حنين النقري – دوما
ترددت مرارًا قبل أن أكتب عن هذا الموضوع رغم الحاحه عليّ، ليس فقط بسبب الكتابات الكثيرة التي دارت حوله، بل ﻷني لا أرى أن أحدًا أعطاه حقّه، وأخشى بدوري ألا أوصل المعنى الذي أريد، فأسيئ لمقصدي بدل خدمته..
تكلم عن الموضوع كثر، الإسلاميون والعلمانيون والاشتراكيون والملاحدة والشعراء والمفكرون، لكنّي أشعر بأن هذا الموضوع تحديدًا له وجهان -بشكل أوضح من كل المواضيع- نظريّ كتابيّ ورديّ، وواقعي عمليّ يأتي مباشرة بعد جفاف حبر أي كاتب…
عن المرأة أتحدث… ثمة من سيتنهد بملل.. «ياه.. مجددًا»
نعم مجددًا، مجددًا للمرة المليون، ﻷنّها -وان لم تشعر- المظلوم الأكبر اجتماعيًا، والظالم الأكبر لنفسها أيضًا!
لا أود أن ترتبط كلماتي بحركات التحرر، والتجمعات النسائية الحزبية بأيام النظام، والاسترجال الذي كانت تدعو له، ولا أريد أن أدق ناقوس المساواة المزعومة، إذ لا أساوم اختلافي الذي خصني الله تعالى به عن الرجل بكنوز الدنيا كلّها!
المرأة في كل المجتمعات مرتبطة بشكل مباشر، ومباشر جدًا بالجسد.. المرأة الجسد، يشترك بذلك أكثر المجتمعات تدينًا، وأكثرها انحطاطًا، لا ينظر لها كإنسان بعقل وروح وقلب وجسد، بل هي جسد فقط، روّج لهذا عصور الانحدار الاخلاقي، استخدامها كأداة لترويج مختلف السلع في الإعلانات، الإباحية الغربية، النظرة للمرأة شرقيًا -لا إسلاميًا- على أنها عورة، ولحجابها على أنه ستر لتلك العورة…
المفترض أن يكون الحجاب لتحييد المظاهر الأنثوية بجسد المرأة، ليمكنها من التعامل «كإنسان» مع المجتمع دون نظرة خاطئة توجّه لها، باحترام كامل لإنسانيتها التي ما غطّاها الحجاب، ولعقلها مناط تكليفها، وتاج استخلافها في الأرض -نعم، هي مستخلفة أيضًا-
لكن المجتمعات التي نشأت على فكرة المرأة الأنثى فقط، لن تفهم هذا المعنى للحجاب، ولئن احتجبت المرأة بمئة حجاب وحجاب فيها، فلن ينظر لها إلا كجسد، ولن يتم الانتباه بأي شكل لإنسانيتها ولا لعقلها ..
للأسف، فإن هذه النظرة الاجتماعية تغلغلت أيضًا في نفوس النساء كجزء من أي مجتمع، فهي ترى -بإيحاء من المجتمع- أن العلم والثقافة والوعي، هي أمور ستدفع ثمنها أنوثتها بالضرورة، فتؤثر أن تبقى أنثى فقط، مشاركة في ظلم ذاتها وظلم بناتها من بعدها، ليستمر هذا الموروث المغلوط بالانتقال من جيل ﻵخر…
ويشارك الرجل في تعزيز هذه النظرة، ببحثه عن زوجة «أنثى» فقط، ناسيًا أن تفكيرها وخلقها وثقافتها هي النواحي التي ستربي أبناءه غدًا، لكن من يهتم ﻷمر الغد؟
أعتقد أن للموضوع -عند الرجل- علاقة بمسألة القوامة، فمن ذا الذي يرغب بالارتباط بزوجة تناقش وتحلل، تقرأ وتعي، لا تستمع وتذعن بصمت؟
للأمر علاقة بموضوع القوامة الذي غدا لا يشبع لدى الرجال في مجتمعنا إلا بتفوقه العمريّ، الماديّ، ودرجته العلميّة -لا أقول الثقافية- فيتجه للارتباط وفق معايير تؤمّن له قوامته، وتضمن له إذعانها الفكري..
وشخصيًا أعتبر أن له علاقة بقلّة ثقة الرجل بذاته ثقافيًا، فلا تتحقق له القوامة -الهيمنة كمرادف عند البعض- إلا بضمان تفوّقه عليها في «موازيين القوى» بنظره..
وكون مستقبل المرأة هو بيت زوجها، فقليلات هنّ المهتمات ببناء عقولهنّ، ﻷن المجتمع نقل لهنّ نظرة تضاد بين العقل والأنوثة، ولحرصهنّ على فارس الأحلام الذي لن يريدها مع كتاب وقلم.. ومن تلك التي ستقايض رجلها بفكر وكتاب؟
وكأنّ إشراق النور في عقل المرأة، حرب ضروس على فكر الرجل وقوامته.. وحرب على أنوثتها ومكامن الجمال في روحها وجسدها -رغم أنه العكس-الأمر حقيقي وخطير، في استطلاع لي لعينة عشوائية مكونة من 3000 كتاب، كان عدد الكتب التي كتبتها نساء..
أخجل حقا من ذكره.. العدد هو كتابين!
وأحد الكتابين في الدجل والشعوذة والخرافات!
ولمّا سألت صديقة لي عن السبب الذي جعل سليلات أم المؤمنين عائشة، ورفيدة والخنساء ونسيبة وصفية، يغبن عن الساحة الثقافية بهذا الشكل المريع أجابتني بصفعة اجتماعية أخرى «لا غرابة، لا أثق أصلًا بكتاب كتبته امرأة!»
كتابين فقط من 3000 كتاب منوّع، ويعكس أحدهما حقيقة واقع المرأة.. في مجتمع نصفه غيّب نفسه من أجل النصف الآخر..
فمتى سنرى الإنسان الذي خلقه الله في المرأة قبل أنوثتها؟!
ومتى تراه هي، في نفسها أولًا؟!