كيف أثر السوريون في تركيا ثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ودينيًا.. كلس نموذجًا
محمد جغيف
أثبت السوريون أنهم شعب حي، تدب الحياة معهم وبهم، كما أثبتوا أنهم أصحاب ثقافة قوية تغزو الآخر وتتغلغل فيه، وما إن بدأت هجرتهم إلى تركيا حتى صرت ترى أثرهم في كل مكان وفي كل شيء، لا سيما في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والدينية، وهي مجالات متداخلة فيما بينها، وظهرت لنا على النحو الآتي:
كانت البيوت القديمة قبل قدوم السوريين في طريقها للزوال، وبمجيئهم عادت إلى الحياة وطال عمرها، ولعب السوريون دورًا بارزًا في إعمارها حجرًا وروحًا، وانعكست روح حلب على كلس من الناحية المعمارية، وعادت البيوت ذات الحدائق بمجيء السوريين إلى سابق عهدها ويمكن القول: إن كل ما كان متروكًا من بيوت ودكاكين دبت فيها الحياة من جديد، مع أنها كانت بالنسبة لأهالي كلّس أماكن لا جدوى منها.
وكانت الدكاكين والمحلات قبل السوريين تغلق باكرًا، أما الآن فأصبح منها ما يبقى حتى الصباح، وتغيرت الأسعار كثيرًا، فانخفضت أو عادت لوضعها الطبيعي، كما يقول الأتراك أنفسهم، وأصبحت تراها ابتسامة على وجوه الفقراء.
وتغير مفهوم المطاعم وتغيرت ثقافتها وتغير الذوق الكلسي معها، فمثلًا كان الكلسيون لا يأكلون الدجاج كثيرًا، ولكن بقدوم السوريين بدأوا يأكلونه بكثرة، ويتعودون على أنواعه، وحتى إنهم أصبحوا يدعون ضيوفهم إلى المطاعم السورية، وأصبحوا على رأس رواد هذه المطاعم، وعليه تغيرت على مستوى المأكولات كثير من العادات.
وإذا ما تكلمنا عن القهوة، فلم تكن القهوة تشرب في شوارع كلس، وأصبحت مع السوريين عادة من العادات اليومية، بعد أن كانت تشرب في الأعياد والمناسبات فقط، ونرى انتقالًا واضحًا من الشاي إلى القهوة، وأضحت رائحتها تعانق الصباح وتنام في آخر الليل. وانتشرت شركات القهوة السورية في كلس وعينتاب واسطنبول، وبدأ الكلسيون يكتشفونها من جديد، وبالمقابل اقتبس السوريون طريقة صنع الشاي التركي وقلت نسبة استخدام السكر لديهم.
وأصبحت للخضار والفواكه أسواق خاصة تسمى البازار، وإن كانت هذه البازارات موجودة ولكنها كانت قليلة، فكثرت وتكاثرت ودبت الحياة فيها، ونستطيع أن نقول عن أسعارها بالمصطلح التركي: “بلاش”. وعليه تأثرت المراكز التجارية الكبيرة سلبًا بسبب هذه الأسواق، من ناحية الخضار والفواكه. وظهرت أسواق جديدة في كلس، حيث كانت هناك سوق رئيسية والآن تعددت الأسواق.
كما زاد عدد باعة المكسرات والموالح، وكثر استهلاكها وانخفض سعرها بشكل ملحوظ وتحسنت جودتها مع السوريين.
وزاد عدد محال الألبسة وافتتحت محلات للترفيه وإرضاء الذوق العام أكثر من محال الاحتياجات الأساسية، ولا سيما فيما يخص النساء، وأصبحت الجلابية ترى في المساجد، وباتت نسبة قليلة من الأتراك يرتدونها، وصارت العباءة السوداء أكثر بين النساء التركيات، كما ظهرت طريقة ربط الحجاب السورية بينهن، كذلك قلدت السوريات الموضة التركية في هذا المجال، ولم يكن المكياج ظاهرًا عند الكلسيات، إلا أنك أصبحت تراه أكثر من ذي قبل، وبدأت الكثير من الكلسيات يأكلن الخبز السوري من قبيل الحمية، فهو أسلم من الخبز التركي برأيهن.
الأطفال ملأوا الشوارع بألعابهم وأصواتهم، وازدحمت الشوارع بهم بعد أن كانت تخلو منهم، فالأتراك منغلقون بعض الشيء في هذا الموضوع. إضافة لذلك انتشرت عادة الجلوس في الحدائق. ولابد من القول: إن هناك بعض التغيرات السلبية أيضًا، فمثلًا في حركة المرور يلاحظ عدم التزام السوريين بالقوانين وتبعهم في ذلك الكلسيون. وبشكل عام يعد السوريون أكثر استهلاكًا من الأتراك.
وتغيرت بعض التفاصيل الدينية، فلم تكن ترى الشباب والأطفال في المساجد، ولكن مع السوريين تغير هذا الوضع، ودخلت بعض الإضافات عند الإقامة وغيرها، ولم تعد تصلى السنة في المسجد كما كانت قبل السوريين، وبالمقابل انتشرت سنة تحية المسجد، وانتشرت عادة الجلوس في المساجد، التي كانت تُغلق خارج أوقات الصلاة، أما الآن فدائمًا مفتوحة، وبالمقابل لوحظ أن بعض من يرتدين الحجاب لا يصلين.
ملاحظة: كل ما ذكر هو من وجهة نظر تركية وبناء على شهادات أتراك كلسيين وغير كلسيين.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :