طارق أبو زياد – إدلب
عادت التفجيرات والعبوات الناسفة إلى مدينة إدلب وريفها خلال حزيران الجاري، لتستهدف بشكل رئيسي قيادات في الجيش الحر و“جيش الفتح“، الأمر الذي أحدث بلبلة وتخوفًا بين أهالي المحافظة، الخارجة بمعظمها عن سيطرة النظام السوري.
ومن خلال المعطيات الميدانية، يظهر أن معظم المستهدفين في الآونة الأخيرة هم العسكريون العاملون في الفصائل المقاتلة، على اختلاف مشاربها (أحرار الشام، جبهة النصرة، الجيش الحر)، وهو ما يؤكده الناشط الإعلامي في محافظة إدلب، أبو خالد الحموي.
وأوضح الحموي لعنب بلدي أن التفجيرات الأخيرة في حزيران استهدفت أسواقًا وأماكن مكتظة بالمدنيين “لخلق حالة من الرعب والفوضى تجعل الأهالي يغادرون إدلب”، معللًا كثرة التفجيرات باعتبارها أكبر المدن الخاضعة للمعارضة في سوريا، “وهو ما يجعلها عرضة لأي هجوم وبشتى الوسائل”.
الحالة الأمنية المضطربة لم تقتصر على مدينة إدلب، إذ رصدت عنب بلدي في الآونة الأخيرة عدة محاولات اغتيال في أرياف المحافظة استهدفت قياديين منهم: القيادي في “أحرار الشام” أبو محمد يحيى، ومسؤول “القوة التنفيذية” في إدلب أبو الحارث شنتوت، وقائد “جيش العزة” في ريف حماة الرائد جميل الصالح، وعدة قياديين في جبهة النصرة.
من يقف وراء التفجيرات؟
التكهنات كثيرة حول الجهة التي تمول وتخطط لضرب الأمن في إدلب، فالبعض ينظر بعين الشك باتجاه الشرق، أي تنظيم “الدولة الإسلامية”، وآخرون يرون في فصائل وخلايا “جهادية” مقربة من التنظيم طرفًا في ذلك، وشريحة أخرى تؤكد وقوف النظام السوري وراء هذه العمليات، وخصوصًا في ظل إعلان مجموعة، تنسب نفسها للمخابرات، مسؤوليتها عن العديد من التفجيرات.
النظام هو من أبرز المخططين لتفجير العبوات الناسفة في إدلب، بحسب وائل الحص، المسؤول العسكري في “جيش الفتح”، موضحًا في حديث إلى عنب بلدي أن هناك عدة جهات تعمل على زرع العبوات في المحافظة، ولكن كميتها ونوعية الاستهداف في الفترة الأخيرة يؤكدان وجود جهة منظمة وتعمل بتقنية عالية، فهي تستهدف أشخاصًا محددين بعد دراسة وضعهم ومراقبتهم لفترة معينة.
وقال الحص “إن الأسد يملك عددًا من مؤيديه في محافظة إدلب، ومن المتوقع أن يكون قد جندهم ومولهم للقيام بهذه التفجيرات، إضافة إلى إمدادهم بالمعلومات اللازمة عن الشخصيات المستهدفة، وكيفية التخلص منهم من خلال عملاء يعملون معه في المنطقة”.
وأشار القيادي إلى أن استمرار التفجيرات وتنوع أماكنها يدل على وجود أكثر من مجموعة تعمل بشكل منفصل، وكل مجموعة لا تعلم أي معلومات عن المجموعات الأخرى، ويدلل على ذلك بعدم قدرة أي جهة على إيقاف هذه الظاهرة، رغم القبض على عدد من المجموعات، منوهًا إلى أن التفجيرات السابقة التي كانت تسير بشكل غير دقيق وتستهدف سيارات المقاتلين دون تمييز كانت من قبل “داعش”، أما الآن فالعمليات تدل عن وجود جهة جديدة تقوم بها، على حد قوله.
في كانون الأول من العام الماضي أعلن عن تأسيس مجموعة تابعة للنظام السوري في محافظة إدلب، تحت مسمى “تجمع شباب تطهير إدلب”، لتعلن مسؤوليتها عن عدد من عمليات التفخيخ والتفجير، آخرها محاولة اغتيال قيادي في تجمع “أجناد الشام” التابع لـ “جيش الفتح” في ريف إدلب، الخميس 23 حزيران.
واستطلعت عنب بلدي آراء مجموعة من ناشطي وأهالي إدلب حول هذه المجموعة التي تعلن عن عملياتها عبر صفحتها في “فيس بوك” فقط، دون أي تسجيلات صوتية أو مصورة تدعم عملياتها، فرجحت معظم الآراء أن هذه المجموعة هي “صفحة وهمية” هدفها بث الرعب ونشر الخوف بين المواطنين، بما يخدم مصالح النظام في إحداث موجات نزوح منها.
الإجراءات الأمنية في مدينة إدلب
وتوجهت عنب بلدي بالسؤال عن التطورات الأمنية الأخيرة داخل المدينة إلى “أبو الحارث شنتوت”، مسؤول “القوة التنفيذية” التابعة لـ “جيش الفتح” في إدلب، وقال إن قوته نجحت في ضبط عدة خلايا مؤخرًا، منها المجموعة التي فجرت عبوات ناسفة عند مسجد شعيب، أثناء خروج المصلين من صلاة الجمعة، في 27 أيار الماضي، والتي راح ضحيتها أربعة مدنيين وعدد من الإصابات.
