عنب بلدي – خاص
في الوقت الذي يخوض فيه المبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان ديمستورا، جولات مكوكية في عواصم عالمية كبرى وإقليمية معنية بالشان السوري، تسير “المصالحة” التركية الروسية على خط لم يكن متوقعًا، وعلى مستويات دبلوماسية عالية، بينما يبشر المحللون والخبراء بأنها ستنعكس بشكل إيجابي ومباشر على الأزمة في سوريا.
ومع أن الموعد الذي حدّده قرار مجلس الأمن رقم 2254 للحل في سوريا، عبر تشكيل حكم انتقالي ذي مصداقية يبدأ في الأول من شهر آب المقبل، أي بعد شهر من الآن تقريبًا إلا أن موعد الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف بين النظام السوري والمعارضة، لمّا يتحدد بعد، وهذا ما دفع المبعوث الدولي، ستيفان ديمستورا، إلى التحرك في أكثر من اتجاه عله يحرك “المياه الراكدة”.
وفي مجلس الأمن الدولي قدم ديمستورا في 1 تموز 2016، إحاطة أمام الأعضاء عن الوضع في سوريا، وذلك في جلسة مغلقة، نافيًا ما أشيع عن أنه حدد موعد جولة المفاوضات المقبلة بين الأطراف السوريين بين 12 و15 تموز المقبل.
وقال للصحفيين “هذه المواعيد غير صحيحة، و مايزال مبكرًا جدًا إعلان الموعد”.
ويبدو من الصعوبة تنفيذ القرار الأممي 2254 في موعده المحدد، نظرًا للتأخر في جمع طرفي الصراع على طاولة واحدة، لعدم توفر الشروط الموضوعية لذلك.
مصادر دبلوماسية متابعة ومطلعة على جدول أعمال ديميستورا خلال هذه المرحلة، أكدت أنه سينتقل من نيويورك إلى واشنطن وأنه “يجري مشاورات مستمرة مع الجانب الروسي”، بحسب صحيفة الحياة اللندنية.
السفير البريطاني، ماثيو ريكروفت، توقع أن يتحدث ديمستورا خلال جولاته عن الصعوبات التي تواجه مهمته، وما هي الأمور التي يجب أن تتحقق قبل الموعد الذي كان أعلن سابقًا في 1 آب المقبل، مشيرًا إلى صعوبة التقيّد بهذا الموعد والتوصل قبله إلى اتفاق سياسي.
وخلال جولة المفاوضات الماضية في نيسان، أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات تعليق مشاركتها في المباحثات بسبب تصعيد النظام السوري ومنع إدخال المساعدات الإغاثية، وربط رئيس الهيئة رياض حجاب العودة إلى جنيف بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض.
تعاون روسي– أمريكي “في الظلمة”
رغم ما أشيع في وسائل الإعلام عن تقارب روسي- أمريكي لعقد صفقة ما، من أجل التعاون العسكري في سوريا ضد “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة”، إلا أن واشنطن ماتزال ترفض الاعتراف بنصوص أي اتفاق مع موسكو، لاعتبارات عديدة أبرزها عدم الثقة بالجانب الروسي الذي كان جل همه إنقاذ النظام السوري بعدما كان على حافة السقوط. فقد نفى البيت الأبيض موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على خطة عمل عسكرية مع روسيا في سوريا تستهدف “جبهة النصرة” والتنظيم، بعدما نشرت صحيفة “واشنطن بوست” بعضًا من تفاصيلها.
وقال جوش إرنيست، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن الرئيس (باراك أوباما) لم يوقع على خطة تعاون عسكري مع روسيا لاستهداف “جبهة النصرة” مقابل ضغط الأخيرة على النظام السوري لوقف استهداف المدنيين بالبراميل المتفجرة، وعدم توجيه ضربات للمعارضة المعتدلة التي تدعمها واشنطن.
