غازي دحمان – صحيفة المستقبل اللبنانية
ينطبق على حزب الله المثل القائل «ماشي مع الحمايل على جلال مايل»، والحمولة بلهجة أهل جنوب سورية تعني العشيرة الكبيرة، فالحزب يعيش في الواقع وضعية سيئة ويكاد يسيّر أموره الميدانية يوماً بيوم، نظراً لحالة الاستنزاف الحادّة التي وضعته فيها حربه في سورية، وفوق ذلك فهو يقوم بأدوار تبعية وذيلية تستخدمه إيران وروسيا ونظام الأسد في المهام التي يأنفون عن زج عناصرهم فيها، ورغم ذلك يدّعي بعض أقطاب الحزب أنه صار قوّة إقليمية تغطي فعاليتها المنطقة من اليمن والعراق وسورية؟
لا أحد بالطبع، غير حزب الله، يعرف طبيعة المعيار الذي على أساسه يقيس الحزب مدى فعاليته وقوته، في وقت لا يدعي مشغلوه أنفسهم تلك الفعالية في ظل حرب تبدو السيطرة فيها غير ثابتة والجغرافية متحركة تحت أقدام المتصارعين، فيما الخسائر متساوية، على مستوى العناصر، فالجميع ينزف قتلى وجرحى وإعاقات، والكل بات في ورطة على مستوى التجنيد والتعبئة في حرب لا يبدو أن ثمة خلاصاً قريباً لها، مع فارق أن السوريين الذين يهاجمهم حزب الله ومشغليه يخوضون حرباً اضطرارية دفاعاً عن وجودهم تتضاءل أمامها حسابات الخسارة والربح.
أعطوني غطاءً جوياً وأسلحة حديثة ومعلومات إستخباراتية ورصد متقدم وخبراء تفكيك ألغام ودبابات متطورة وأنا أضمن لكم القضاء على السوريين وأهجّرهم من بلادهم، واضمنوا بقاء بقايا الجيش السوري تحت السيطرة بحيث لا يرف لها رمش جراء المجازر التي سأرتكبها ولا تعترض على ما نقوم به، هكذا يقول حزب الله لروسيا، يعني أنه يريد النزول إلى المعركة بملابس السهرة ومغطى قانونياً بحيث لا يحاسبه قانون ولا محاكم على ارتكاباته ليسجل انتصاراته على السوريين الذين يتسولون طلقات البنادق كي يحموا انفسهم وعوائلهم، ولا نعرف لماذا يعتب حزب الله لعدم تغطيته جوياً طالما الطرف الآخر لا يملك لا سلاح جو ولا ما هو أقل من ذلك؟
إذاً أين سطوة الحزب وقدراته القاهرة وانتصاراته الجبارة، وأين الخبرة التي بناها في الحرب على السوريين لدرجة صارت تهابه القوى العظمى والصغرى، الإقليمية والدولية؟ الواقع، وبعيداً عن البروباغندا التي يتلطى خلفها حزب الله، آن له أن يعترف أن حربه في سورية حطمته وحوّلته إلى حزب معوقين وأرامل، حيث باتت كتلة المعوقين الكتلة الأكبر في جسم الحزب، كما أن عدد العوائل التي فقدت معيلها صارت العنوان الأبرز في إحصاءات الحزب وأصبح هم إعالتها وتوفير مستلزمات عيشها حملاً ثقيلاً ينوء الحزب تحته في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها في هذه الفترة، ولو كان ثمة عقلاء في قيادته لالتفتوا لهذا المتغير الخطير وراجعوا حساباتهم.
ربما تكون ما سميت إعادة الهيكلة التي قرر الحزب إجراءها بداية صحوة ونزولاً عند المتغيرات الحاصلة، المنطق يقول ذلك، فالأمور تغيرت والوقائع أقوى من كل الدعايات والحروب النفسية التي يمارسها بعض جهابذة إعلام الحزب، فالعسكرتارا التي كان الحزب يعطيها الأولوية في اعتباراته، عدا عن كونها فشلت في تحقيق وضمان بقاء الحزب قوة جاذبة ومسيطرة داخل بيئته، فهي أفرزت كارثة ستعاني منها بيئته لسنوات إن لم يكن لعقود طويلة، وإذا كان الجرح ما زال ساخناً ولم يشعر الحزب بعد بحجم الوجع الحقيقي فإن الأمر لن يدوم طويلاً قبل أن يبدأ جسم بيئته يئن تحت ثقل الاوجاع عندما تكتشف كم أن الجرح بليغ وحجم الأضرار التي أنتجها.
يحتاج حزب الله بالفعل إلى إعادة هيكلة، الأطر العسكرية والاستخباراتية في الحزب أصبحت فضفاضة ومترهلة بعد خسارة الكم الهائل من العناصر والكوادر على كافة المستويات، مقابل امتلاء أطر أخرى، وخاصة ذات الطبيعة الاجتماعية «الأرامل والأيتام والمعوقين»، ووصولها إلى حد لا يستطيع الحزب إدارتها في ظل توجهاته العسكرية الحالية، ما يحتم على الحزب التحوّل إلى حزب اجتماعي تناسباً مع طبيعة التحولات الحاصلة في هيكليته بالفعل، يحتاج الحزب إلى إعادة هيكلة على مستوى قياداته وإقالة كل الذين ساهموا بصناعة هذا الواقع المأسوي والأزمة التي أوصلوا الحزب وبيئته لها، وهذا أمر طبيعي تقوم به عادة الأحزاب والمكوّنات السياسية حتى في ظل ظروف أفضل من هذه بكثير، ويجب أن يعلم الحزب أن ذلك ليس عيباً ولا انكساراً أمام السوريين خصومه، فأولئك لا يعنيهم أمر الحزب وهم دفعوا حصتهم من النكبة وسيستمرون في الدفاع عن أنفسهم في كل الأحوال، إنما على الحزب أن يفعل ذلك حماية لبيئته وما تبقى لديه من عناصر، وليعترف بعد انخراطه أربع سنوات في حرب مجنونة أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.
لكن حتى يستطيع الحزب إنجاز هذه المهمة عليه أولاً أن يبعد كل بائعي الأوهام عن أطره السياسية والإعلامية، أولئك ليسوا معنيين بكم القتلى الذين تبتلعهم الأوهام التي يسوقونها وليست لديهم مشكلة إن لم يرجع أحد من جبهات سورية ويخبرهم ماذا حصل، وعليه ثانياً أن يبتعد عن تلقط ما تنشره الصحف الإسرائيلية من تصريحات مقصودة ومبرمجة لمسؤولي الجيش والمخابرات الإسرائيلية عن قوة حزب الله والخبرات التي يحصلها في حربه السورية، آن للحزب أن يدرك أن تلك التصريحات ليست سوى وسيلة لإغراق الحزب أكثر في الوحل السوري وضمانة ألا يعود حزب الله من سورية إلا بصناديق صفراء.