تحولت سوريا وخلال السنوات الخمس الماضية من قوة إقليمية زراعية، إلى دولة “جائعة” بعدما فتكت الحرب بمفاصل الاقتصاد ودمرت معظم القطاعات الإنتاجية، كالصناعة والسياحة والزراعة.
دُمرت نصف الثروة الحيوانية تقريبًا، وأصبح 8.7 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بعدما كانت توصف سوريا بأنها واحدة من سلال غذاء الدول العربية، وأحد محاور ارتكاز الأمن الغذائي العربي.
إعداد: فريق التحقيقات في عنب بلدي
لم تكن سوريا يومًا بحاجة لاستيراد المنتجات الزراعية، بل كان الإنتاج من المحاصيل الاستراتيجية والصناعية يكفي حاجة السوق المحلية ويصدّر الباقي إلى الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
الاكتفاء الذاتي الذي كانت تنعم به سوريا جاء نتيجة مقومات عديدة، جعلها قوة إقليمية في المجال الزراعي، بفضل المساحات الزراعية الشاسعة، التي تقدر بحوالي 30% من مساحات البلاد، البالغة 18.5 مليون هكتار وفق تقديرات رسمية لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، وهي أعلى نسبة عربيًا إلى جانب تونس، تليها لبنان والسودان.
وكانت الزراعة الحرفة الأولى للسكان، وتشكل مصدر دخل لحوالي مليون عامل من أصل خمسة ملايين، وهو حجم القوى العاملة في القطاعين العام والخاص، ويشكل العاملون في الزراعة 17% من إجمالي القوى العاملة، وتشكل 25% من الناتج المحلي الإجمالي المسجّل 60 مليار دولار العام 2010.
كان المزارعون السوريون ينتجون سنويًا 3.5 مليون طن قمح، ومليون طن حمضيات، و700 ألف طن بطاطا، و100 ألف طن تفاح، و1.8 مليون طن شوندر سكري، و135 ألف طن ذرة صفراء، ويوجد في سوريا 106 ملايين شجرة زيتون تنتج مليون طن يكفي الاستهلاك المحلي ويصدر معظمه.
واحتلت سوريا في السابق المرتبة الثانية عالميًا في إنتاج القطن العضوي بعد الهند، وتنتج البلاد مليون طن تقريبًا من مساحات 200 ألف هكتار.
لكن هذه الأرقام، التي تبدو كبيرة للغاية مع حجم استهلاك السكان البالغ 23 مليون نسمة للعام 2010، سرعان ما تبددت بعد مضي السنوات الأولى من الثورة السورية، إذ أدى اشتداد المعارك بين أطراف الصراع، واستهداف النظام للمحاصيل الزراعية في المناطق التي لم يعد بإمكانه السيطرة عليها إلى تلاشي هذه الأرقام، وتبددت معها صورة “سوريا الزراعية” ذائعة الصيت، وبات شعبها بحاجة إلى المساعدات، فأزيحت عن سدة المراتب العالمية، وبدأ “عصر الانحدار”، وخسر قطاع الزراعة 1.8 مليار دولار، وانقرضت تسعة أصناف من القمح السوري المرغوب عالميًا، “وتحولت سوريا من بلد لا يستورد شيئًا إلى بلد بحاجة إلى كل شيء”، كما يقول رئيس غرفة زراعة إدلب، عبدو حميدي.
الزراعة السورية.. تتحول من باب للاستثمار إلى سبيل للبقاء
ظروف الحرب، والاقتتال، وأعمال العنف التي امتدت على معظم الأراضي السورية، وخاصة في الأرياف وخارج مراكز المدن الكبرى حيث تتركز الزراعات الكبيرة، (القمح والشعير والقطن)، في أرياف حلب ودرعا والحسكة ودير الزور، منعت أي فرص لبقاء هذه الزراعات أو استمرارها، وأصبحت المساحات الشاسعة الخصبة، قاحلة، وفي مرمى القناصة، وتحت نيران الطائرات، وتحولت إلى خطوط جبهات جعلت من المستحيل على الفلاحين الاقتراب منها والعمل فيها، ليس هذا فحسب، بل جلب تراجع الليرة وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج “الويلات” على من تبقى من المزارعين، بسبب غلاء مستلزمات الزراعة، وندرة توفرها، وانتعاش السوق السوداء و”تغوّل” التجار والسماسرة الباحثين عن الأرباح مهما كان السبيل إليها، فتشوهت قواعد العرض والطلب في السوق الزراعية، وأصبح المزارع في وضع لا يحسد عليه، ومع هذا بقي هناك من يزرع ولو بالحدود الدنيا من أجل البقاء على قيد الحياة.
قبل العام 2011، ورغم عدم إيلاء الحكومات السابقة الاهتمام الكافي للقطاع الزراعي، لجهة تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في هذا القطاع، حافظت الجهود الفردية وتأسيس عدد من الشركات الزراعية العامة في سوريا على الاستثمار في هذا المجال وسعت إلى تطويره، وإن لم يكن بالشكل الذي يعبر عن الاقتصاد السوري بشكل حقيقي، ويستدل على ذلك من خلال عدد الشركات المستثمرة في المجال الزراعي والمدرجة في بورصة دمشق، وعددها شركة واحدة فقط هي الشركة الهندسية الزراعية للاستثمارات (نماء)، في حين أن عدد الشركات الزراعية يجب أن يكون أكثر من ذلك، إذا ما قورن بحجم مساهمة الزراعة في الدخل القومي.
ومع ذلك استمرت المحاصيل الزراعية بتحقيق أرقام كبيرة، مدفوعة بدعم محلي حكومي في مجال تأمين مستلزمات الزراعة بأسعار مدعومة، لكن بعد اندلاع الثورة تغير الوضع بشكل كبير، وقطعت حكومة النظام إمدادات الدعم الزراعي عن مناطق خارجة عن سيطرتها، وحاربت الجهات الداعمة، وعملت قوات النظام على تدمير البنية التحتية الزراعية عبر قصف صوامع الحبوب والسدود والمحالج وشركات الإنتاج الزراعي ومعامل الكونسروة والسكر واستهدفت القوافل.
وهنا تحولت الزراعة على مستوى سوريا الخارجة عن سيطرة النظام من مشاريع زراعية على مستوى الدولة أو تدعمها الدولة إلى مشاريع “الأسرة الواحدة” أو الفرد، هدفها تحصيل “قوت اليوم” ومن أجل بقاء المزارعين على مستوى الأفراد على قيد الحياة، بعدما ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية، بلغت 90% في ريف حلب، وفق مصعب الخلف، مسؤول المكتب الزراعي في مجلس المدينة، وهذا أدى إلى اضطراب إمدادت الغذاء لمعظم السكان المحليين، وخلق حاجة لمزاولة أي عمل من أجل كسب المعيشة اليومية، فانتشرت أعمال الاستغلال والابتزاز، وكل هذا وسط غياب الجهات الداعمة والمشرفة على العملية الزراعية في المناطق المحررة الممثلة بالحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني، كما يقول عدد من الخبراء الزراعيين ومديرو المؤسسات الزراعة البديلة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لعنب بلدي.
سوريا وأفريقيا.. خطط دولية لإفقار الشعب السوري
يرسم مدير عام المؤسسة العامة للحبوب التابعة للحكومة المؤقتة، حسان المحمد، وهو كيان مؤسساتي وليد إلى جانب مؤسسة إكثار البذار والأعلاف، صورة سوداوية، وقاتمة للمشهد الزراعي الحالي في عموم سوريا، ولواقع زراعة القمح والشعير خاصة، فإنتاج القمح تراجع من 3.5 مليون طن سنويًا إلى أقل من 450 ألف طن سنويًا في عموم سوريا، وهنالك نسبة هجرة مرتفعة للفلاحين في معاقل هذه الزراعة جنوب وشمال سوريا، حيث يتحول المزارعون للعمل في القطاع الخاص والتجارة والشركات بعدما تراجع الدعم من الحكومة المؤقتة والائتلاف.
ويعتقد المحمد، أن هناك خطة مدروسة طبقت خلال السنوات الماضية من عمر الثورة، هدفها “تجويع الشعب السوري” وجعله لا يهتم بالزراعة ولا يلقي لها بالًا، أو تخصيصه بالدعم عن طريق منظمات إغاثية لا تملك سياسة واضحة داخل سوريا، وبالتالي تحويل الحالة السورية اقتصاديًا إلى وضع يشبه دول أفريقيا، حيث تنتشر المجاعات والحاجة للمساعدات الأممية، رغم توفر الأراضي الزراعية الخصبة “غير المجهدة”. يقول المحمد لعنب بلدي، “في أفريقيا مساحات وأراض خصبة لكن لا زراعة فيها، ولا إنتاج، لأن ثقافة العمل غائبة.. هناك سياسة إفقار وتجويع للشعوب، لأن هناك دولًا كبرى منتجة مستفيدة من هذه السوق الاستهلاكية لتصريف بضائعها”.
وبتحقيق هذه الغاية، فيما لو استمر الصراع، ستصل سوريا إلى مرحلة “المجاعة”، وهي تسير بطبيعة الحال نحوها بعد أن انعدم الأمن الغذائي عن نصف السكان حاليًا، وتراجع الإنتاج الزراعي للنصف تمامًا، وفق إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة الدولية (FAO)، وأبيدت نصف الثروة الحيوانية، وانتهت بشكل كامل في بعض مناطق إدلب، ووقتها سيكون من “المستحيل” الاستمرار بتوزيع المحاصيل والمواد الغذائية، جراء استمرار الاقتتال ومحاصرة المدن وتدمير طرق النقل واستمرار الجفاف في ريف حلب والشمال عمومًا.
وستتفاقم المأساة وتزيد بالتوازي مع “سوء إدارة الحكم، وانعدام الأمن، وضعف أنظمة الحكم، والافتقار إلى البنى التحتية التي تدمّرت بسبب الحرب”، ما لم يتم إيجاد حل للصراع بشكل يرضي جميع الأطراف.
انتعاش التجارة بين “الدويلات” السورية وتسلط العسكر على الفلاحين
من خلال تتبع الوضع الاقتصادي وتشظي سوريا لدويلات تحكمها جماعات متحاربة، يبحث كل منها عن الموارد والربحية، انعكس ذلك وخلافًا للتوقعات بشكل “إيجابي” على السكان في هذه المناطق، لجهة توفر البضائع من مصادر الطرف الآخر، وهذا ساهم بتحريك البضاعة في كل سوريا، وتمكنت من تجاوز الحدود، لكن بشرط دفع مبالغ مالية من أجل المرور عبر نقاط العبور بين خطوط تماس المتحاربين وعلى الطرقات السريعة.
وبحسب مدير مؤسسة الحبوب، حسان المحمد، “شرعنت” كل جماعة، مسعاها في الحصول على الأموال لقاء دخول المحاصيل الزراعية من الطرف الآخر إلى أراضيها أو مرورها بواسطة “الترانزيت”، ففي الوقت الذي سمت “الإدارة الذاتية” في منطقة الحسكة ما تتقاضاه من القوافل “جمركًا”، يسميها تنظيم الدولة “زكاة” ويسميها النظام “رشوة” علنًا، وبموجب هذا الاتفاق طافت البضائع سوريا كلها، وساهمت قيادة السوريين لهذه العملية في توفير المواد والسلع في عموم البلاد، وهذا أدى إلى ولادة طبقة جديدة من رجال الأعمال المستفيدين من هذا الوضع، بعدما هاجرت النخبة من رجال الأعمال المعروفين، وأصبحت هذه الطبقة تتحمل التكاليف الاقتصادية لعملية تمرير البضاعة إلى مختلف المناطق وتحمّلها للمواطن بالنهاية، من سعر تكلفة المنتج الرزاعي والصناعي، ما أدى لرفع الأسعار بشكل كبير، وقفز بمعدلات التضخم إلى نحو 500%.
