د. أحمد الشامي
في الخامس من حزيران 2011، هاجمت “جماعات مسلحة” مفرزة للأمن العسكري في “جسر الشغور” وقتلت 120 منهم دون أن يتم القبض على أي من الفاعلين!
في المادة السابقة، استعرضنا إمكانية أن يكون الفاعل سوريًا أو إيرانيًا أو حتى “إسرائيليًا” واستبعدنا هذه الفرضيات لعدم وجود مصلحة لهؤلاء في العملية التي نعتبرها نقطة انطلاق الحملة المسعورة من قبل نظام العصابة على اﻷكثرية السنية في سوريا.
بقي اﻷتراك و”بوتين” ورأس اﻷفعى في البيت اﻷبيض.
لا ندري ما مصلحة اﻷتراك في إشعال فتيل حرب لن تكون نتائجها في صالحهم؟ بدلالة اﻷداء المزري للدولة التركية و”لأردوغان” منذ بداية الربيع العربي وحتى اليوم. هذه الحرب التي أتت وبالًا على اﻷتراك وعلى مصالحهم واقتصادهم الذي كان مزدهرًا.
للروس مصلحة في تعطيل مشروع الغاز القطري، ولهم مصلحة في تثبيت موطئ قدمهم في المتوسط، لكن هناك عقبات تكتيكية تجعل هكذا مغامرة غير مأمونة العواقب. فالعملية جرت قرب الحدود الجنوبية لتركيا والمراقبة من قبل حلف اﻷطلسي، بما يعني أن أي تحرك روسي سيكون مكشوفًا للأمريكيين واﻷتراك ويقتضي موافقتهم، إن لم يكن صمتهم على عملية بهذا الحجم.
“بوتين” شرير لكنه ليس معتوهًا، فالرجل الذي سبق وأن لقبناه “ظل الشيطان على اﻷرض” لا يخوض مغامرة غير مأمونة في منطقة لديه فيها مصالح محدودة لم تكن وقتها مهددة. مصالح الروس هي في “أوكرانيا” والقوقاز، وهم في سوريا من أجل مقايضة مصالحهم الاستراتيجية مقابل خدمات يؤدونها للعم “سام” وﻷوروبا أو للضغط عليهما.
يبقى الجزار اﻷسمر الذي أشبعنا كلامًا فارغًا عن الحرية وحقوق اﻹنسان، التي تشمل حتى البقر وتستثني المسلمين السنة وخاصة السوريين.
اﻷمريكيون لديهم القدرة العسكرية واللوجستية للقيام بهكذا عملية، قواتهم في المتوسط كانت، وماتزال، قادرة على تأدية كل المهام القذرة وتحقيق إنزال على نمط “خليج الخنازير” في كوبا (والنجاح هذه المرة) اعتمادًا على نقص كفاءة نظام العصابة وغبائه وهمجيته.
اﻷمريكيون قادرون بحكم وجودهم في قواعد اﻷطلسي التركية وبحكم معرفتهم بالبروتوكولات التركية على التعمية على تحركات قواتهم وإخفائها ليس فقط عن عيون اﻷسد والروس بل وحتى عن العيون التركية.
ما هي مصلحة العدو اﻷمريكي في إطلاق شرارة المذبحة السنية في سوريا وإطلاق صراع سني-شيعي؟
بعد انتهاء الحرب الباردة والدخول في عالم متعدد اﻷقطاب لم يعد للأمريكي غير المحتاج للنفط الخليجي “حلفاء” أو “أصدقاء”، بل “منافسون” و”زبائن”.
في ميزان المصالح، أتى تطور اﻷحداث السورية ليصب في صالح العم “سام” على كل الجبهات ودون أي خسارة، فالدم الذي يسيل هو في أغلبيته دم مسلم وسني. هذا بالضبط ما يريده اليانكي ثأرًا “لغزوة البرجين”.
القاتل ومن يدفع ثمن المجزرة هو المنافس والعدو “الخلبي” الفارسي الذي تورط في حرب لا داع لها ولن يخرج منها رابحًا حتى لو انتصر.
الروس يتورطون في سوريا حماية لمصالحهم التي تهددت، وبدل أن يقايض الروس أوكرانيا بسوريا ها هم يرسلون جنودهم ويستثمرون في حرب فرضت عليهم عمليًا، فالروس يريدون مقاتلة الشيشانيين في سوريا بدل محاربتهم في القوقاز، وهم لم يكونوا بحاجة أساسًا لا للحرب ولا للدخول إلى سوريا.
تركيا تستجدي الدعم اﻷمريكي دون جدوى، والدولة العبرية تحتاج اليوم ﻷمريكا أكثر من أي وقت مضى، مثل الصين المرتبكة، والتي ترى النيران تشتعل قرب حقول النفط التي تغذي اقتصادها.
اﻷوروبيون يغرقون في خضم أزمة لجوء تثقل كاهل اقتصاداتهم المرهقة ويستنجدون بالعم “سام”.
أوباما يخسر فقط في الميزان اﻷخلاقي هذا إن كان لديه ميزان أخلاقي أصلًا.