كما أكد أبو الحارث إلقاء القبض وملاحقة خلايا قامت بتفجير عبوات مزروعة أسفل السيارات العسكرية، مشيرًا إلى أن التحقيقات ماتزال جارية للوصول إلى معلومات قد تساعد في الإمساك بأشخاص أو مجموعات على علاقة بتفجيرات مدينة إدلب.
وتحدث أبو الحارث عن الإجراءات الأمنية المتبعة مؤخرًا في إدلب، وأبرزها الدوريات الأمنية على مدار الساعة، ومهمتها تفقد الأوضاع الأمنية في المدينة، وتكثيف الدوريات ليلًا وفي الصباح الباكر، كذلك وضعت “القوة التنفيذية” حواجز على مداخل إدلب، تقوم بتفيش السيارات المشتبه بها للتضييق على المجموعات التي تنوي ضرب المدينة، بحسب تعبيره.
ولا تقف الإجراءات الأمنية عند هذا الحد، فأسندت مهام لأشخاص مدنيين في جميع أحياء إدلب، يعملون على مراقبة الأوضاع وتبليغ الدوريات إذا ما حدثت حركة غير طبيعية أو شكوك أمنية تستدعي الإبلاغ، إلى جانب أشخاص يتنقلون بالدراجات النارية بين الأزقة والأحياء، لمراقبة الأوضاع أيضًا.
وتواصلت “القوة التنفيذية” مع وجهاء ومخاتير إدلب، واتفقت معهم على تعيين أشخاص يقومون بحماية الأحياء، واختيارهم من قبل الوجهاء لمعرفتهم بطبيعة كل شخص في الحي، لزيادة المستوى الأمني في المدينة، بحسب شنتوت، لافتًا إلى تواصل آخر أجرته مؤخرًا مع الفصائل العسكرية، وأبلغتهم بضرورة توخي الحذر وإنشاء حواجز تفتيش في مناطق وجودهم.
ورفض أبو الحارث إطلاع عنب بلدي على نتائج التحقيقات مع المتورطين أو المعلومات التي حصلوا عليها، مبررًا ذلك بـ “دواعٍ أمنية ووجود أشخاص زرعوا داخل بعض المجموعات”، مؤكدًا في الوقت ذاته أن “القوة التنفيذية تمتلك خبرات كبيرة في المجال الأمني والتحقيقات، وتعمل على مستوى عال من الحذر والتخطيط العميق في كل خطوة، ليتم إنهاء هذا الأمر بأسرع وقت ممكن”.
مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات
نشرت القوة التنفيذية” في إدلب، عبر صفحتها في موقع “فيس بوك”، بيانًا أعلنت فيه عن مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات أو يساعد في القبض على منفذي التفجيرات، وواضعي العبوات الناسفة في السيارات والطرقات، وأكدت أنها ستقوم بكتمان اسم الشخص الذي سيقدم المعلومات، حفاظًا على سلامته.
وكشف أبو الحارث لعنب بلدي أن المكافأة ستتجاوز 500 دولار أمريكي، وستجرى دراسة أمنية للشخص الذي سيقدم المعلومات خشية أن تكون خاطئة أو تستهدف أحدًا لغايات شخصية.
انتقادات وجهها مواطنون من المدينة إلى “القوة التنفيذية”، متهمين إياها بالتقصير في عملها، وقال أحدهم (رفض كشف اسمه) إن “القوة الأمنية مقصرة في عملها حتى اليوم”، وتابع “هناك الكثير من السيارات تدخل المدينة وتمر عن طريق الحواجز دون تفتيش”، مؤكدًا أن هذا التقصير هو تصرف غير مقصود وغالبًا ما يكون فرديًا.
وردّ أبو الحارث على الاتهامات بالتقصير، بالقول “الوضع الذي نعيشه في الحرب الدائرة هو وضع غير اعتيادي، فالقصف اليومي وعدم وجود مقومات الحياة والمشاكل الكبيرة التي يعيشها كل شخص في إدلب كفيلة بأن تجعل الفوضى تعم في المدينة”، ورأى أن “أي دولة كبيرة وقوية أمنيًا بمجرد انقطاع الكهرباء لديها مدة نصف ساعة، ستجد الكثير من حالات السرقة والقتل وانتشار التسيب الأمني.. الإنجازات التي تقوم بها القوة الأمنية كبيرة جدًا، مقارنة بالمعطيات والإمكانيات الموجودة..”.
وعزا المسؤول الأمني انتشار الاضطرابات الأمنية في إدلب إلى توافد نازحين من مناطق مختلفة إلى المدينة، سوريون وأجانب، عدا عن أهالي المدينة والنازحين من ريف المحافظة عقب “تحريرها”، وقال “ما يزيد صعوبة الأمر هو عدم معرفة خلفية كل شخص نازح، حتى ولو تعاونّا مع مخاتير الأحياء والوجهاء”.
يؤكد ناشطون ممن تحدثت إليهم عنب بلدي أن الحل الأمثل لضبط الحالة الأمنية في إدلب هو إيجاد جهاز شرطة وقضاء مستقل يعمل في عموم أرجاء المحافظة، وهو أمر “بعيد المنال” في هذه المرحلة، إذ إن لكل فصيل أو تجمع قطّاعًا جغرافيًا معينًا يسيطر عليه عسكريًا وأمنيًا، مرجحين استمرار الخروقات الأمنية طالما بقيت المحافظة دون إدارة مدنية مستقلة.