنت فجأة، محاولة فهم ما يحدث!
بهذا الامتلاء والرسوخ استكمل حديثه في شرح فكرته مما جعلني ألقي جميع أسلحتي وأسلم لمنطق التفكير أذني وعقلي.
إن نموذج الحوار في هذا الموقف يقدم نموذجًا تربويًا بنّاءً، في التعامل مع الاختلاف الفكري ليبني أمةً أصلها ثابت وفرعها في السماء.
فكيف إذا كنا نعيش هذه الحالات من الاختلاف كمعارك وصراعات لا تنتهي، فيتهم بعضنا بعضًا، ثم نطلق الأحكام ونقصي الآخرين، ناسين أو متناسين، في خضم هذه النقاشات والسجالات، أن بين أيدينا أطفالًا تراقب وتقلد، تتعلم وتتابع كل ما نقول وما نفعل!
في غمرة انشغالنا بمعاركنا التي نظن أننا أعلنّاها خوفًا على مستقبل فلذات أكبادنا، نكون قد أطلقنا على ابداعاتهم رصاصة العدم، وكبلنا تفكيرهم بقيود القطب الواحد، وحكمنا على منظومتهم الفكرية بالجمود والتقمص.
تثبت التربية بالقدوة قدرتها على تعليم الأطفال في بيئة الأهل والأقران، مالم تستطع كتب التربية ونشاطاتها أن تثبته في أفئدة الأطفال ومناهج حياتهم، من هنا فإن نموذج الأب السابق يشكل ثروة تربوية نحن في أمس الحاجة إليها، لتعليم الأطفال تقبل الآخر المختلف والتعاون معه على المشترك، لتجاوز الاختلاف.
إن قبول الآخر هي الحالة التي نصل اليها عندما لا نشعر بالتهديد إذا ما عرض الآخر فكرة مختلفة مع فكرتنا أو انتقدها، ففكرة الحق قوية بذاتها.
قبول الآخر هي الحالة التي نعيشها لأننا نثق بأفكارنا التي بنيناها على أسس ثابته راسخة.
قبول الآخر هي نتيجة لامتلائنا بخبراتنا، وتوسع مداركنا وتعرفنا المتواصل على الناس والأجناس. فقد جعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف!.
قبول الآخر هو القرار الذي نأخذه مع تحررنا من التمحور حول ذواتنا واعترافنا بما وهب الله الآخرين وثقتنا بما وهبنا، وإيماننا أن الحقيقة تكمن في تكامل معارف الناس وتلاقح أفكارهم، فكلٌ ميسر لما خلق له.