وقال إرنيست في معرض جوابه على سؤال لقناة “العربية”، إن الإدارة الأمريكية ترى تناقضًا أساسيًا في الموقف الروسي والاستراتيجية الروسية التي تعتمد بالدرجة الأولى على دعم نظام الأسد وتمديد عمر الفوضى داخل سوريا.
وأشار إلى أن واشنطن طالبت روسيا، حتى قبل تورطها العسكري في سوريا، بالتركيز على ضرب تنظيم “داعش” والانضواء تحت قيادة التحالف، وممارسة ضغوط على نظام الأسد من أجل الانخراط في العملية السياسية.
واعتبر المتحدث أنه رغم تأييد روسيا للعملية السلمية، إلا أن نواياها غير مفهومة ومتناقضة باستمرارها بدعم نظام الأسد، وأن جهود الإدارة منصبة حول تثبيت الهدنة، ودفع الأطراف نحو السلطة الانتقالية.
وقدم إرنيست النصح لروسيا بالانضمام للتحالف الدولي إذا كان همها ضرب تنظيم “الدولة” في سوريا.
وتتوقف الخطة التي سربت بعض تفاصيلها “واشنطن بوست” جزئيًا على ما إذا كانت روسيا مستعدة للضغط على رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لوقف قصف المعارضة المعتدلة.
وقال كريس هارمر، المحلل في معهد دراسات الحرب، لوكالة أنباء “رويترز” إنه “إذا فصل المعتدلون أنفسهم عن النصرة فسوف يتحرك الروس والأسد على الفور لقتلهم. فكرة أن تفصل المعارضة المعتدلة نفسها عن النصرة لن تحدث. إنها (خطة الإدارة) طريق طويل مسدود في نهايته”.
تركيا وروسيا تخنقان “داعش” و“النصرة“
وبالتوازي مع المسار الأمريكي الروسي الغامض، فتح لقاء وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، الباب أمام احتمالات واسعة ربما تنعكس في ثناياها على الأزمة السورية، فالجانبان تجمعهما أرضية مشتركة حيال الوضع الميداني وهو الحفاظ على وحدة سوريا، واعتماد الحل السياسي سبيلًا لإنهاء الصراع.
وتعهّد لافروف وأوغلو على التعاون لمكافحة “الإرهاب” وحث المعارضة المعتدلة على الانسحاب من مناطق المتطرفين، والعمل لإنجاز حل سياسي في سوريا، ما يعني خنق تنظيم “الدولة” بإغلاق محكم للحدود السورية- التركية وعزل “جبهة النصرة” بإبعاد بقية التنظيمات عنها.
وذكرت صحيفة الحياة اللندنية أن لافروف وبعد لقائه جاويش أوغلو، على هامش اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الاقتصادي لبلدان البحر الأسود في سوتشي، قال “موسكو وأنقرة متفقتان حول تصنيف الإرهابيين في سوريا”.
وأوضح أن الجانب التركي يشاطر موقف موسكو حول ضرورة انسحاب قوات المعارضة السورية من مناطق “الإرهابيين”، بحسب توصيف موسكو، التي تطالب فصائل المعارضة بالتخلي عن “جبهة النصرة”.
ولفت لافروف إلى أن “روسيا وتركيا على حد سواء مهتمتان بانسحاب المعارضة الوطنية البناءة التي مازالت تتمركز في المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين، من تلك المناطق، وإلا سنعتبر هؤلاء المعارضين متواطئين مع جبهة النصرة وداعش”.
وزير الخارجية التركي، وصف الوضع في سوريا بأنه “لا يدعو إلى التفاؤل”، داعيًا اللاعبين الخارجيين إلى العمل معًا من أجل تسوية الأزمة بالوسائل السياسية وضمان نظام مستقر لوقف إطلاق النار.
ويعد اللقاء بين الجانبين الروسي والتركي على مستوى وزراء الخارجية، هو الأول من نوعه بعد أن توترت علاقات الجانبين على خلفية إسقاط طائرة روسية على الحدود مع سوريا، واستمرت القطيعة سبعة أشهر انتهت باعتذار رسمي تركي، ما سمح باستئناف العلاقات والعمل على إعادتها كما كانت.