وضمنت الاتفاقات البينية بين أطراف الصراع مرور السلع الأساسية والبضائع إلى جانب المحاصيل الزراعية، لكن بقيت هذه الاتفاقات رهينة التوترات العسكرية بين هذه الأطراف، فما إن يعلن النظام السوري معركة جديدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” حتى يهدد الأخير بمنع أو إيقاف قوافل القمح المارة عبر أراضيه من الحسكة إلى الرقة فالساحل السوري. وعلى الجانب الآخر، ما إن تهدد المعارضة معاقل التنظيم في شمال حلب حتى يبادر بقطع مشتقات النفط عن مناطق المعارضة لترد الأخيرة بمنع تصدير الخضراوات والفواكه إلى مناطق سيطرته شرق سوريا.
في محافظة إدلب على سبيل المثال، وهي المحافظة الأولى في إنتاج الزيتون على مستوى سوريا، ورغم سوء أوضاع زراعة هذا المحصول، إلا أن سوقه التصديرية ماتزال مستمرة حتى اليوم، وذلك عبر مناطق النظام إلى العالم الخارجي، أي أن شحنات الزيوت تخرج من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام في الساحل لتصديرها، وأضيف خلال الثورة بنود جديدة على فواتير المصدّر أو المنتّج، وهي “الأتاوات” على الطرقات التي تدفع لمن يحكم على الأراضي أو على نقاط الحدود والتماس، وهذا ما رفع سعر التنكة نظرًا لارتفاع تكلفة الشحن والنقل والحماية أيضًا.
ووسط هذه الحالة، انعدمت أي فرص للاستثمار في معظم المجالات، وخاصة الزراعة، وتبددت الجدوى الاقتصادية للمشروعات حتى على نطاق الأفراد والأسر، بعد أن تسلطت في مرحلة لاحقة القوى العسكرية الحاكمة في مختلف المناطق على المزارعين، ففي محافظة الحسكة وهي معقل زراعة القمح والشعير في سوريا، والسلة الغذائية للبلد، تتشابه معاناة المزارعين هناك مع بقية المزارعين في عموم سوريا، فقد استولت “الإدارة الذاتية” على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية رغم امتلاك أصحابها أوراق تملّك رسمية، ومنعت أصحابها من زراعتها بحجة قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، يقول محمد نواف، مزارع من منطقة المالكية بريف الحسكة، إن مسلحي الإدارة الذاتية استولوا على أرض لصالح “كومونات” (مجالس قروية منتخبة تتبع للإدارة) تحت حجج وذرائع الحرب على داعش واستولوا على آلاف الهكتارات في المنطقة”.
وفي أيار الماضي، حصدت الإدارة الذاتية مئات المساحات المزروعة بالقمح في منطقة جبل عبد العزيز بعد أن صادرتها بذرائع مختلفة، وبلغ حجم المساحات المحصودة حوالي خمسة آلاف دونم مزروعة بمحاصيل القمح والشعير.
في المقابل وزعت الإدارة الذاتية خلال العام الماضي، مساحة 8105 دونمات من الأراضي الزراعية على 173 مجلسًا تابعًا لها في مناطق رميلان، واليعربية، والجوادية في الريف الشمالي الشرقي، على أن يعود ريعها لهيئة “عوائل الشهداء” في المنطقة، حسب ناشطين من المنطقة.
النظام والإدارة الذاتية يحاصران المزارعين في الجزيرة
تلجأ قوات حزب الاتحاد الديمقراطي إلى فرض غرامات وأتاوات على المزارعين، وترغمهم على دفع مبالغ مالية مقابل زراعة محاصيل القمح والكزبرة وغيرها، كما يقول لعنب بلدي المزارع قاسم رمزي، من مزارعي منطقة طوميشا بريف الحسكة.
ولا تقتصر معاناة المزارعين في مناطق الإدارة الذاتية على طريقة التعامل معهم من قبل الإدارة نفسها ووحدات “YPG”، بل للنظام السوري “صولة” في تلك المنطقة، إذ يمنع المواطنين من التصرف بمحاصيلهم، وخاصة القمح والشعير، ويجبرهم على تسليمها لفروع مؤسسة الحبوب وبالسعر الذي أعلن عنه، وتصرف فواتير القمح من المصارف الحكومية التي ماتزال تفتح أبوابها في القامشلي، وهي المصرف التجاري السوري، والزراعي، والتسليف الشعبي. يقول المهندس الزراعي توفيق جان رشيد، “يتحكم النظام بقوت الشعب في منطقة الجزيرة والحسكة، وينقل القمح إلى خارج المحافظة ليصل بها إلى الساحل مرورًا بالمناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، وتعاني منطقتنا من نقص الطحين في حين يورده النظام لمناطق سيطرته”، مشيرًا في حديثه لعنب بلدي إلى أن أفران الخبز في الجزيرة عمومًا تخلط الدقيق التمويني مع النخالة بسبب النقص في المخازن.
وخارج مناطق الإدارة الذاتية، لا يبدو أنّ وضع الفلاحين، حتى في مناطق سيطرة النظام، أحسن حالًا، فإن لم تكن مضايقات النظام هناك عاملًا في دفع المزارعين للتخلي عن الزراعة، كان لارتفاع أسعار الأسمدة 60% والمبيدات لأكثر من عشرة أضعاف أن تتكفل بذلك، حيث كانت من أهم عوامل إحجام الفلاحين عن زراعة أراضيهم، وسط تخلي وزارة الزراعة في حكومة النظام عن الدعم وعدم قدرتها على تقديم المزيد، ما أدى لانتشار المبيدات والأسمدة المهربة غير مأمونة الجانب، وهي بدورها نافست المنتج المحلي أو المستورد، ونتيجة ذلك تراجعت مساحات الأراضي بشكل كبير وخاصة الخضراوات والحمضيات.
الزراعة في مناطق المعارضة.. “إدارة مدنية وحماية عسكرية”
تنظر القوى العسكرية المسيطرة على الأرض إلى الواردات والصادرات من مناطق سيطرتها على أنها أبواب “استرزاق”، يمكن أن تنظر إليها باهتمام وتسعى لتنميتها من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من المداخيل، لكن ما أكده مزارعون في إدلب وريف حلب لعنب بلدي كان مغايرًا لحال المزارعين في ريف الحسكة ومناطق سيطرة الوحدات الكردية والنظام في آن معًا، حيث “لا تتدخل قوات المعارضة السورية في العملية ولا تفرض أتاوات، وتترك للفلاح والمزارع حرية التنقل والعمل”، كما يقول رئيس غرفة زراعة إدلب، عبدو حميدي.
ونفس الرأي يؤكده أحمد شحادة، عضو مجلس محافظة حلب ومدير المكتب الزراعي، الذي يتولى إدارة الملف الزراعي في المحافظة، على أن الفصائل العسكرية في ريف حلب والمدينة لا تتدخل في عمل المجلس ولا سلطة لها على الفلاحين بالمطلق، بل على العكس تساعد الفصائل العسكرية المجالس والفلاحين على حماية مخازنهم من المحاصيل، ويوضح أن مجلس المحافظة يشرف على عمل المزارعين ويقدم لهم الدعم، ويمكن القول إن طبيعة العمل في مناطق ريف حلب وإدلب تكون وفق معادلة أن “الإدارة مدنية والحماية عسكرية”.
المنظمات الإغاثية تقضي على المؤسسات الزراعية البديلة
يتفق عدد من العاملين في المجال الزراعي والإداريين الذين قابلتهم عنب بلدي على أن الحكومة المؤقتة ومعها الائتلاف لم يبذلا الجهود الكفيلة بتشكيل كيانات إدارية تشرف على العمل الزراعي في المناطق المحررة، وتركت لجهات أخرى المجال لتملأ الفراغ، فكانت المنظمات الإغاثية اللاعب الأبرز على الساحة، فهي من يتواصل مع الفلاحين ويمدهم بالمستلزمات الزراعية من بذار وأسمدة وغيرها، لكن دون وجود قاعدة إحصائية أو خطة محددة الأهداف والغايات للفلاحين المستهدفين وأماكن وجودهم، وغير ذلك من المعلومات، التي بتوفرها تتضح معالم الخريطة الزراعية في المناطق المحررة.
ويلوم مدير عام مؤسسة الحبوب، حسان المحمد، جهات المعارضة السورية لعدم سعيها لتأسيس مؤسسات إدارية خدمية تخدم المواطنين، وبالتالي تحقق الاستدامة، وتشارك في الحصول على الدعم الدولي الموجه للمنظمات غير الحكومية، والتي يعتبر أن لها أجندات خاصة، وتعمل على حساب الشعب السوري.
ويرى المدير العام، في حديثه لعنب بلدي، أن آلية عمل المنظات في المناطق المحررة، والتعامل دوليًا معها كبديل عن مؤسسات المعارضة الرسمية “نشر ثقافة التسول والكسل والاعتماد على الآخر، وذلك عبر توزيع سلل غذائية للمواطنين فقط، دون أن تساعدهم في توليد فرص عمل لسد الاحتياجات”، في وقت لم ينبرِ أحد من المعارضة السورية السياسية لمعالجة هذه المشكلة، ولم يقم بهذا الدور أي من الائتلاف أو الحكومة وكذلك المؤسسات العامة.
وبعيدًا عن ذلك، ساهمت السياسات التي اتبعتها المنظمات الإغاثية، المهتمة بالتعاون مع الفلاحين، في زعزعة نظرة المواطنين في المناطق المحررة لمؤسسات الدولة الوليدة، مثل “المؤسسة العامة لإكثار البذار”، واتهم مديرها العام، معن ناصر هذه المنظمات بمنافسة المؤسسات الحكومية الرسمية، والتي يفترض أن تدير أمور المزارعين وتهتم بها وتجد حلولًا لمشكلاتهم، ويتجلى ذلك بطريقة تقديم الدعم للفلاح. فعلى سبيل المثال، تقدم مؤسسة الحبوب البذار بسعر تشجيعي ومنافس وأقل من السوق السوداء، ثم تأتي منظمة ما، وتوزعه مجانًا دون أي مقابل، فينظر المواطن إلى المؤسسة الحكومية على أنها فاسدة وتريد سرقة المواطن، والحقيقة هي أن المؤسسة بحاجة إلى دخل من أجل الديمومة والاستمرار وهي غير ربحية ولا تهدف للربح أصلًا.
مطالب بسنّ قوانين لتنظيم عمل المنظمات في المناطق المحررة
تشتيت الدعم وعدم اعتماد “روزنامة زراعية” موحدة، وخطط محكمة من قبل المنظمات الداعمة للمزارعين في المناطق المحررة، أدى إلى تفاوت الإنتاج وإلى تضارب المصالح بينها وبين مؤسسات رسمية ومجالس محلية تعمل على دعم القطاع الزراعي، ولمواجهة ذلك برزت الحاجة لضرورة اعتماد قوانين تصكها الجهات الرسمية ممثلة بمجالس المحافظات والمجالس المحلية في المناطق المحررة لتنظيم عمل هذه المنظمات، كما يطالب رؤساء عدد من المجالس المحلية والمزارعين والخبراء العاملين في الحقل الزراعي، لكن أصواتًا أخرى ترفض هذا الطرح لأن المزارعين السوريين بحاجة للدعم مهما كان مصدره خلال هذه الفترة، من أجل الاستمرار بالزراعة.
