الإنسان… مركز الكون

  • 2013/05/19
  • 11:26 ص

طريف العتيق – حمص

خلق الله الإنسان بيديه في أحسن تقويم، ونفخ فيه من روحه، أسجد له ملائكته، وسخّر له ما في الأرض والسماء، بعث لأجله أنبياءه، وأرسل المرسلين دفاعًا عنه، وأنزل معهم الكتب كي لا يشّوه أحد عنه الحقيقة، أعطاه عقلًا قادرًا على النهوض بحياته، وفطرة تنير له دربه كلما تشوشت عنده الصورة، وأعطاه وحده حريّة الإرادة والمشيئة واستخلفه في ذلك.
إنّه بحق مركز هذا الكون.
هذا المركز الاستخلافيّ العظيم، أغرى الكثيرين بالانقلاب عليه، مرات ومرات، بهدف استعباد البشر، تحت مسميّات عديدة، وشعارات كثيرة، ولأهداف متنوّعة.
أحيانًا كانوا يقولون بأن الإنسان ما هو إلا بضع كيلوغرامات من مواد عضويّة، وبضع غرامات من بعض المعادن، ولا شيء أكثر من ذلك. وتارة أخرى كانوا يرددون بأن الإنسان في الحقيقة ما هو إلا تطوير بسيط لقرد منتصب، فقد ذيله نتيجة عدم حاجته له، لا شيء أكثر من ذلك، ولا شيء يتعلق بالهدف والمقصد.
لكنّ المحاولات الانقلابيّة الأكثر خطورةً جاءت تحت مسميّات اعتباريّة لها قداستها، وتاريخها، لها أعراف تحميها، وسلطات تذود عنها، وهي للأسف المحاولات التي كان لها نصيب معتبر من النجاح، ولا تزال إلى اليوم تمارس الخداع، لاستمرار استعباد الإنسان، تحت شعاراتها الخاصّة.
الدين، والوطن، هما العنوانان اللذان نجحا إلى حدٍ كبير، في الانقلاب على مركزيّة الإنسان، وسلبه وجوده!

ليس المقصود بالدين، الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وأنزل لأجله كتبه ورسله، لأنّ هذا الدين عينه جاء لأجل الإنسان، ألم يقل رسول الله بأن تهدّم الكعبة أهون عند الله من قطرة دم المسلم؟ ألم يقل لبلال حينما كان يعذّب بمكة «ان عادوا فعد»، في إشارة إلى سبّه الله تحت العذاب، فهنا مَن أُعطي الأولوية؟ ظهر بلال؟ أم لفظ الجلالة، طالما كان القلب مستقرًا بالإيمان.
الدين جاء لحفظ قيمة الإنسان (وجوده، عقله، ماله، عرضه)، وعلى هذا المقصد تدور كل التشريعات الدينيّة، جاء الدين ليحقّق «حياة طيبة»، ودربًا «منيرًا»، و «ليقوم النّاس بالقسط»، لإزاحة «الظلم والأغلال»… هذا هو الدين حسب وثيقته الأولى: القرآن، وحسب حياة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
لكن الذي حصل لاحقًا هو أنّ البعض بات يتحدث عن «بيضة الإسلام»، «نصرة الدين»، «التضحية في سبيل الله»، كعناوين تستخدم في تبرير عذابات الإنسان، وشقائه، وتبرير عبوديته.
فالثورة على الظلم، أو الخروج على طاعة الحاكم الظالم، ممنوعة في الفقه التقليدي، تحت عناوين اعتبارية مثل «الحفاظ على الجماعة»، و «الحفاظ على النظام»، وحفظ «بيضة الإسلام» الخ، رغم أن تحرّر الإنسان من الظلم وحصوله على حريته ينبغي أن يكون مقصدًا مشرعًا، لا مانعًا.
وهكذا لم يعد «الإنسان» وحريته شيئًا مهمًا، مقابل عنوان اعتباري: «بيضة الإسلام».

كما يشكّل «الوطن» اعتبارية أخرى يحاول البعض استعباد الناس من خلالها، وهو منطق فرعونيّ «ألم نربّك فينا وليدًا ولبثت فينا من عمرك سنين».
فالخروج على النظام الظالم، كفر في اعتقاد الظالمين، لأنه على هذا الوطن عشنا وتربينا وأكلنا من خيره وعشنا في ظلاله! فعجبًا كيف يراد استعباد الإنسان، من جهة مساواة النظام بالوطن.
وهذا المنطق عينه للأسف الذي يدفع البعض إلى تجاهل المعاناة الإنسانيّة الصعبة جدًا التي استطاع النظام ربطها بالثورة، من ملايين النازحين والمشردين والمهجرين، إلى عشرات ألوف المعتقلين، وغير ذلك من الأرقام المخيفة، التي لا يشكّل حلها بالنسبة للبعض «انتصارًا للثورة».
الثورة انطلقت لأجل الإنسان، حريته، كرامته، عيشه، عبّر عنها الوجدان السوري في كلمة ملحميّة رائعة: «أنا إنسان ماني حيوان» إنسان يبحث عن إنسانيته، عن ما يميزه عن الحيوان، فكيف لا يجد البعض مشكلة في انصراف تفكير الثوار عن هذا الإنسان، آلامه، عذاباته، همومه، معاناته، تطلعاته، حياته التي فقدها، لذلك نقول (مثلًا) بأن الحل السياسي الذي يقف إلى جانب هذا الإنسان، ويضع حدًا لآلامه وعذاباته هو حل ثوري لأن الثورة انطلقت لأجله، لأجل الإنسان، كرامته وحريته وعيشه.
الإنسان هو مركز هذا الكون، ولن يكون مقبولًا استعباده أو ظلمه أو تجاهل معاناته تحت أي عنوان كان.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب