حمص – أمير الحمصي
إن حال مدينة حمص يكاد يتكرر بالشكل نفسه بين أحيائه، وبالوتيرة والآﻻم والمعاناة نفسها، إذ ﻻ تكاد تهدأ جبهة حمصية من القصف والقتل والتهجير، حتى تنفتح جبهة أخرى. وتبقى الحال على هذا الشكل حتى هذه الأيام.
بدأ ذلك في باباعمرو حين شنَّت عليه قوات الأسد الكثير من الحملات المتتالية التي أودت بحياة مئات المدنيين وتدمير للبيوت وتهجير للسكان، وما ان استطاع النظام أن يقتحم باباعمرو ويسيطر عليها منذ سنة ونصف حتى اتجهت قواته لمحاصرة أحياء حمص القديمة وقصفها، مما أدى لقتل المئات من الأبرياء وتهجير مئات الألوف من السكان عن بيوتهم، واضطرت هذه الألوف من السكان للجوء للأحياء الحمصية الأخرى مثل أحياء الحمراء والإنشاءات وكرم الشامي، بينما كان لحيّ الوعر بشقيه القديم والجديد النصيب الأكبر من المهجرين من أحياء حمص القديمة، إذ أصبح عدد سكان حي الوعر يقارب بضع مئات من الألوف من المدنيين. وهذا ما جعل لحي الوعر وضعًا مختلفًا، فهو الحي الوحيد الآن الذي يأوي المهجّرين ويحوي عناصر من كتائب الثورة السورية في أجزاء كبيرة منه وكذلك قوات الأسد في أجزاء أخرى. كان دافع الكتائب الثورية في تواجدها في الحي هو حماية العدد الكبير من سكان حمص الذين لجؤوا إلى حي الوعر، لكن تواجد هذه الكتائب كان من جهة أخرى سببًا في نشوب الكثير من المناوشات بين كتائب الثورة وكتائب الأسد، أودت بحياة عدد من المدنيين وكذلك من الكتائب الثورية وقوات الأسد، فتذبذب حال الحي بين الاضطراب والهدوء النسبي، لكن بقي الخط العام متجهًا لمزيد من الاحتكاك.
انتهى حال الحي مؤخرًا إلى قيام نظام الأسد بقطع الكثير من الطرق التي تربطه بباقي أحياء حمص الخاضعة لسيطرته، وإبقاء ممر وحيد لهذا الحي الضخم يربطه بحي الإنشاءات، ويكون بالتالي هو شريان الحياة الوحيد لمئات الألوف من المدنيين القاطنين واللاجئين لحي الوعر، ثم بدأت وتيرة استهداف الحي بالتصاعد حتى تجرّأ نظام الأسد على قصف الحي بقذائف الهاون والمدفعية دون أي مراعاة لكثافة السكان فيه، وأدى ذلك إلى استشهاد عدد من المدنيين في منازلهم وهم نيام!
ثم بدأ النظام بقطع الطريق الوحيد الرابط لحي الوعر لساعات عدة كل عدة أيام، وهذا ما جعل سكان الوعر يعانون الكثير من حيث تأمين حاجياتهم، والتنقل والتواصل مع باقي الأحياء.
هذه التطورات دفعت عدد من العائلات لترك الحي والانتقال مرة جديدة لحي آخر ومكان إقامة آخر في حيّ حمصي جديد يقع تحت سيطرة نظام الأسد، ودفع آخرين للتحضير للسفر خارج سوريا لأنهم لن يكونوا مستعدين لمغادرة بيوت يلجؤون إليها لمرة ثالثة، وبالتالي ﻻبد في نظرهم من البحث عن مكان آمن خارج سوريا يسمح لهم بالاستقرار والأمان. لكن يبقى عدد ﻻ يستهان به من الحمصيين المنتمين للطبقة الفقيرة ﻻ يملكون إﻻ البقاء في البيوت التي لجؤوا إليها في حي الوعر، وهذا يعرضهم لخطر الموت بقذائف قوات نظام الأسد.
يحار الحمصيون هذه الأيام كيف سيكون مصير مدينتهم وهم يشاهدون جبهة جديدة على وشك أن تفتح باب النار والدمار والقتل والتهجير، وﻻ يملكون حولًا وﻻ قوة لإيقاف هذا الاستهتار بحياة المدنيين، وكأن مصيرهم هو الهروب من شبح القتل ليجدوا مصيدة أخرى جاهزة للإيقاع بهم.