منظمة الـ “FAO” ترفض التعامل مع المعارضة كليًا وتخصص الدعم للمنظمات
يلقي العاملون بالمجال الزراعي في سوريا الخارجة عن سيطرة النظام، باللوم على منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) لإحجامها وبشكل كامل عن التعامل مع كيانات بديلة لحكومة النظام السوري، وتخصيص المنظمة الدولية دعمها بشكل كامل للمنظمات الإغاثية العاملة في مناطق المعارضة، وهو ما جعل هذه المنظمات تنشط على حساب المؤسسات الرسمية التابعة للمعارضة السورية.
وينفي عضو مجلس محافظة حلب، ورئيس المكتب الزراعي، أحمد شحادة، أن يكون هناك أي تعاون مع منظمة الـ “FAO” الدولية، لكونها تفضل التعامل مع منظمات مجتمع مدني تنشط في الداخل، إذ تسلمها المواد والمستلزمات وتقوم هذه المنظمات بتوزيعها على المزارعين.
ومن وجهة نظر الدكتور عبد السلام حامد، مدير مكتب التعاون الدولي، وهو مؤسسة زراعية انبثقت عن وزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة، فإنه “يفترض بمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) دعم المؤسسات البديلة، ومنها مؤسسة الأعلاف وإكثار البذار، ومدها بالمبيدات لمكافحة الآفات الزراعية التي تنتشر في المناطق الزراعية خلال المواسم المختلفة”.
وللدكتور حامد تجربة مع المنظمة الرافضة للتعامل مع كوادر بديلة لمؤسسات النظام السوري، حيث يقول لعنب بلدي “عند انتشار الآفات الزراعية شمال سوريا تواصلت مع الفاو شخصيًا للحصول على مبيدات للحشرات من أجل توزيعها على الفلاحين لضمان جودة المحاصيل، ردوا عليّ عبر الإيميل بالقول (نراقب الوضع بقلق)، وبعدها انتشرت الآفات الزراعية، واقتصر الدعم وقتها على المنظمات المحلية التي تسلمها الفاو المساعدات وتوزع بشكل غير مدروس وانتقائي، ما يزيد من تشتت الدعم وضياع الجهود”.
أما مدير عام مؤسسة الحبوب، حسان المحمد، فيعزو عدم تعاون الـ “FAO” بشكل مباشر مع مؤسسته إلى أسباب سياسية بحتة، ومن باب “ازدواجية المعايير” التي تمارسها الأمم المتحدة، على حد قوله، مطالبًا المنظمة بضرورة التعاون المباشر مع هذه الهيئات.
وتقصر منظمة الـ “FAO” تعاونها على وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي التابعة للنظام، إذ تعتبرها الشريك الوحيد على الساحة السورية، إلى جانب منظمات المجتمع المدني في مناطق المعارضة، وتعمل في 13 محافظة سورية عدا الرقة.
في المقابل، طالب وزير الزراعة والإصلاح الزراعي، في حكومة النظام، أحمد قادري، منظمة الـ “FAO” بزيادة مبلغ المساعدات المقدّم للقطاع الزراعي إلى 200 مليون دولار، بعد أن كانت المنظّمة قد رصدت مبلغ 152 مليون دولار، لدعم القطاع ضمن خطتها لعامَي 2016 و2017.
وخلال العام الجاري، خصصت المنظمة “مساعدات عاجلة” سلمتها لوزارة الزراعة شملت توزيع 4.5 مليون جرعة لقاح ضد الطفيليات التي تصيب الأغنام، وذلك في تسع محافظات، هي حمص وحماة (الغاب) وإدلب وريف دمشق والحسكة والقنيطرة ودرعا والسويداء، ووصل عدد المستفيدين من جرعات اللقاح المجانية إلى 49 ألف مربٍّ.
“نزوح المزارعين”.. أكبر خطر يهدد الزراعة
تعترف المنظمة الدولية أن الجوع وشبح انعدام الأمن الغذائي يتهدد ما بقي من سوريين في الداخل، ما لم يتم تقديم دعم لقطاع الزراعة، بعد أن تراجع موسم الحبوب في العامين 2014 و2015 لأكثر من 40%، بسبب الحرب والجفاف، كما وتؤكد على أن نزوح المزارعين من أكبر الأخطار التي تتهدد القطاع في عموم سوريا، وأنه لا بد من دعم القطاع من أجل تحسين الواقع الغذائي للمواطنين. لذلك تسعى بموجب خطتها التي تمتد على مدى عامي 2016 و2017 بميزانية بلغت 301.2 مليون دولار أمريكي لتعزيز الأمن الغذائي والتغذية ودعم سبل المعيشة والتوظيف المستدام، وتعزيز الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، والعمل على بناء القدرات الزراعية.
تعتبر إريكو هيبي، ممثل المنظمة في سوريا، أنّه “بالإضافة إلى المحافظة على سبل العيش من خلال دعم الإنتاج الغذائي لدى الأسر، تعزز الزراعة من مستوى الدخل وتقلل من الاعتماد على المساعدات الخارجية، مشيرًا إلى أن القطاع “سيظل المصدر الرئيسي لفرص العمل في سوريا، وكما أنه أساسي لتوفير الطعام لسكان الدولة الآن، فسيكون المفتاح لتحقيق الانتعاش في المستقبل”، وفق تصريحات نشرت على الموقع الرسمي للمنظمة.
ويقول مسؤولون في المنظمة الأممية، إنهم يسعون إلى “تخفيف أثر الصراع على انعدام الأمن الغذائي والفقر والبطالة والاقتصاد” لأن الحفاظ على الأمن الغذائي أمر بالغ الأهمية، لكن من وجهة نظر المؤسسات الحكومية المعارضة، برفض المنظمة التعاون معها لأسباب غير معروفة، وتجاهل هذه المؤسسات بشكل “كامل” يقوض هذه الجهود ويعمق أزمات هذا القطاع وخاصة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
المساعدات التي قدمتها الـ “FAO” للزراعة السورية منذ 2011:
• تقديم الدعم لأكثر من 1.9 مليون سوري (324323 أسرة) في المناطق الريفية وشبه الحضرية في حلب والحسكة والرقة ودرعا ودير الزور وحماة وحمص وإدلب وريف دمشق وطرطوس والسويداء والقنيطرة.
• تلقت 70 ألف أسرة زراعية بذور القمح والشعير لإنتاج ما يقارب 119 ألف طن من الحبوب، تكفي لإطعام نصف مليون شخص لمدة عام.
• تلقت 11222 أسرة، (67332 فردًا) الخضراوات، والآن زادت فرصها للحصول على الأغذية الطازجة والمغذية.
• تلقت تسعة آلاف أسرة ما مجموعه 57420 دجاجة، ستضع 1.10 مليون بيضة في السنة الواحدة.
• عولج أكثر من تسع مليون من المواشي من الطفيليات، ما حقق الفائدة لحوالي 157600 أسرة تربي المواشي.
• تلقى 17500 من مربي الماشية العلف لحيواناتهم.
المناطق المحاصرة.. بيع البذار بـ”الحبة” وانتعاش السوق السوداء
تقول منظمة العفو الدولية، إن قوات النظام السوري تحاصر 250 ألف سوري في مختلف المدن السورية التي خرجت عن سيطرته، وتقول أرقام الأمم المتحدة إن ما يقارب من 400 ألف سوري يرزحون تحت حصار خانق تفرضه القوات المتحاربة على الأرض، ورغم تحريم القانون الدولي لأساليب استخدام الغذاء كسلاح في الحروب واعتباره جريمة حرب موصوفة إلا أن قوات النظام السوري ماتزال تحاصر آلاف السوريين وتهدد حيواتهم، في ما بات يعرف بأنها “عقوبات جماعية” أشبه بتلك التي نفذتها قوات هتلر في الحرب العالمية الثانية.
تنص وثيقة إعلان روما لعام 1996 بشأن الأمن الغذائي العالمي “إنّ الغذاء لا ينبغي أن يستخدم أداة للضغط السياسي والاقتصادي”.
كانت الزراعة المتضرر الأكبر من فرض الحصار على المدنيين، فقد انتشرت الأوبئة وارتفعت أسعار البذور، ووصل سعر بذرة الكوسا في الغوطة الشرقية إلى 10 سنت/دولار.
ولمواجهة ذلك بات حريًا بالمواطنين المحاصرين البحث عن بدائل من أجل تأمين حاجاتهم الأساسية من الغذاء، فلم يكن أمامهم إلا الزراعة، فقد منع النظام كل شيء عنهم، سرعان ما استقطب هذا المجال الأهالي، وباتت الزراعة تمتص القوى العاملة العاطلة، وهنا برزت مبادرات وتجارب جديدة، أبطالها مواطنون ومستثمرون ورواد أعمال، أطلقوا مشاريع في مناطقهم المحاصرة وحققت نوعًا من الاكتفاء الذاتي، رغم أن المسيرة شابها منغصات فرضتها واقع الحرب سواء في حمص أو غوطة دمشق الغربية والشرقية ومؤخرًا في حلب المدينة.
مزارعون “كبار” يطلقون تجارب استثمار في المجال الزراعي بالغوطة الشرقية
تغير واقع الزراعة في الغوطة الشرقية لدمشق، بشكل سلبي وكبير جدًا، لجهة عدم استقرار أسعار مستلزمات المنتجات الأولية، وتأرجح أسعار صرف الليرة، وكذلك تدني قيمة المحاصيل الزراعية.
وقد عزز غياب الحكومة المؤقتة وعدم تدخل هياكلها بالشكل المطلوب من المشكلة، فبرزت الأسواق السوداء للبذار، وتشتتت جهود الفلاحين بسبب عدم القدرة على تسويق المحاصيل االزراعية، وتمت منافسة المزارع من قبل بعض بعض المؤسسات والمشاريع التي تدعي أنها تنموية، كما يقول مزارعون.
وللمستثمر ورائد الأعمال حسام محمد، من الغوطة الشرقية، تجربة “فريدة” على مستوى الاستثمار في مجال زراعة القمح بالمنطقة المحاصرة، رغبةً منه في عدم إخراج أمواله إلى الخارج وتدويرها في عمل زراعي يعود بالفائدة عليه، كما يقول في حديث مع عنب بلدي.
استثمار “لا جدوى منه”
تتملك المستثمر قناعة مفادها أن الاستثمار في قطاع الزراعة “ليس ذا جدوى” خلال هذه الفترة، وذلك بسبب “طول فترة الاستثمار الزراعي من أجل جني المحصول، والتي لا تقل عن ستة أشهر، وارتفاع مستويات التضخم وتدني الليرة السورية، والجفاف، ورخص المحصول حيث تبلغ كلفة كيلو القمح 0.55 دولارًا في حين أن سعره اليوم في السوق النظامية 0.35″، لكن الرغبة بالعمل وإيجاد فرص عمل للآخرين هو “ما حفزني على البقاء والاستثمار في زراعة القمح وغيرها في الغوطة”.
من وجهة نظر المستثمر محمد، وكونه يريد الاستثمار في مشروع يعود بالفائدة عليه وعلى من شاركه به، هناك عدة عوامل في الغوطة الشرقية تؤدي إلى تضييق الخناق على الفلاحين أو المزارعين وعلى كل من يفكر بالعمل الزراعي رغم أن التربة الخصبة والظروف متوفرة وتساعد كثيرًا مقارنة بمناطق أخرى.
يوضح محمد ذلك بقوله “تشهد الغوطة الشرقية منافسة للفلاح من قبل مشاريع بعض المؤسسات التنموية، ومن بينها مشاريع لبعض المجالس المحلية، مثلًا زرعت إحدى المؤسسات في العام الماضي عشرات الدونمات بصنف الملفوف، ما أدى إلى ارتفاع أسعار البذار، وكان يفضل أن تستثمر هذه الأراضي بمنتجات أخرى، وبالتالي لم يستفد المستهلك من هذا الصنف كونه ثانويًا وليس أساسيًا، فخسرت المؤسسة مبالغ كبيرة، وكان الأحرى بها الاستثمار في مجالات أكثر نفعًا”.
