القطبة المخفية في الثورة السورية
د. أحمد الشامي
هناك الكثير من اﻷحداث التاريخية التي تحيطها اﻷلغاز، مثل محاولة اغتيال البابا “بولس الثاني” عام 1981. في منطقتنا، تكثر اﻷحداث غير المفهومة مثل تفجير خلية اﻷزمة في دمشق في تموز 2012.
الحادثة التي نريد اﻹشارة إليها وقعت قبل تموز 2012، ونستطيع أن نعتبر أن تفجير مبنى اﻷمن القومي في دمشق هو أحد نتائج ما حصل بين 4 و 6 حزيران 2011.
وقتها، لم يكن جيش العصابة اﻷسدية قد بادر إلى احتلال المدن السنية، ولم تكن هناك مجازر كبرى ولا براميل. كانت هناك إمكانية للخروج من “اﻷزمة ” بحل سياسي ما، ولو تجميلي، لكن ما وقع في “جسر الشغور” في حزيران 2011 كان إشارة انطلاق للمجزرة السنية في سوريا.
يومها وقع هجوم “لجماعات مسلحة” على مركز أمني في جسر الشغور إبان سلسلة الاحتجاجات التي كانت تجري في سوريا. المهاجمون قتلوا نحو 80 عنصرًا من عناصر اﻷمن العسكري، كما قتل نحو أربعين آخرين منهم في كمين.
تزامن الحدث مع انشقاق “حسين الهرموش”، واعتبر البعض، على مبدأ التفكير بالتمني، أن المقدم المنشق كان على رأس قوة عسكرية انشقت عن جيش العصابة وقامت بقتل مئة وعشرين من عناصر اﻷمن العسكري.
اتضح لكل ذي عينين بعد ذلك أن “الهرموش” لم يكن قادرًا حتى على حماية نفسه، وأنى له أن يتمكن من إبادة العشرات من عناصر اﻷمن.
بعدما تبين استحالة أن يكون “الهرموش” أو جنود منشقون هم من قاموا بالعملية، تواترت شائعات حول وجود “ميليشيات سنية” لبنانية مرتبطة بالشيخ “أحمد اﻷسير”، الذي اتضح فيما بعد أنه عاجز عن حماية بيته وانتهى متنكرًا في مطار بيروت!
يومها، لم تكن هناك لا “جبهة نصرة” ولا “داعش” ولا “أحرار الشام”، لم تكن هناك أي قوة ثورية قادرة على القيام بعمل عسكري يؤدي لقتل مئة وعشرين من زبانية اﻷسد في ساعات. حتى اليوم، لم يتمكن أي فصيل سوري من القيام بعمل عسكري على هذا المستوى الاحترافي.
من قام بالعملية إذن؟
وفق مبادئ علم الجريمة، في مواجهة فعلة كهذه، يجب البحث عمن لديه القدرة على القيام بالفعل ومن له مصلحة من العملية.
من يقدر على هكذا فعلة هو إما قوة كبرى تملك اﻷسلحة والتدريب المناسبين، وقادرة على إرسال جنود بعدد كافٍ سرًا ثم إخراجهم، بالغواصات أو الحوامات، أو قوة إقليمية موجودة على اﻷرض قريبًا من مسرح العمليات.
القوى الكبرى القادرة هي روسيا وأمريكا، والقوى اﻹقليمية هي النظام اﻷسدي، وإيران، وإسرائيل، وتركيا.
النظام اﻷسدي قذر و”يفعلها”، لكن الطبيعة الطائفية للنظام والانتماء الطائفي للقتلى إضافة إلى دموية النظام وعدم حاجته لمبرر لقتل السوريين هي عوامل ترجح براءة النظام من العملية.
إيران لم تكن لديها وقتها قوى على اﻷرض وحزب “نصر الله” لم يكن قد دخل بعد إلى المعمعة السورية. إضافة إلى ذلك لم تكن ﻹيران مصلحة في فضح مشروعها الطائفي وكان من اﻷسلم ترك هذا المشروع يصل لنهايته المحتومة عبر اﻹمساك التدريجي بمفاصل السلطة في سوريا اعتمادًا على سخافة الرئيس اﻷخرق.
لم تكن ﻹيران مصلحة في الخروج من سياسة “التقية” المضمونة، ﻷنها كانت تربح على كل الصعد ودون أي كلفة تذكر.
“إسرائيل” لديها القدرة العسكرية والتقنية على القيام بالعملية، لكن هل لدى الدولة العبرية، التي راهنت على دوام حلفها اﻷبدي مع “اﻷسد”، مصلحة في تهديد استقرار رجلها في “دمشق” أو “شرشحته” مجانًا؟
وللحديث بقية….
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :