لطالما اشتهرت مدينة داريا في ريف دمشق بإنتاج العنب، الذي كان جزء كبير منه يطرح في السوق المحلية، وجزء آخر يذهب إلى التصدير، إلى جانب محصول الكرمة في محافظة السويداء. وكانت هذه الزراعة تحتل المرتبة الأولى لدى معظم مزارعي داريا، الذين يملكون “خبرة كبيرة” فيها، ومع اندلاع الثورة ومحاصرة النظام للمدينة بدأت تتضرر هذه الزراعة بشكل كبير، وارتفعت تكاليفها، إذ يصل اليوم سعر إنتاج الدونم من العنب إلى مليون ليرة، وعليه لم يعد بإمكان المزراعين التوجه إلى أراضيهم في الجهة الغربية باتجاه بلدتي صحنايا وجديدة عرطوز، بسبب الحواجز المنتشرة على أطراف المدينة جهة الغرب، مثل حاجز “الفصول الأربعة” ووجود المساحات الزراعية في مرمى قناصة جيش النظام، ما جعل الاستمرار في زراعة العنب وتقديم الخدمة للمحاصيل أمرًا “شبه مستحيل”.
يقول أحد سكان مدينة داريا، إنّ الأهالي خلال الحصار أبدوا اهتمامًا كبيرًا بمحاصيل العنب، كونها فاكهة صيفية تشتهر بها المدينة وتعد مكونًا غذائيًا مهمًا في ظل الحصار، وكانوا يستفيدون من زراعة الأراضي أيضًا، حيث تم تجهيز مزارع العنب للموسم الصيفي بتقديم الخدمة ورش المبيدات والأسمدة وغيرها على قلتها، لكن تقدم جيش النظام منذ بداية العام الجاري جعله يسيطر على هذه المزارع وبالتالي حرم الأهالي من الاستفادة منها.
ومع استمرار أعمال القتال في المدينة وعلى أطرافها، وفي المساحات الزراعية، توقفت محاصيل داريا وأصبحت الزراعة بشكل عام في خطر محدق، ويحذّر مواطنون التقتهم عنب بلدي من أن “عنب داريا” ومحاصيلها بشكل عام في طريقها للاندثار، وخاصة أن النظام مايزال يسيطر على أغلب مزارع وحقول المدينة، والتي أصبحت الآن بالكامل تحت سيطرة الجيش ليصبح مصيرها مجهولًا.
هيثم أبو عبدو، مزارع داراني، يقول إن “جميع مزارع العنب أصبحت تحت سيطرة النظام منذ بداية الحملة أو في مرمى قناصته، وأصحابها لا يستطيعون الوصول إليها بحجة أنها منطقة عسكرية، ما أدى إلى تلفها جميعها، فبتنا اليوم نشتهي ثمارها فقط”.
ويضيف المزارع بأن داريا تشتهر إلى جانب مزارع العنب والكرمة بمشاتل الورد التي تنتشر على مداخل المدينة، ويذهب جزء كبير من إنتاجها إلى التصدير، يضيف “كان عدد من المزارعين مختصين بزراعة الأشجار واستكثارها وبيعها في المشاتل لتزرع في مكان آخر، فترى المشاتل على جانب الطرقات، ويتم تصريف المنتجات في الداخل والخارج، ومع الأسف كل ما ذكرت أصبح من الماضي”.
تفاح مضايا والزبداني بيد “حزب الله”
تشتهر سوريا بإنتاج التفاح، وبلغ وسطي الإنتاج سنويًا للعام 2014 نحو 250 ألف طن، وتعد المنطقة الوسطى والقلمون الغربي وريف دمشق باتجاه الزبداني وسرغايا ورنكوس ومشقيتا، والجولان المحتل، من أهم مناطق الإنتاج، ونظرًا لوجود المساحات الزراعية من التفاح في مناطق شبه آمنة، وماتزال تحت سيطرة النظام في مناطق ريف حمص الغربي (جبل الحلو)، فإن إنتاج المزارعين مايزال على وتيرته كما في السابق، وقد تمكن النظام السوري من فتح أبواب التصدير إلى دول عربية على رأسها العراق ولبنان والجزائر ومصر.
لكن “الويلات” جاءت إلى محاصيل التفاح في سهول مضايا والزبداني بعد المعارك العنيفة بين “حزب الله” وقوات المعارضة، وكان نتيجة ذلك هجرة السكان للمدينة وسيطرة قوات الحزب على معظم المناطق المحيطة، بما فيها المساحات الزراعية، حيث أجرت عمليات تجريف واسعة للأراضي والسهول وقطعت الأشجار، وردمت مئات الآبار، بحسب شهادات سكان وناشطين من المنطقة، وهو ما أدى إلى توقف هذه الزراعة بشكل كامل على طول حزام سلسلة جبال القلمون الغربية.