ويضاف إلى ذلك “السياسات التي تعمد إلى منافسة ومضايقة الفلاحين أصحاب المشاريع الكبيرة والمتوسطة، والدعم للفلاحين أصحاب المشاريع المتناهية الصغر، في حين أن الاقتصاد الزراعي يبنى على الفلاحين أصحاب المشاريع الكبيرة والمتوسطة فهم الأكثر خبرة والأقدر على ضبط الهدر وحسن إدارة المشروع الزراعي”.
مستثمر: المجالس المحلية لا تتعاون مع المزارعين “الكبار”
لا تتعاون المجالس المحلية بشكل “ملموس” مع المزارعين أو المستثمرين أمثال محمد، ويقتصر أداؤها، على حد وصفه، على “توزيع جزء يسير جدًا من الأدوية الزراعية بسعر مدعوم، أو مجانًا، وتكون الكمية محدودة جدًا”، فلا يستفيد الفلاحون أصحاب المشاريع المنتجة منها، يقول “تم الإعلان عن توزيع مبيد لفئران الحقل في أحد المجالس المحلية، وبسبب معاناتي في مشروعي الذي تبلغ مساحته 250 دونمًا من هذه الآفة، قمت بمراجعة المجلس لأجد الرد بأن المجلس لا يعطي “الفلاحين الكبار، بل يعطي الفلاحين الذين يزرعون دونمًا أو دونمين، ولم أحصل على أي كمية”.
حالة المستثمر حسام المحمد، وتجربته في الاستثمار في هذا المجال توضح العراقيل التي أدت إلى توقفها أو ثبطت مسيرته في هذا المجال، كونه مستثمرًا ومن الطبيعي أن تكون طاقته على الزراعة أكبر ورغبته بالمغامرة وتوفير يد عاملة أعلى، لكن في المقابل ماتزال آلاف العائلات تعتمد الزراعة سبيلًا للحياة والمعيشة في مناطق الحصار ضمن الغوطة والتي تشهد سوقًا كبيرة وفيها عرض وطلب ومنافسة أيضًا.
لكن الغوطة الشرقية وكغيرها من المناطق السورية المحاصرة تشتكي نقص مستلزمات الزراعة وعلى رأسها الأسمدة الصناعية (يوريا، سماد متوازن)، فهي معدومة بشكل كامل، أما السماد الطبيعي (مخلفات الحيوانات) فهي قليلة جدًا ونادرة ومكلفة إذ يبلغ سعر المتر المكعب أكثر من خمسة دولارات وهو سعر مرتفع جدًا مقارنة بأسعار القمح، (خمسة دولارات تشتري أكثر من 14 كغ قمح).
ويعاني المزارعون في الغوطة الشرقية من نقص المبيدات الحشرية وغلاء سعرها، وغياب حملات المكافحة على نطاق واسع، ما أدى إلى انتشار الأوبئة وتفاقمها، مثل حشرة “السونة” التي تتغذى على القمح والشعير في “الطور الحليبي” التي قد تفقد المزارع 90% من إنتاجه فيما لو انتشرت.
ارتفاع أسعار المحاصيل يغري المزارعين باستمرار الزراعة
زرع عبد الله الشامي، وهو مزارع ومهتم بالاستثمار في مجال الزراعة في الغوطة الشرقية، هذا العام نحو 20 دونمًا من الفول، وكان له مشروع يعمل فيه 50 عاملًا من قبل، باستخدام مواد بذار وأسمدة، متوفرة لديه من الأعوام الماضية، وأمّن المبيدات عن طريق التجار في السوق السوداء بأسعار مرتفعة جدًا.
ويعتبر الشامي أن الاستمرار بالعمل الزراعي، “ضرورة وجود”، وهي، أي الزراعة، ليست مجرد نشاط، لأنه لا يمكن الاستمرار بالغوطة دون هذه المحاصيل، “لذلك يجب الاستمرار بالعمل الزراعي.. السوق بحاجة لقدر أكبر من الزراعات”.
ويوضح المزارع أن “واقع الزراعة في منطقته تغير خلال هذه الفترة مقارنة مع ما قبل الثورة، وعلى العكس كان لارتفاع أسعار المنتجات الدور التحفيزي لزراعة كل الأراضي بالغوطة، حيث سعى المزارعون إلى تأمين البذار والمستلزمات وبدؤوا بالزراعة أملًا بتحقيق أرباح”. ويعترف الشامي بأن نسبة المخاطرة كبيرة جدًا الآن لمن يرغب بالزراعة، فالسوق “غير مستقرة، وهنالك تذبذب في إنتاجية المحاصيل، وكذلك ينقص الفلاحين الدعم عبر المجالس المحلية التي تتعاون مع مؤسسات”، على حد قوله.
وكذلك يشكل غياب المحروقات أحد أهم العوائق التي تحد من تطور الزراعة في الغوطة، إلى جانب نقص الآليات والجرارات وغيرها والتي يتكفل تجار السوق السوداء بتأمينها بأسعار كبيرة جدًا”.
ومع ارتفاع نسبة البطالة وتعطل الآلاف من الشبان عن أعمالهم الأساسية، ولجوئهم إلى الزراعة، تبرز الحاجة إلى رفع كفاءة اليد العاملة في الغوطة وغيرها من المناطق المحاصرة، بعد أن دخل إلى مجال الزراعة من لم يكن يعمل بها من قبل تحت ضغط الحاجة.
النظام ينهي الزراعة في داريا بعد السيطرة على 300 دونم من أراضي المدينة
تعد الزراعة المهنة الأساسية لدى معظم سكان مدينة داريا، المحاصرة منذ العام 2012، وبشهادة عدد من المواطنين الذين التقتهم عنب بلدي، فإن “أكثر ما أعان أهالي المدينة في الحصار خلال ما يقارب أربع سنوات مضت هو الزراعة، حيث كانت هذه المهنة المصدر الرئيسي لقوت الأهالي، ونتيجة لذلك جعل النظام الهدف الأبرز لقوته العسكرية السيطرة على الأراضي الزراعية في المدينة، من أجل خنق السكان وإجبارهم على الركوع تحقيقًا لسياسة النظام “الجوع أو الركوع”.
فأصبحت البساتين والحدائق والمساحات الزراعية على اختلاف حجمها هدفًا للطائرات فاحترقت أغلب المحاصيل واندثرت، وتوقفت الزراعة كنشاط في المساحات المفتوحة ولجأ السكان لزراعة بيوتهم وحدائقهم.
ويؤكد رئيس المكتب الإغاثي في المجلس المحلي في المدينة، هيثم غزال، أن الزراعة كانت من الخيارات المعتمدة لإغاثة المدينة رغم ندرة المحروقات، وعدم وجود الكهرباء أصلًا. لافتًا إلى أن ما يقارب 300 دونم من الأراضي الزراعية سيطر عليها النظام خلال حملته الأخيرة وجميع المزارعين تركوا ما تبقى من أراضيهم بسبب خطورة القصف، وبات اليوم من الصعب الحصول على البقوليات والخضار الأساسية.
شبح حصار مدينة حلب يدفع الأهالي لزراعة الأحياء السكنية
أثار تقدم قوات النظام السوري، ومعه الميليشيات الموالية في مدينة حلب من جهة، وقوات وحدات حماية الشعب الكردية من جهة أخرى، “الهلع” في نفوس العاملين في المجلس المحلي لمدينة حلب التابع للمعارضة، خوفًا من أن يطبق الحصار على 350 ألف نسمة مايزالون يقطنون في حلب المدينة، ولمواجهة ذلك انبرى المكتب الزراعي في مجلس المدينة إلى تطبيق مبادرة أهلية مفادها ضرورة الاعتماد على الزراعة في توفير حاجات الأهالي اليومية من الخضراوات والفواكه والمحاصيل الصيفية، ونظرًا لعدم وجود مساحات واسعة للزراعة كما في الريف، بذرت الحدائق وأرصفة الطرقات وكل مساحة يمكن أن تستوعب بذورًا أمّنها المجلس المحلي، في أحياء صلاح الدين، والمعصرانية والشيخ نجار والفردوس والحيدرية والصاخور وغيرها، وذلك عن طريق التعاون مع مجالس الأحياء، وبلغ إجمالي المساحة المزروعة حتى الآن اثنين إلى ثلاثة هكتارات.
وبالتوازي مع ذلك حاول المجلس المحلي تخزين القمح في مدينة حلب من أجل تقديم الطحين على مدار العام، وخلال الفترة الماضية، أودع المجلس 2000 طن قمح كمخزون استراتيجي خوفًا من فرض الحصار.
وتعد هذه التجربة الأولى من نوعها في حلب المدينة، كونها مدينة “صناعية وتجارية بالدرجة الأولى، ونسبة العاملين في الزراعة منخفضة جدًا”، وتم التعاون مع مجالس الأحياء وأقيمت ندوات حقلية زراعية في معظم أحياء المدينة لتشجيع المواطنين على الزراعة.
يقول مصعب الخلف، مهندس زراعي ومسؤول المكتب الزراعي في مجلس المدينة، “تم التواصل مع منظمات داعمة ومؤسسات إكثار البذار، وتم إدخال مستلزمات أساسية لمدينة حلب ووزعت على السكان للوقاية من شبح الحصار وخاصة في المناطق الشرقية حيث الأبنية الأفقية التي تساعد على الزراعة”.
يتوقع الخلف في حديثه لعنب بلدي أن تنجح هذه التجربة، لأن اليد العاملة لتنفيذ الخطة متوفرة، على اعتبار أن نسبة البطالة بحدود 90%، لكن “لا توجد يد عاملة خبيرة في المجال الزراعي”، على حد قوله، ويؤكد أن المشروع سيحقق “جزءًا من الاكتفاء الذاتي وليس اكتفاءً كليًا”.
أحمد العبدلله، مواطن من مدينة هنانو، استفاد من المشروع وزرع حديقة مساحتها 100 متر مربع بالخضراوات، بعد أن أمّن عدة أنواع من بذور المحاصيل مثل الفول والبقدونس والبندورة، يقول “دفعتني قلة المحاصيل للزراعة ، لكن هناك صعوبات منها (السقاية) وتوفر المياه وقصف النظام بالبراميل”.
“داعش” وحزب العمال الكردستاني يخنقان الزراعة في حلب
يعد التحكم بالمواد الأولية والمستلزمات الأساسية للزراعة من محروقات ومواد من أهم الميزات التي يمتلكها كل من تنظيم “الدولة الإسلامية” والوحدات الكردية في شمال سوريا، فالأول يتحكم بمنابع النفط وتوريد المحروقات للمدينة، والثاني يسيطر على الطرقات المؤدية إلى المدينة والأرياف. ويعتبر مسؤولون في المؤسسات الزراعية التابعة للحكومة المؤقتة أن بقاء الحال شمال حلب على هذا الشكل سينهي الزراعة في حلب وريفها، لأن عمليات التحكم هذه “تؤدي إلى رفع أسعار المحروقات وبالتالي تزداد تكاليف الإنتاج.. نحن الآن في مرحلة انتهاء الزراعة السورية”، كما يقول أحد المهندسين الزراعيين في حلب لعنب بلدي.
ويعد توفر المحروقات من أهم العناصر التي يمكن أن تبقي الفلاح في أرضه، فارتفاع أسعارها ينعكس سلبًا على الأسعار والعملية الإنتاجية ككل.
واليوم يبلغ سعربرميل المازوت في حلب 60 ألف ليرة، وأحيانًا يصل إلى 100 ألف ليرة، بعدما كان 22 ألف ليرة العام الماضي.
