م. خليل آغا
”نحن نعمل من أجل المال”، هذا ما يقوله أغلبنا، وهذا صحيح، لكن للعمل أهداف أخرى غير مباشرة، وقد تصبح في كثير من الأحيان أهم من المال، فنترك العمل في إحدى المؤسسات بصرف النظر عن الراتب الذي نتقاضاه.
من الجوانب المهمة للعمل الجانب الاجتماعي، فنحن بشر نعمل مع بشر في المؤسسة، مما يخلق بعدًا اجتماعيًا مباشرة.
هل قابلت موظفًا يتعلق كثيرًا بفنجان القهوة الصباحي مع زملائه بعد عشرين عامًا من العمل معهم؟
كم تتأثر في عملك برؤية زميلك الذي يعمل معك في نفس الغرفة وهو مهموم أو حزين لدخول ولده المشفى؟ كم تستطيعين مقاومة الرغبة بالحديث مع زميلتك حول خلافها العائلي مع حماتها؟
ما هي أهمية الاحتفال بعيد المؤسسة السنوي لك؟ هل تلتقي زملاء العمل خارج العمل للحديث عن المدير؟
كم تتأثر بابتسامة المدير في وجهك صباحًا عند بدء العمل؟ ما هو إحساسك عندما يسألك المدير عن صحة ابنتك المريضة؟
أغلب الناس اجتماعيون بطبعهم، ونحن نمضي الوقت الأطول من يومنا مع زملائنا في العمل، إننا نراهم ونخالطهم أكثر من عائلاتنا.
هل تعتبر العلاقات الاجتماعية في العمل أمر صحي، أم هي مضيعة لوقت العمل الثمين؟
أولًا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن إلغاء العلاقات الاجتماعية في العمل بأي طريقة كانت، ولكن يمكننا المطالبة بألا تؤثر سلبًا على العمل، فلا يشغلنا الحديث مع الزملاء عن أداء الواجبات المهنية، أو عن التفاعل الإيجابي المطلوب مع زبون ما أو مراجع.
ويجب أن نطالب بألا تؤثر مفرزات العلاقات الاجتماعية على العمل، فلا يدفعني خلاف اجتماعي مع زميلي إلى عدم التنسيق معه لما فيه مصلحة العمل.
يجب أن نذكّر كذلك أن النشاطات الاجتماعية المرتبطة بالعمل جزء من العمل ولو تمت خارج وقت أو مكان العمل، فلا يصدر منك كلام يؤثر على سمعتك المهنية، ولا تتصرف ما لا يتناسب مع درجتك الوظيفية، أنا لا أطلب منك أن تبقى في حفلة للشركة وكأنك ضمن اجتماع، الدعابة والمرح مطلوبان بدون التحول إلى مهرج، ملاطفة الآخرين مطلوبة دون الإثقال عليهم، انتبه إلى ما هو مناسب أو غير مناسب في تعاملك مع الجنس الآخر، إذا أثرت على سمعتك بشكل سيئ فعلى الأغلب سيؤثر هذا على عملك لاحقًا.
هناك بروتوكولات وتقاليد في كثير من الأحيان في النشاطات الاجتماعية المرتبطة في العمل، ففي كثير من الدول يجب أن يكون لباسك رسميًا في عشاء العمل، وفي اليابان يجب أن يكون لباسك وفق المتعارف عليه في النشاط أو وفق المكتوب في الدعوة أو بحسب لباس القائد في النشاط.
هناك تصرفات في النشاطات الاجتماعية قد لا تدرك أنت خطورتها وتحسب عليك رشوة، أو علاقة مشبوهة، أو حتى خيانة، كن حذرًا، فغالبًا ما يتم الاصطياد في هذه الظروف غير الرسمية.
ما لا يجب أن تقوله في العمل، لا تقله في النشاط الاجتماعي المرتبط بالعمل كأسرار الشركة مثلًا.
لا يستطيع أحد أن يطلب منك عدم التعرض للمدير بالذم خارج العمل، لكن لا تبالغ في ذلك وتذكر أنه قد يوجد متسلق وصولي ينتظر نقل كلامك على سبيل الإساءة إلى المدير وأنت لا تعلمه.
أما بالنسبة للمدير فعليه التركيز على أهداف العمل بدل محاربة النشاطات الاجتماعية بين الموظفين، وأنا لا أعني أبدًا استخدام أهداف العمل لمحاربة النشاطات الاجتماعية للموظفين، عليك كمدير أن تترك مجالًا للنشاطات الاجتماعية في مؤسستك، فهي ستكون موجودة أمامك أو بغيابك، شئت أم لم تشأ.
إذا أردت النجاح في عملك كمدير فساهم بقدر ضئيل في النشاطات الاجتماعية المرتبطة بالعمل في مؤسستك، إن مساهمتك في بعض النشاطات الاجتماعية يساهم في تحسين علاقتك بموظفيك ويكون عاملًا تحفيزيًا لهم، ولكن لا تكثر من ذلك فتصبح واحدًا من “الشلة” فعندها لن تستطيع إدارة العمل بعدها.
تقبل كمدير أن يتناولك موظفوك بلسانهم، فأنت مدير ولست صنمًا تعبد، ولا أحد فوق الانتقاد إلا الأنبياء، ببساطة أجب بدون انفعال وردود فعل عن المهم من هذه الانتقادات وأعرض عن الباقي وكأنك لم تسمعه، وركز على تحقيق أهداف عملك.
كما قلنا في مقال سابق، كن إنسانًا في عملك كمدير، وفكر بموظفيك كبشر، فلا تنس حاجاتهم الاجتماعية، عندما يأخذ موظفك إجازة من عمله بسبب مرض ابنته، فليكن أول ما تستقبله به بعد عودته من الإجازة سؤاله عن صحة ابنته، هنئ من تزوج أو رزق بمولود، عزِّ من مات له قريب، شارك موظفيك أفراحهم وأتراحهم، والأهم من ذلك لا تنس أن تبتسم في وجوههم على الأقل عندما تلتقيهم أول مرة صباح كل يوم، فأنت جزء من هذه المجموعة من البشر الذين يشكلون المؤسسة.