وشكلت ممارسات قوات النظام وحزب الله، المتمثلة بردم جميع آبار المياه الموجودة في منطقة رنكوس والتي تعد شريان الحياة للأراضي الزراعية، مخاطر كبيرة على الزراعة في المنطقة، لا سيما بعد سرقة أنابيب المياه و”الغطاسات” واعتقال المزارعين، وهو ما زاد معاناة الأهالي الذين يعتمدون على الزراعة، وبالأخص التفاح والمحاصيل الصيفية (المشمش، الخوخ، الدراق).
وبعد أن سمح النظام لسكان رنكوس بالعودة إلى المدينة في العام 2014، بعد سيطرته عليها، رجع السكان إلى أراضيهم للعمل فيها واستأنفوا إنتاج المحاصيل، لكن ارتفاع تكاليف الإنتاج وتوقف شبكات الري، جعلهم يعتمدون “الزراعة البعلية” بشكل كامل.
يقول أحد المزارعين “منذ ثلاث سنوات تقريبًا لم نستخدم الأسمدة ولا المبيدات الحشرية في المنطقة بسبب ارتفاع أسعارها، إذ يبلغ سعر طن السماد أكثر من 300 ألف ليرة، وهناك معاناة في تأمينه”، معتبرًا أن ما تقدمه الوحدات الإرشادية في المنطقة غير كاف ولا يساهم في تحسين جودة المحاصيل.
بماذا يوصي الخبراء لتحسين الواقع الزراعي في المناطق المحررة؟
• إيجاد مؤسسات تكون نواة لإدارات زراعية سورية خالصة من أجل الإشراف على المحاصيل والزراعة بشكل عام.
• افتتاح فروع لمؤسسات حكومية تتولى توزيع البذار، والمبيدات، والأسمدة، والري، وتسويق المحاصيل.
• إيجاد أجهزة رقابة على الأسواق ومحاربة تجار السوق السوداء.
• تفعيل العلاقات وتطويرها بين المؤسسات والمنظمات الدولية والدول الصديقة.
• أن يكون هناك نواة لمؤسسات سورية خالصة تشبه مؤسسات الدول المجاورة. لأن العمل الزراعي لا يمكن أن يقوم به أفراد، بل هو جهود على مستويات دولة وليس أفراد.
• التعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنع تدخلها عبر المنظمات.
• تدريب اليد العاملة الزراعية وتأهيلها ورفع الأجور.
• إيجاد أسواق لتصريف المنتجات الزراعية بأسعار مجزية.
• بسط الأمان على الطرقات وتعزيز حماية المنشآت والمحاصيل الزراعية.
تابع قراءة الملف الموسع: زراعة سوريا.. “قاطرة نمو” ترجع إلى الخلف
الزراعة السورية.. تتحول من باب للاستثمار إلى سبيل للبقاء
سوريا وإفريقيا.. خطط دولية لإفقار الشعب السوري
انتعاش التجارة بين “الدويلات”السورية وتسلط العسكر على الفلاحين
الزراعة في مناطق المعارضة.. “إدارة مدنية وحماية عسكرية”
منظمة الـ “FAO” ترفض التعامل مع المعارضة كليًا وتخصص الدعم للمنظمات
المناطق المحاصرة.. بيع البذار بـ “الحبة” وانتعاش السوق السوداء
النظام ينهي الزراعة في داريا بعد السيطرة على 300 دونم من أراضي المدينة
شبح حصار مدينة حلب يدفع الأهالي لزراعة الأحياء السكنية
حي الوعر الحمصي.. زراعة الحدائق وشرفات المنازل من أجل البقاء
محصولا القطن والشوندر السكري ينقرضان في إدلب
محافظة حلب: زراعة القمح تدهورت والقطن انقرض
صراع بين النظام والمعارضة على ما بقي من قمح سوريا.. من يدفع أكثر؟
“نقص السيولة” يهدد “مؤسسة إكثار البذار” بالتوقف نهائيًا
مجلس محافظة حلب يستثمر أراضي مركز “إيكاردا”
درعا: أسواق الهال تتحول إلى مراكز تجميع خردة.. والفلاحون بلا أراضي
زراعة العنب ومشاتل الورود تتوقف في داريا.. والتفاح يتراجع في القلمون
تأسيس أول معهد أكاديمي في المناطق المحررة لتعليم “التكنولوجيا الزراعية”
النظام “يكسر الحصار”ويستأنف تصدير التفاح والحمضيات
استطلاع رأي: الزراعة ستستمر لأنها قوت غالبية السوريين
بعد تلاشي وزارة الزراعة المؤقتة.. مكتب التعاون الزراعي “أول كيان مؤسساتي”لدعم الفلاح السوري