حي الوعر الحمصي.. زراعة الحدائق وشرفات المنازل من أجل البقاء
أدى العمل في المجال الزراعي في حي الوعر بحمص، وهو آخر معاقل المعارضة السورية في المدينة، إلى كسر جزئي للحصار الذي تسبب بغياب المواد الرئيسية، ومنها الحبوب والقمح والخضراوات، ونظرًا لارتفاع معدلات البطالة في الحي فقد وجد الشبان من الزراعة فرصة للعمل اليومي من أجل تأمين قوتهم ولكسب الدخل، وإلى جانب ذلك يعمل مكتب الخدمات وبدعم من المجلس المحلي في الحي على تأمين مستلزمات العمل الزراعي مثل الشتول والغراس والمبيدات والبذور، و توزع مجانًا للأهالي، ونتيجة لذلك تزايدت مساحات الأراضي المزروعة بشكل ملحوظ منذ عام 2015، وتجاوزت 200 دونم.
وكان للمجلس المحلي تجربة يصفها المواطنون بأنها “مميزة”، بعد أن أوعز مجلس المحافظة إليه بتنفيذ خطة مشروع “غراس الخير”، ويقوم المشروع على توزيع الشتول مجانًا على المواطنين من أجل زراعتها والاستفادة من المحاصيل، وهذا كان له “أثر كبير في تنشيط وزيادة العمل الزراعي”، كما يوضح لعنب بلدي عبد السلام سويد، رئيس المكتب الخدمي في المجلس المحلي في حي الوعر.
وفي شهر أيار الماضي، وزع القسم الزراعي في المكتب الخدمي التابع لمجلس المحافظة 6500 شتلة باذنجان على المستفيدين من مشروع “غراس الخير” في الحي، وتم توزيع هذا العدد من الشتول بشكل شبه يومي حسب توفرها.
وللمكتب الخدمي تجربة “مميزة” أخرى في الحي، كانت بمثابة تطوير للمشروع السابق “غراس الخير” انطلقت منذ بداية العام الجاري، عبر مشروع “الأنفاق الزراعية البلاستيكية”، والذي ساعد الأهالي على حماية مزروعاتهم من الصقيع، واستفاد منه عدد كبير من شبان الحي، وساهم بتوفر المنتجات الزراعية بعد عامين من الحصار، حيث ساهم المكتب بتأمين البذور والمبيدات للأهالي لتخفيف الأعباء المادية.
العمل بالزراعة كخيار “إجباري”
مروان غسان، أحد المواطنين العاملين في المجال الزراعي في حي الوعر المحاصر، وله تجربة بممارسة العمل الزراعي في حديقة منزله من أجل تأمين الاكتفاء المنزلي من الخضراوات، وتوفير المردود للمزارعين في الحي، إذ يتم طرح الخضراوات مثل الخس والبقدونس والبقلة في الأسواق وبيعها بأسعار “بخسة” تمكّن الناس من شرائها.
يعتبر مدني أنّ الزراعة من أهم مقومات البقاء، ومن أهم أسلحة المحاصرين لمواجهة ظروف الحصار، فالرجل الذي لم يعمل بالزراعة من قبل أصبحت الآن شغله الشاغل، من أجل تأمين قوته اليومي. يقول “نضطر اليوم إلى العمل بالزراعة لأننا وجدنا بها حلًا وحيدًا يخفف وطأة الحصار”.
يساهم المجلس المحلي في حي الوعر بحمص، بتأمين مستلزمات الزراعة الخاصة بالمدنيين في الحي، وقد نجح في ذلك نوعًا ما رغم ضعف الإمكانيات والتكلفة المالية الكبيرة اللازمة، وهو ما شجع المواطنين على الزراعة، بالحد الأدنى، “لذلك أنا مستمر في عملي بالزراعة بالرغم من كل الصعوبات التي تواجهني لأني لا أملك بديلًا”، يضيف غسان، وهو يهم بزراعة مساحة جديدة بعد أن حصل على البذار والشتول والغراس والمبيدات مجانًا من الصيدليات ومن مراكز توزيع خاصة.
لا يستخدم المواطنون في المناطق المحاصرة، وخاصة البلدات الصغيرة مثل حي الوعر وداريا في الغوطة الغربية ومضايا، الآلات والجرارات لعدم وجود مساحات واسعة صالحة للزراعة، وبسبب عدم توفر الكهرباء والوقود، لذلك يبادر الأهالي إلى زراعة المحاصيل “الخفيفة”، مثل الخضراوات، بأيديهم، وذلك حينما تتوفر مساحات مناسبة، وقد تطور الأمر بمن لا يملك أرضًا أو حديقة لأن يزرع سطح بيته أو شرفة منزله.
يقول أحد المواطنين “إن تجربة زراعة الحدائق والحقول الصغيرة مثمرة للغاية، لكن ماتزال هناك معوقات للعمل، أبرزها فقدان المستلزمات بسبب الحصار مثل البذور والمعدات الزراعية، وكذلك الحالة الأمنية السيئة حيث العديد من الأراضي الزراعية مكشوفة أمام أعين القناصة التابعين لقوات النظام”.
زراعات انقرضت وأخرى برزت.. انتهاء “المحاصيل الصناعية” في سوريا
ساهم طول فترة الصراع بتشويه الخارطة الزراعية لسوريا، ففي الوقت الذي تراجع إنتاجها من الثورة والنباتية والحيوانية إلى النصف، وفق التقديرات الأممية، واندثرت بعض المحاصيل الصناعية في عموم المحافظات وخاصة حلب وإدلب وريف حمص، برزت محاصيل أخرى نافست الاستراتيجية، وحلت مكانها حتى إشعار آخر، وذلك لأسباب عديدة.
محصولا القطن والشوندر السكري ينقرضان في إدلب
ويعد عامل ارتفاع تكاليف السقاية، وخاصة للمحاصيل الصناعية مثل القطن والشوندر السكري، من أهم الأسباب التي أدت إلى انعدام هذين المحصولين، إلى جانب زراعة عباد الشمس بنسبة 100% في محافظة إدلب، كما يقول رئيس الغرفة الزراعية السابق عبدو حميدي.
ومن العوامل الأخرى التي زادت من مشكلات المزارعين في المحافظة “عدم وجود جهة مراقبة تشرف على المحاصيل من مرحلة الزراعة حتى جني المحاصيل وتسويقها، ونتيجة لذلك انتهت زراعة الشوندر السكري أيضًا مع خروج معامل سلحب وجسر الشغور ومسكنة عن الخدمة، وخروج العديد من محالج القطن وتوقف مؤسسة الأقطان عن العمل ومعها مؤسسة إكثار البذار”.
ومقابل هذه المحاصيل التي اندثرت وهددت باندثار صفة “إدلب الخضراء” عن المحافظة، برزت محاصيل زراعية أخرى، مثل المحاصيل العطرية والطبية (حبة السوداء، الكمون، الكزبرة، الخ) وقد حافظت على المساحات خلال السنوات الماضية، لكن الجفاف وانخفاض مستوى الأمطار عرّض إنتاج هذه المحاصيل للتراجع أيضًا.
ويعادل مردود هكتار واحد من المحاصيل العطرية، مردود خمسة هكتارات قمح، (يبلغ مردود واحد هكتار من القمح نحو ألفي دولار).
التين ينافس الزيتون وتراجع أعداد المزارعين بشكل كبير
طيلة السنوات الخمس الماضية، كانت محافظة إدلب جبهة مشتعلة بين قوات النظام السوري والمعارضة، وكانت معظم المساحات الزراعية مسارح لعمليات عسكرية، وأهدافًا سهلة، أو في متناول أيدي جنود النظام السوري، لطبيعتها المنبسطة، حيث المساحات الواسعة المزروعة بالحبوب والقطن إلى جانب غابات الزيتون التي تقدر مساحاتها بحوالي 130 ألف هكتار، ونتيجة لهذه الظروف التي تجعل من المحال على الفلاحين الاستمرار بالزراعة التقليدية وبالمحاصيل نفسها والتي تتطلب عناية وسقاية على مدار العام، هجر آلاف المزارعين أراضيهم وتقلصت المساحات المزروعة، لكن تحرير المحافظة بالكامل من قوات النظام خلق أريحية لدى المزارعين بالتحرك والتوجه إلى أراضيهم ومزاولة الزراعة كما في السابق لكن وسط ظروف أصعب فرضتها التكاليف المرتفعة للزراعة.
ونظرًا لصعوبة جني محصول الزيتون في إدلب، التي تضم 15 مليون شجرة، قفزت إلى الواجهة شجرة التين، وتمددت بساتينها، ورغم أنها محصول غير استراتيجي إلا “أن العائد المادي العائد من زراعتها بات يغري الفلاحين كثيرًا، كما أنها لا تحتاج لكثير من العناية والخدمات، مثل القمح والزيتون وغيره من المحاصيل”.
ويبلغ سعر كيلو التين المجفف حاليًا دولارين، في حين كان قبل الثورة بدولار تقريبًا أي أنه ارتفع للضعف وهذا حفز على الزراعة.
واليوم تتزايد مساحات التين على حساب الزيتون والزيت الذي يتراجع سعره، وبات سعر صفيحته ينخفض باستمرار، وقد بلغ العام الماضي سعر صفيحة زيت الزيتون 60 دولارًا أمريكيًا (16 كغ) وهذا العام لا يتجاوز سعرها 37 دولارًا، ويبلغ سعر العبوة الفارغة نحو 500 ليرة وسط ظروف صعبة في تأمين العبوات بعد إغلاق العديد من معامل تصنيع عبوات زيت الزيتون.
ومقارنة مع دول الجوار، يبلغ سعر الصفيحة في لبنان 100 دولار وفي دمشق 45 ألف ليرة تقريبًا (100 دولار).
تعاني اليد العاملة في القطاع الزراعي على مستوى سوريا من ظروف تشغيلية صعبة، وكذلك من تدني الأجور اليومية والشهرية مقارنة بالتضخم وارتفاع الأسعار، إذ يتقاضى العامل يوميًا دولارين بعدد 12 ساعة عمل، ورغم ذلك لا يوجد فرص عمل تستوعب كل العمالة ما يجعل المنافسة شديدة وسط مستويات عالية من الحاجة والفقر المدقع.
الزيتون يتراجع 80% هذا الموسم
تناقص عدد أشجار الزيتون في عموم سوريا بسبب أعمال القطع والحرق، وكان المحصول قبل الثورة بحدود المليون طن سنويًا، لكنه تعرض الآن لـ”انتكاسة كبيرة”، يعتقد حميدي أن سببها “قلة الخدمة والظروف المناخية السيئة، فانخفض الإنتاج 30% بالتدريج منذ العام 2011 وانخفض الإنتاج هذا الموسم بنسبة 80% مقارنة بالعام الماضي، وهذا ينطبق على كل المحافظات السورية”.
وترافق تراجع الإنتاج مع ارتفاع أجور اليد العاملة وعدم وجود أي جدوى اقتصادية بالنسبة للمزارعين بسبب انخفاض أسعار المحصول سواء الزيتون أو الزيت، فلم تعد زراعة الزيتون وقطفه حرفة سكان محافظة إدلب الأولى خلال هذه الفترة. ونتيجة لذلك شهدت أعداد كبيرة من معاصر الزيتون حالات إغلاق، والبعض منها تم تدميره، وهناك من هاجر أصحابها إما للخارج أو لمحافظات أخرى، فتراجع عدد المعاصر في المحافظة بعد أن كانت الأولى في سوريا من حيث العدد.
