أما حين اقترب أصحاب المال من حزب الله فكانوا يراهنون على أنه مدخل لاستثماراتهم، وحققوا من خلاله أرباحا ومكاسب، وهم من العائلات التجارية و”البرجوازية”، حين بدا حزب الله سلطة تساعد على تكبير رأس المال وزيادة النفوذ والتسهيلات التي تساعد على مراكمة الثروات. وهم؛ أنفسهم، اليوم يهربون منه من أجل حماية أموالهم ومراكمة المزيد من الأرباح، من المال الحلال أيضا.
المال الحلال هذه الأيام يبدو بالنسبة إليهم بعيدا من حزب الله. حسن نصرالله، وهو ينظر إلى كيف تعقد صفقة شراء مئة طيارة بوينغ من أميركا لصالح إيران، وينظر كيف تعمل حكومة إيران على ترتيب العلاقات الاقتصادية مع واشنطن والغرب، وكيف أن دوائر المال في واشنطن تلاحق حزب الله وحساباته، يبدو في شخصية البطل الذي لا يعنيه ماذا تفعل أميركا وماذا تفكر.
قال نصرالله في خطابه الأخير لجمهوره إن “26 مقاتلا من حزب الله سقطوا لحزب الله خلال شهر يونيو في ريف حلب، فيما سقط 617 للجماعات المسلحة”. بمعزل عن الدقة في سرد الوقائع، لكن ذلك لا يجيب عن سؤال الجدوى: ذهب منهم 617 وذهب منا 26، وماذا يعني هذا الخطاب؟ هل هي عقلية البطل الذي يغلب من يواجهه، ويذهب إلى آخر الدنيا من أجل أن يظهر أنه بطل فقط، بلا غاية ولا هدف سوى أن يقال إنه البطل. هذا حال حزب الله حين تورط في رهانات إيرانية خاسرة داخل سوريا والفلوجة العراقية وفي اليمن. وها هو يكشف عن هشاشة في الخطاب وفي الرؤية وفي القدرة على مواجهة قضية جد متوقعة، ألا وهي مسألة العقوبات المالية.
وحين قال إن “مالنا من إيران”، كأنه يقول للقيادة الإيرانية “نحن أخلصنا لكم أنتم، ولا يمكن أن نقبل بأن تخضعوا لابتزازات أميركية لتخفيف الدعم المالي”. نصرالله الذي يفقد من خلال العقوبات المالية جانبا من استقلالية وفرتها شبكة استثمار حزب الله الدينية والمالية الشرعية وغير الشرعية، اليوم يبدو أكثر فأكثر تحت المظلة الإيرانية، وبالكامل. لذا فإن ما قاله خلال خطابه الأخير، موجه إلى الإيرانيين قبل غيرهم. فهو يقول لهم “نحن في حزب الله أيضا إيرانيون، وهكذا يجب أن تتعاملوا معنا ومع متطلباتنا”. لا سيما أنه في داخل الحكومة الإيرانية اتجاه ضاغط نحو المزيد من تخفيف دفع الأموال وتحويل المساعدات والدعم الخارجي، لا سيما إلى حزب الله.
حزب الله يواجه العقوبات المالية الأميركية كما يواجه تصريحا للرئيس سعد الحريري. يظن النظام المصرفي العالمي سيخاف من تفجير هنا أو هناك، أو سيرتجف من تصريح لزعيم ميليشيا مذهبية في ركن لبناني هزيل. وكل الذين واجهوا طواحين الهواء سقطوا صرعى أوهامهم. وهي مسألة وقت قبل أن يفلس ماليا من أفلس سياسيا وبات فصيلا إيرانيا يأكل ويشرب من دماء أبنائه في سوريا.