يقرن قسم من اللبنانيين، تُعبّر عنهم بلديات وأجهزة أمنية ووسائل إعلام وتواصل اجتماعي وبعض الرأي العام، بين مكافحة الإرهاب وبين الإذلال المقصود للاجئين السوريين الذي تجاوز في الأسابيع القليلة الماضية كل الحدود.
حظر التجول المُعلن عبر لافتات على مداخل القرى والتوقيفات العشوائية التي يرافقها الضرب والإهانة ومداهمة مخيمات اللاجئين بذريعة التدقيق في سلامة أوراقهم (التي تمتنع الدولة اللبنانية عن إصدارها إلا بشروط تعجيزية) ورفع مستوى الخطاب العنصري الى درجات تُذكّر بتلك التي اعتُمدت حيال الفلسطينيين في ثمانينات القرن الماضي، تترافق مع التدهور المستمر في أداء أجهزة الدولة مهماتها، باستثناء تسيير المواكب الاستعراضية لمسؤوليها الخائفين على أرواحهم.
اللبنانيون المشجعون لكل أنواع الاعتداءات على اللاجئين السوريين، مضافاً اليهم قطاعات واسعة من مواطنيهم الأقل عدوانية وعنصرية، يشهدون تفكك أوصال النظام السياسي في بلدهم أمام عيونهم، فيما تصطدم محاولات وقف هذا الانهيار بالجدار الصلب لمنظومة التقاسم الغنائمي لموارد البلاد، على غرار ما حصل مع الحراك المُطالب بحل أزمة النفايات في الصيف الماضي ومع الانتخابات البلدية قبل شهرين.
ويحدث أن يتوصل رئيس مجلس النواب وحركة «أمل» نبيه بري ووزير الخارجية ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الى «تفاهم نفطي» قيل أنه سيفتح الطريق امام استغلال ثروة لبنان من النفط والغاز الكامنة في البحر أمام شواطئه. وربما تكون له انعكاسات ترفع العقبات التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية.
لا أهمية تُذكر للتوضيحات التقنية حول قيمة هذين النفط والغاز في ظل صعوبة استخراجهما من أعماق البحر، في ظل الوضع الحالي للأسواق العالمية. ولا معنى بالنسبة لكثير من اللبنانيين للحديث عن كيفية إقناع الشركات الدولية بالاستثمار في المشاريع اللبنانية أو عن الأرضية القانونية التي ستستند اليها المشاريع النفطية اللبنانية. فالمواطنون يعرفون أن «المربعات» المرسومة على خرائط سواحل لبنان موزعة على الزعامات الطائفية التي بادرت الى إنشاء شركات خاصة بها، ستكون لها (للشركات والزعامات) وليس لخزينة الدولة الحصة الأكبر من العائد النفطي.
ليس من إثبات من النوع الذي يمكن الذهاب به الى المحكمة – وفق التعبير الشائع- على أن الثروة النفطية قد تم تقاسمها وانتهى الأمر وأن لائحة الغانمين باتت معروفة. بيد أن هذا هو الطريق الوحيد الذي تسلكه أمور الجمهورية اللبنانية منذ عقود مديدة.
ما علاقة الغنيمة النفطية بالحملة الأخيرة على اللاجئين السوريين؟ يقدّم تزامن الحدثين فرصة لتفحص عينة من السياسيين، قد يكون باسيل الأبرز من بينها. فالرجل يقود ما يصح وصفه بحرب المخيمات الثانية ويتنقل من محفل دولي الى قرية نائية تعرضت لهجوم إرهابي، حاملاً رسالة واحدة تنطوي على التحريض على اللاجئين. وهو في الوقت ذاته من أكثر المتحمسين لبدء العمل في حقول النفط اللبنانية المفترضة.
يجدر هنا طرح السؤال عن الكيفية التي تتصورها الطبقة السياسية اللبنانية المتواطئة بأسرها على التنكيل باللاجئين، لتوزيع عائدات النفط المتخيلة (والتي قد لا تبصر النور). ما هي المعايير التي يعتمدها العنصري الصريح أو المستتر عند نظره الى ثروة وطنية وعامة؟ الأقرب الى طبيعة الأشياء أن يمضي في عنصريته الى نهايتها. الى محاولة احتكار كل العوائد العامة بجماعته الخاصة.
لا يستطيع العنصريون والفاشيون الصغار الانتقال من الاعتداء على العمال واللاجئين الأجانب تحت الجسور وفي عربات النقل العام، الى تصور تقاسم ثروة وطنية وعامة. الأمران شتان ليس في ذلك ريب.