الحرب تقضي على زراعة القمح في سوريا
محافظة حلب: زراعة القمح تدهورت والقطن انقرض
لا يتوقع أحمد شحادة، عضو مجلس محافظة حلب، ومدير المكتب الزراعي في مجلس المحافظة، بأن يكون موسم القمح والشعير “جيدًا” هذا العام، بسبب الجفاف وقلة الأمطار والهجمة “الشرسة” لقوات النظام في عموم المحافظة وخاصة مناطق الشمال والشرق، رغم أنه تم رصد مكافئة للفلاحين قيمتها 40 دولارًا أمريكيًا على الطن الواحد، بهدف “منع تهريب المحصول إلى مناطق النظام وتشجيع المزارعين على الاستمرار في زراعة الحبوب”.
وتم تسعير طن القمح القاسي في حلب وريفها من قبل المجالس المحلية ومؤسسة الحبوب بـ 225 دولارًا للطن، و220 دولارًا للطن الطري، ورصد المجلس المحلي للفلاح 37% من التكلفة كهامش ربح إضافي، علمًا أن تكلفة إنتاج هكتار القمح المروي حاليًا بمحافظة حلب 787 دولارًا أمريكيًا، والبعل 350 دولارًا.
يوضح شحادة أن إنتاج الحبوب في عموم سوريا ومحافظة حلب تراجع كثيرًا خلال هذا الموسم، ويبلغ معدل مردودية الدونم من القمح المروي بين ثلاثة إلى أربعة شوالات بالدونم الواحد، في حين كان المردود خمسة شوالات في الموسم الماضي.
النظام يقطع نهر قويق عن جنوب حلب وينهي مواسم الفلاحين
ويتهم شحادة النظام السوري باتباع سياسة تصفية زراعة القمح في الشمال السوري وحرمان السكان من تحقيق الاكتفاء الذاتي وجعلهم بحاجة للرغيف، فقد رفع سعر مبيع تسليم القمح إلى 100 ليرة للكيلو، وخفض سعر صرف الدولار خلال موسم التسليم ما أشعر المزارعين بالثقة بالليرة وحفزهم على تسليم القمح له.
وبالنسبة للزراعات الأخرى وعلى رأسها القطن فقد “انقرضت” بشكل كامل لعدم وجود بذار وأسمدة، واستمرار معاناة المزارعين من الجفاف في الريف الجنوبي حيث كانت زراعة القطن تعتمد على المياه من نهر قويق، لكن النظام قطع النهر وأنهى معه زراعة القطن في محافظة حلب.
إنتاج زراعي “خجول” في إدلب والحسكة ودعم محدود للجزيرة “من الإدارة الذاتية والنظام”
تملك محافظة إدلب مساحات مشجرة وغير مشجرة في مناطق سهل الروج وسراقب ومعرة النعمان، وهي قابلة للزراعة بمحاصيل الحبوب والمحاصيل الصناعية، لكنها تاثرت كثيرًا لعدة أسباب، وقد زادت المساحات غير المستثمرة في مناطق الروج وشرق معرة النعمان ومعرة مصرين، ويوجد في إدلب ثلاث مناطق استقرار زراعي حاليًا، بعدما كانت المحافظة كمساحة كلية قابلة للزراعة، تتوزع المنطقة الأولى غرب سراقب وصولًا إلى أوتوستراد دمشق- حلب والثانية من سراقب إلى الشرق بعرض 10 – 15 كم، والمنطقة الثالثة ريف المحافظة الجنوبي إلى سنجار، وهذه المنطقة مهددة بالتوقف عن الزراعة بسبب شح الأمطار أيضًا.
وكانت زراعة القمح تشغل نحو 50% من مساحة إدلب، وكان الشعير يأخذ 25% وتتوزع باقي المساحات على الزراعات الصيفية الأخرى والمحاصيل الأخرى. وتقدر كميات إنتاج الحبوب سنويًا بحوالي 200 ألف طن سنويًا.
وخلال الثورة ساهمت عوامل عديدة في إنهاء هذه الزراعة أبرزها “ارتفاع تكاليف الإنتاج، وعدم ضمان البذار ومصدرها، وغياب التسويق، وعدم استقرار قاعدة العرض والطلب”.
ويعتقد رئيس غرفة زراعة إدلب، عبدو حميدي، أن كميات الإنتاج هذا العام خجولة والسبب في ذلك توقف المشاريع المروية والاعتماد على المحاصيل البعلية، فقد كان معدل إنتاج هكتار القمح من 400 – 500 كيلو، وهذا العام لا يُتوقع أن يتجاوز 100 كيلو.
وفي محافظة الحسكة، والتي تعتبر الأولى على مستوى سوريا في إنتاج القمح، تراجع الإنتاج الزراعي في عموم المحافظة خلال الثورة، فقد توقف إقراض المزارعين بشكل كامل، وخرحت المصارف والوحدات الزراعية عن الخدمة، وغابت الجهات الداعمة للزراعة عن المشهد ممثلة بوزارة الزراعة التابعة للنظام، وأيضًا هاجر العمال الذين كانوا يعملون في الزراعة.
تشتكي همرين عدنان، المهندسة المشرفة على المصرف الزراعي الحكومي، في منطقة عين الحلو، بريف الحسكة من نقص الدعم المخصص للقطاع الزراعي، وعلى حد قولها فإن محاولاتها التواصل مع المنظمات المختصة والدولية بغية تقديم الدعم لمحافظة الحسكة باعتبارها المحافظة الأولى على مستوى سوريا في إنتاج القمح، باءت بالفشل ودون جدوى، “والمزارع يعتمد على ذاته في تأمين كافة مستلزماته الزراعية ويبيع محصوله بأسعار متدنية لا تغطي مصاريفه”.
ويقول فرمان ياسين، المهندس المشرف على قسم الإحصاء بمركز حبوب الجرمز، بريف القامشلي، إن إنتاج الموسم الحالي وخلال الأسبوع الأول من توريد القمح بلغ نحو 58 ألف طن من القمح بشقيه القاسي والطري، والإنتاج قليل جدًا قياسًا بالسنوات الماضية التي بلغ فيها أكثر من 200 ألف طن لمركز الشراء الواحد.
ويرى أشرف مجدين، مهندس في هيئة الزراعة التابعة للإدارة الذاتية، أن الدعم المقدم من الإدارة “كان محدودًا هذا العام”، على اعتبار أن الإدارة الذاتية في طور التأسيس، كاشفًا لعنب بلدي عن مستويات أعلى من الخدمة والدعم ستقدمها الإدارة للفلاحين للنهوض بواقع القمح في المنطقة.
قبل الثورة كانت حكومة النظام السوري توزع السماد والبذار والمبيدات على المزارعين وبأسعار مناسبة، أما الآن فيتجاوز سعر الطن الواحد من السماد 300 ألف ليرة، ويبلغ سعر طن المبيدات الحشرية نحو خمسين ألفًا، عدا عن تكاليف الفلاحة وهو أمر لا يقوى على دفعه المزارعون، وفق خالد الجعفر، فني زراعي ويعمل في الوحدة الإرشادية في بلدة تل طويل.
أما وحيد برو شريف، المزارع في من منطقة رأس العين بريف الحسكة، فأوضح أن أرضه الزراعية لم تعد صالحة لأنه تركها بورًا بعدما تراجع الإنتاج وغابت الجهات الشرائية، وأضاف “إنتاجي السنة الماضية مازال مكدسًا في مستودع المنزل لأن سعر كيلو الكزبرة منخفض جدًا والكيلو الواحد لا يتجاوز 80 ليرة، والسعر لا يلبي أدنى تكاليف الإنتاج”.
وحول تصريف إنتاج القمح والشعير في المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية، أوضح مدير عام مؤسسة الحبوب، حسان المحمد، أن “القمح الموجود في المناطق الكردية متروك لعملية السوق حاليًا، يعني العرض والطلب، ويحاول التجار نقله وتسويقه في مناطق يباع فيها بأسعار أعلى ومرتفعة وخاصة المناطق المحاصرة حيث تستهوي هذه المناطق التجار لارتفاع أسعار القمح والطحين فيها”.
صراع بين النظام والمعارضة على ما بقي من قمح سوريا.. من يدفع أكثر؟
في عموم سوريا، تراجع إنتاج القمح 70% هذا الموسم، وتراجعت المساحات المزروعة بنسبة 40% لصالح زراعات أخرى، وتشير التوقعات الأولية للإنتاج إلى أنه بحدود 350 ألف طن، لكن التوقعات الفعلية لا تصل إلى 150 ألف طن، في حين يقدرعدد مزارعي القمح في حلب وإدلب وريف حماة وحمص ودرعا بحوالي 250 – 300 ألف مزارع.
وتشهد البلاد حالة منافسة بين مختلف أطراف الصراع من أجل تأمين القمح، ضمان تأمين رغيف الخبز وتحقيق أدنى حد من الأمن الغذائي للمواطنين، كل في مكان سيطرته، وطرح النظام في الحسكة والقامشلي سعرًا “مجزيًا” للفلاح من أجل شراء قمحه، وحدد حوالي 155 ألف ليرة للطن مع 20 ألف ليرة مكافأة “تشجيعية”، علمًا أن سعر الطن في مناطق ريف الرقة وتل أبيض لا يتجاوز الآن 85 ألف ليرة، وفق مؤسسة الحبوب التابعة للمعارضة السورية.
أما في مناطق سيطرة المعارضة، حيث تدير مؤسسة الحبوب بالتعاون مع المجالس المحلية ملف القمح، فوصل سعر شراء طن القمح القاسي إلى 265 دولارًا، وسعر طن القمح الطري 260 دولارًا، ووزعت المؤسسة أكياس خيش لجني محاصيل الشعير والحمص مجانًا على الفلاحين، علمًا أن سعر تكلفة أكياس الخيش للطن الواحد من القمح 15 دولارًا، “ما يعني أن مؤسسة الحبوب وضعت أعلى سعر للطن في سوريا”، وفق مدير المؤسسة حسان المحمد.
لكن هناك جهة أخرى في مناطق المعارضة وضعت سعرًا أعلى، وهي وحدة تنسيق الدعم “ACU” المشرفة على برنامج “قمح”.
منحة قطر لتمويل برنامج “قمح”.. أين ذهبت؟
بدعم من دولة قطر، أطلقت وحدة تنسيق الدعم في الحكومة المؤقتة العام الماضي برنامج الأمن الغذائي السوري “قمح” بميزانية 15 مليون دولار، قدمتها الدوحة للوحدة من أجل شراء 50 ألف طن قمح للموسم 2015، ومن أجل المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين السوريين.
ويعمل البرنامج على مراحل ويقول العاملون فيه إنه “يسعى إلى شراء القمح من المزراعين وتخزينه وبيعه إلى المطاحن ومؤسسة البذار بأسعار مناسبة”.
وقال رائد بديوي، منسق البرنامج في الوحدة، لـ “الجزيرة نت”، في وقت سابق، إنّ “البرنامج تنموي ويعمل على توريد وتصريف محصول القمح المنتج في المناطق القابلة للوصول والمناطق المحاصرة على كامل الأراضي السورية، ويتوفر فيها الحد الأدنى من الظروف الملائمة للعمل”.
وخلال الموسم الحالي 2016، حدد البرنامج أعلى سعر لشراء المحصول في المناطق المحررة، وفاقت أسعاره المحددة، الأسعار التي وضعتها مؤسسة الحبوب وكذلك النظام السوري، ما يؤشر إلى حالة من التنافس بين جميع الأطراف للحصول على قمح الفلاحين، حيث خصص البرنامج مبلغ 315 دولارًا أمريكيًا للطن الواحد في ريف حمص، ودعا البرنامج المزارعين إلى تسليم محاصيلهم بدءًا من الرابع من حزيران الجاري، ويتعاون البرنامج مع مجالس محافظات حلب وإدلب وحمص ودرعا وحماة وحلب والقنيطرة.
وبحسب حسان المحمد، مدير مؤسسة الحبوب، فإن المنحة القطرية البالغة 15 مليون دولار “وجهت لاتجاهات غير صحيحة”، فقد “اشتروا جزءًا من القمح بالتعاون مع المجالس المحلية العام 2015، والجزء المتبقي من المنحة يفترض أن يشترى به جزء من القمح وهذا ما لم يحدث للآن”.
ويسعى البرنامج لتوريد وتصريف القمح المنتج في المناطق القابلة للوصول والمناطق المحاصرة في سوريا، ويتوفر فيها الحد الأدنى من الظروف الملائمة للعمل، بهدف تعزيز ارتباط المزارع بأرضه، وتأمين دقيق القمح في هذه المناطق للمساهمة قدر الإمكان في توفير الخبز للمواطنين والحفاظ على سعره بما يتلاءم مع القدرة الشرائية لهم.
أبرز المنظمات الدولية والجهات الداعمة للزراعة في المناطق المحررة
• منظمة GIZ الألمانية، تقدم دعمًا لمشارع زراعية عديدة في سوريا بالتعاون مع مؤسسة الأعلاف ومكتب التعاون الدولي الزراعي.
• معهد SEHAM PARY الإيطالي للعلوم الزراعية، ذراع تنفيذي للحكومة الإيطالية وشريك أساسي لمكتب التعاون الدولي، ينفذ عددًا من المشاريع في إدلب وحلب ومنطقة عفرين، قدم العام 2014 مساهمة في أحد مشاريع تأمين اللقاحات والمبيدات للمحاصيل، حوالي نصف مليون دولار، و1.8 مليون يورو، وقدمت بريطانيا نصف مليون جنيه إسترليني.
• منظمة spark الهولندية، التي تموّل معهد التعليم الزراعي بالكامل وبرعاية من الحكومة الهولندية والملكة.
• صندوق إعمار سوريا، (SRF) يتألف من 17 دولة تنفذ مشاريع في الداخل السوري في مجالات التعليم والصحة واللقاحات للثروة الحيوانية، ويعمل على مشاريع في إدلب بقيمة 700 ألف يورو، وفي درعا بقيمة 800 ألف يورو.
• منظمة NRC النرويجية للتنمية.
“نقص السيولة” يهدد “مؤسسة إكثار البذار” بالتوقف نهائيًا
نهاية العام 2013 تشكلت “مؤسسة إكثار البذار”، وهي أول كيان إداري ومؤسساتي في مناطق المعارضة، وتهتم بتوزيع البذار على الفلاحين وتوفيرها بأسعار مشجعة ومقبولة، وخاصة بذار “القمح والبطاطا”، وغالبًا ما تقدم المؤسسة أسعارًا مدعومة، أقل من أسعار السوق، تشجيعًا للمواطنين.
وخلال الموسم الماضي 2015 – 2016 تم توزيع أربعة آلاف طن بذار في حلب وإدلب ودرعا وحماة وحمص.
وتم توزيع 2500 طن بذار في حلب وإدلب وحماة، ووزعت المؤسسة عبر كودارها في المحافظات 1200 طن أسمدة على الفلاحين، وثلاثة آلاف طن من بذار البطاطا.
لكن المؤسسة الوليدة، وبحسب مديرها العام، معن ناصر، تعاني من “نقص التمويل” إذ لا يوجد مصدر ثابت للدعم، وهو “غير ثابث ومهدد بالزوال وبعدم البقاء لفترة محدودة”.
المؤسسة التي تؤمّن الدعم من منظمات دولية وتتعاون مع المكتب الدولي الزراعي، وتشغّل 110 موظفين في عموم سوريا، تقدر ميزانيتها السنوية بحوالي 2.4 مليون دولار، ويخشى المدير العام من نفاد هذا المبلغ خلال السنوات الثلاث المقبلة إذا لم يتوفر دعم مستمر وثابث، على اعتبار أنها تنفق سنويًا 30% من رأس المال.
ومع ذلك تخطط المؤسسة للاستمرار والبقاء مع الفلاحين، فهي ضمن الإمكانيات المتوفرة حاليًا ستسعى خلال السنوات المقبلة إلى تغطية كافة المناطق المحررة وإلى توزيع 100 ألف طن من الأسمدة، و20 ألف طن بذار بطاطا، و50 ألف طن بذار قمح، و30 ألف طن بذار بقوليات وخضراوات.
المؤسسة تخسر أهم مشاريعها لصالح قوى أخرى
تعاني المؤسسة من صعوبات لوجستية تعيق عملها في عموم سوريا وخاصة في ريف حلب، وأبرز ما تعاني منه هو استمرار قصف النظام لمشاريعها، وسيطرة قوات الوحدات الكردية المتمثلة بقوات “YPG” على الطرقات في شمال وشرق حلب.
ويزيد من صعوبات عمل كوادر المؤسسة “نقص الحماية وضعف السيطرة على الأرض”، ففي منطقة تل قراح شمال شرق حلب خسرت المؤسسة مشروعًا ضخمًا لإنتاج البطاطا بعدما سيطر “تنظيم الدولة الإسلامية” على المنطقة. وسيطرت وحدات “YPG” على أهم مستودعات المؤسسة في الشمال في “منطقة العلقمية”، وكذلك سيطر النظام على مستودعات المؤسسة في منطقة خان طومان بعدما تعرضت لقصف كثيف أدى إلى تدميرها.
“إكثار البذار” تمنح الفلاحين قروض مقايضة.. القمح مقابل الدعم
استدعى تدهور القطاع الزراعي وعزوف الفلاحين عن زراعة المحاصيل الاستراتيجية وخاصة القمح، إلى تدخل المؤسسة العامة لإكثار البذار، حيث سعت المؤسسة إلى التفكير بطريقة ما تحفز المزارعين على الاستمرار بالزراعة وتقديم المحفزات لهم، فعملت المؤسسة، كما يقول مديرها العام معن ناصر لعنب بلدي، على تقديم “قروض تشجيعية للفلاحين، على شكل (أسمدة، ومبيدات، وبذار، وري) على أن يعيدها الفلاح على شكل أقماح، وتبلغ قيمة القرض تقريبًا 300 – 400 دولار”.
تنفّذ المؤسسة هذا المشروع بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري، وقد أتمت حتى الآن تنفيذ 500 “عقد مقايضة” في درعا وحدها، وتستعد لتوسيع الخطة لتشمل حمص أيضًا من أجل إنتاج العدس والفول وزيادة الإنتاج من هذين المحصولين.
يعتقد ناصر أن منح مثل هذه القروض هو السبيل الأفضل لتحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية، فالوضع في درعا وعموم سوريا “كارثي” بسبب الجفاف وقلة الأمطار، وهذا ما دعا الفلاحين لهجرة الحقول، وبحسب رأيه فإن التوقعات لمحصول القمح أن يعطي 2 طن بالهكتار الواحد علمًا أن المردود كان أربعة أطنان بالهكتار العام الماضي.
ساهم قطع الطرقات وخطورة استخدامها بسبب الاقتتال في تكدّس محاصيل زراعية مثل البطاطا في مناطق الإنتاج وانخفاض أسعارها بشدة، في وقت تكون فيه بلدات ومدن أخرى بأشد الحاجة لها.. هذا التشوه في العرض والطلب أدى إلى تشويه الخريطة الزراعية في السوق وأثر على تسويق المنتجات الزراعة.
كيف يؤمّن المزارعون مستلزمات الزراعة في المناطق المحررة؟
• مؤسسة إكثار البذار والأعلاف التابعة للمعارضة السورية.
• منظمات الإغاثة الإنسانية التي تحصل على المستلزمات من منظمة (FAO).
• مكتب التعاون الدولي الزراعي.
• تجار السوق السوداء.
• استيراد التجار من تركيا ولبنان والعراق.
• من مناطق سيطرة النظام السوري وخاصة المبيدات الحشرية.
مجلس محافظة حلب يستثمر أراضي مركز “إيكاردا”
تمكن مجلس محافظة حلب وبالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة “إيكاردا”، من الاستمرار في زراعة الأراضي التابعة للمركز (الحقول البحثية)، وهي عبارة عن مزارع بحثية تبلغ مساحتها عشرة آلاف هكتار تقريبًا، تتركز في ريف محافظة حلب، ويشكل مركز تل حديا (مقر المركز) في منطقة جبل سمعان جنوب حلب، موقعا مميزًا لأبحاث المركز، الذي يهتم بتطوير المحاصيل الاستراتيجية في المناطق الجافة، كالقمح والشعير والحمص والعدس، وكانت وزارة الزراعة تجري فيه تجارب لتطوير سلالات زراعية جديدة، وقد شهدت المناطق المحيطة بمبنى “إيكاردا” خلال السنوات الماضية عمليات اقتتال أدت إلى تضرره، وكذلك أصاب الضرر المزارع البحثية، لكن الاتفاق الذي أبرم بين المعارضة وإدارة المركز، وفق ما يقول مدير المركز محمود الصلح في تصريح لشبكة ” scide”، مكّن الباحثين من مباشرة أعمالهم ومزاولة أبحاثهم.
وتمكن مجلس المحافظة من زراعة هذه الأراضي بمحاصيل الشعير والقمح والعطريات والبقوليات.
استطاع مركز “إيكاردا” البحثي وخلال العامين 2011 و2012 تأمين “بنك الجينات” في المركز، بعد إيداع نسخ مطابقة من موارده الوراثية ببنوك جينات خارج سوريا، بحيث أصبحت لجميع الجينات ومجموعات الأصول الوراثية في المركز نسخ مماثلة لها خارج البلاد.
وبعد اندلاع الثورة، سحب النظام بعد خروجه من المركز كافة المعدات والأدوات والموظفين التابعين له، لكن مجلس المحافظة استثمر الأراضي واستأنف زراعتها، ويسعى حاليًا للمحافظة على سلالة البذور المحلية، وتطويرها وإيجاد سلالات جديدة بالتعاون مع مراكز “إيكاردا” في الدول العربية كتونس وليبيا، وذلك بالتعاون أيضًا مع 450 موظفًا سوريًا تابعين لـ “إيكاردا” يعملون في الداخل السوري.
وكان مركز “إيكاردا” بدأ عمله في سوريا 1977، وهو يقدم الدعم لإنتاج البحوث الزراعية ودراسة العوامل البيئية والتقنية والاقتصادية في الدول النامية، ويسعى إلى تنمية الزراعة المستدامة وتطويرها للحد من الفقر والجوع وتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين.
درعا: أسواق الهال تتحول إلى مراكز تجميع خردة.. والفلاحون بلا أراضٍ
شكلت منطقة حوران مصدرًا أساسيًا لتوريد المحاصيل الزراعية لجنوب البلاد ولعموم سوريا، وخاصة القمح والشعير والزيتون والخضراوات الصيفية، بسبب خصوبة الأراضي وانخفاض تكاليف الإنتاج والعائد المادي “المجزي” على الفلاحين. وخلال الثورة، أصبحت الزراعة مهنة ثانوية لمعظم السكان، ليس بسبب ارتفاع المستلزمات الزراعية كما باقي المدن السورية، بل بسبب الاقتتال والمعارك الدائرة على خطوط إمداد الغذاء والزراعات في عموم درعا والقنيطرة، ونتيجة لذلك تراجع إنتاج القمح على سبيل المثال بنحو 40% عن العام الماضي، وتقدر كميات القمح المسوقة للموسم الحالي 35 ألف طن، منها 21 ألف طن من القمح المروي، والباقي بعل، وفق وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، والتوقعات هذا العام تشير إلى انخفاض الإنتاج أكثر بسبب الجفاف.
يعتبر أحد الفلاحين (رفض الكشف عن اسمه) أنّ خروج الأراضي عن الخدمة كان سببًا رئيسيًا لهجرة الفلاحين، وذلك بسبب قربها من مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري. ولا يرى الفلاح أن ارتفاع التكاليف كانت سببًا أساسيًا لتوقف الزراعات، لأن الفلاح من المستحيل أن يبيع محصولة بخسارة وهو ينتظر الوقت المناسب للبيع بحيث يحقق له هامش ربح مُرضٍ.
وتحاول مؤسسة الحبوب التابعة للمعارضة، والمكتب الزراعي الدولي، وهو جسم بديل عن وزارة الزراعة المؤقتة، تكثيف نشاطهما في المنطقة الجنوبية، سواء عبر رفع عدد القروض الزراعية الممنوحة من المؤسسة للفلاحين من أجل زراعة القمح والبطاطا، أو عبر مباشرة المكتب الزراعي بتأسيس مشروع “ضخم” لمؤسسة الأعلاف التي باشرت نشاطها شمال سوريا ويتوقع أن تبدأ توزيع الأعلاف بشكل أكبر في شهر ايلول المقبل، كما يقول رئيس المكتب عبد السلام حامد.
إغلاق أكبر سوقين في درعا
ساهم تدهور حال المزارعين في المنطقة الجنوبية وتوقف المشاريع الزراعية بإغلاق العديد من أسواق الهال الضخمة، التي كانت معارض كبيرة يومية لمختلف المنتجات الزراعية.
فالشكل المتعارف عليه لـ”سوق الهال” في منطقة زراعية كدرعا ومدنها لم يعد موجودًا خلال الفترة الحالية، وأصبح معظم الفلاحين يعمدون إلى توزيع محاصيلهم مباشرة في البلدات نفسها “في حال لم يتوجه بها نحو النظام”، كما يقول أحد المزارعين.
وأحيانًا يتم تصريف المنتجات عبر بيعها من خلال السيارات الجوالة على القرى في الريفين الشرقي والغربي، وكثير من المزارعين لجؤوا لهذه الطريقة خوفًا من قصف أسواق الهال، ولأنها آمنة نسبيًا.
ويوجد في درعا (مركز المحافظة) سوقان رئيسيان للخضار والمنتجات الزراعية، توقفا بشكل كامل، واحد يضم أكثر من 200 مستودع، وهو في بلدة طفس، كونها أكبر منطقة زراعية، ويعد سوقها من أهم الأسواق في المحافظة، وقد أغلق السوق وتحول إلى مركز تجميع سيارات وخردة، وهناك سوق آخر في مدينة الصنمين، كونها مركز مدينة رئيسيًا شمال المحافظة.
وبالنسبة لباقي مدن درعا الرئيسية مثل إنخل وجاسم وازرع كان فيها أسواق لكن بشكل يغطي حاجاتها فقط.
ونتيجة لذلك تحولت المحافظة إلى استيراد حاجاتها من المنتجات الزراعية، وخاصة الفواكه، والتي يوردها تجار المحافظة من القنيطرة المجاورة.
زراعة العنب ومشاتل الورود تتوقف في داريا.. والتفاح يتراجع في القلمون
لطالما اشتهرت مدينة داريا في ريف دمشق بإنتاج العنب، الذي كان جزء كبير منه يطرح في السوق المحلية، وجزء آخر يذهب إلى التصدير، إلى جانب محصول الكرمة في محافظة السويداء. وكانت هذه الزراعة تحتل المرتبة الأولى لدى معظم مزارعي داريا، الذين يملكون “خبرة كبيرة” فيها، ومع اندلاع الثورة ومحاصرة النظام للمدينة بدأت تتضرر هذه الزراعة بشكل كبير، وارتفعت تكاليفها، إذ يصل اليوم سعر إنتاج الدونم من العنب إلى مليون ليرة، وعليه لم يعد بإمكان المزراعين التوجه إلى أراضيهم في الجهة الغربية باتجاه بلدتي صحنايا وجديدة عرطوز، بسبب الحواجز المنتشرة على أطراف المدينة جهة الغرب، مثل حاجز “الفصول الأربعة” ووجود المساحات الزراعية في مرمى قناصة جيش النظام، ما جعل الاستمرار في زراعة العنب وتقديم الخدمة للمحاصيل أمرًا “شبه مستحيل”.
يقول أحد سكان مدينة داريا، إنّ الأهالي خلال الحصار أبدوا اهتمامًا كبيرًا بمحاصيل العنب، كونها فاكهة صيفية تشتهر بها المدينة وتعد مكونًا غذائيًا مهمًا في ظل الحصار، وكانوا يستفيدون من زراعة الأراضي أيضًا، حيث تم تجهيز مزارع العنب للموسم الصيفي بتقديم الخدمة ورش المبيدات والأسمدة وغيرها على قلتها، لكن تقدم جيش النظام منذ بداية العام الجاري جعله يسيطر على هذه المزارع وبالتالي حرم الأهالي من الاستفادة منها.
ومع استمرار أعمال القتال في المدينة وعلى أطرافها، وفي المساحات الزراعية، توقفت محاصيل داريا وأصبحت الزراعة بشكل عام في خطر محدق، ويحذّر مواطنون التقتهم عنب بلدي من أن “عنب داريا” ومحاصيلها بشكل عام في طريقها للاندثار، وخاصة أن النظام مايزال يسيطر على أغلب مزارع وحقول المدينة، والتي أصبحت الآن بالكامل تحت سيطرة الجيش ليصبح مصيرها مجهولًا.
هيثم أبو عبدو، مزارع داراني، يقول إن “جميع مزارع العنب أصبحت تحت سيطرة النظام منذ بداية الحملة أو في مرمى قناصته، وأصحابها لا يستطيعون الوصول إليها بحجة أنها منطقة عسكرية، ما أدى إلى تلفها جميعها، فبتنا اليوم نشتهي ثمارها فقط”.
ويضيف المزارع بأن داريا تشتهر إلى جانب مزارع العنب والكرمة بمشاتل الورد التي تنتشر على مداخل المدينة، ويذهب جزء كبير من إنتاجها إلى التصدير، يضيف “كان عدد من المزارعين مختصين بزراعة الأشجار واستكثارها وبيعها في المشاتل لتزرع في مكان آخر، فترى المشاتل على جانب الطرقات، ويتم تصريف المنتجات في الداخل والخارج، ومع الأسف كل ما ذكرت أصبح من الماضي”.
تفاح مضايا والزبداني بيد “حزب الله”
تشتهر سوريا بإنتاج التفاح، وبلغ وسطي الإنتاج سنويًا للعام 2014 نحو 250 ألف طن، وتعد المنطقة الوسطى والقلمون الغربي وريف دمشق باتجاه الزبداني وسرغايا ورنكوس ومشقيتا، والجولان المحتل، من أهم مناطق الإنتاج، ونظرًا لوجود المساحات الزراعية من التفاح في مناطق شبه آمنة، وماتزال تحت سيطرة النظام في مناطق ريف حمص الغربي (جبل الحلو)، فإن إنتاج المزارعين مايزال على وتيرته كما في السابق، وقد تمكن النظام السوري من فتح أبواب التصدير إلى دول عربية على رأسها العراق ولبنان والجزائر ومصر.
لكن “الويلات” جاءت إلى محاصيل التفاح في سهول مضايا والزبداني بعد المعارك العنيفة بين “حزب الله” وقوات المعارضة، وكان نتيجة ذلك هجرة السكان للمدينة وسيطرة قوات الحزب على معظم المناطق المحيطة، بما فيها المساحات الزراعية، حيث أجرت عمليات تجريف واسعة للأراضي والسهول وقطعت الأشجار، وردمت مئات الآبار، بحسب شهادات سكان وناشطين من المنطقة، وهو ما أدى إلى توقف هذه الزراعة بشكل كامل على طول حزام سلسلة جبال القلمون الغربية.
وشكلت ممارسات قوات النظام وحزب الله، المتمثلة بردم جميع آبار المياه الموجودة في منطقة رنكوس والتي تعد شريان الحياة للأراضي الزراعية، مخاطر كبيرة على الزراعة في المنطقة، لا سيما بعد سرقة أنابيب المياه و”الغطاسات” واعتقال المزارعين، وهو ما زاد معاناة الأهالي الذين يعتمدون على الزراعة، وبالأخص التفاح والمحاصيل الصيفية (المشمش، الخوخ، الدراق).
وبعد أن سمح النظام لسكان رنكوس بالعودة إلى المدينة في العام 2014، بعد سيطرته عليها، رجع السكان إلى أراضيهم للعمل فيها واستأنفوا إنتاج المحاصيل، لكن ارتفاع تكاليف الإنتاج وتوقف شبكات الري، جعلهم يعتمدون “الزراعة البعلية” بشكل كامل.
يقول أحد المزارعين “منذ ثلاث سنوات تقريبًا لم نستخدم الأسمدة ولا المبيدات الحشرية في المنطقة بسبب ارتفاع أسعارها، إذ يبلغ سعر طن السماد أكثر من 300 ألف ليرة، وهناك معاناة في تأمينه”، معتبرًا أن ما تقدمه الوحدات الإرشادية في المنطقة غير كاف ولا يساهم في تحسين جودة المحاصيل.
بماذا يوصي الخبراء لتحسين الواقع الزراعي في المناطق المحررة؟
• إيجاد مؤسسات تكون نواة لإدارات زراعية سورية خالصة من أجل الإشراف على المحاصيل والزراعة بشكل عام.
• افتتاح فروع لمؤسسات حكومية تتولى توزيع البذار، والمبيدات، والأسمدة، والري، وتسويق المحاصيل.
• إيجاد أجهزة رقابة على الأسواق ومحاربة تجار السوق السوداء.
• تفعيل العلاقات وتطويرها بين المؤسسات والمنظمات الدولية والدول الصديقة.
• أن يكون هناك نواة لمؤسسات سورية خالصة تشبه مؤسسات الدول المجاورة. لأن العمل الزراعي لا يمكن أن يقوم به أفراد، بل هو جهود على مستويات دولة وليس أفراد.
• التعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنع تدخلها عبر المنظمات.
• تدريب اليد العاملة الزراعية وتأهيلها ورفع الأجور.
• إيجاد أسواق لتصريف المنتجات الزراعية بأسعار مجزية.
• بسط الأمان على الطرقات وتعزيز حماية المنشآت والمحاصيل الزراعية.
تأسيس أول معهد أكاديمي في المناطق المحررة لتعليم “التكنولوجيا الزراعية”
نظرًا لانعدام فرص العمل في مجالات الصناعة وتراجعها إلى حدود دنيا في المجالات الأخرى كالتجارة، شهد القطاع الزراعي إقبالًا كثيفًا من قبل الشبان الراغبين بالعمل، سواء لصالحهم الشخصي أو لصالح جهات أخرى في البلدات والأرياف السورية، وهنا برزت الحاجة إلى وجود جهة تعليمية وأكاديمية تساعد في صقل هذه المهارات وتطور أدواتها من أجل النهوض بالواقع الزراعي ككل.
وبمبادرة من مكتب التعاون الدولي الزراعي، وهو الجهة التي تنشط في معظم الأراضي السوري وتهتم بالزراعة السورية، تم تأسيس “معهد التكنولوجيا الزراعية” لتعليم الطلاب السوريين التكنولوجيا الزراعية، إضافة إلى الجانب الأكاديمي، وافتتح المعهد لحد الآن ثلاثة فروع في إدلب وحمص ودرعا، ويستوعب حاليًا حوالي 640 طالبًا وطالبة، بعد أن بدأ بـ50 طالبًا فقط.
وتبلغ الكلفة التشغيلية للمعهد 116 ألف دولار، لكل دورة فصلية (ثلاثة أشهر)، وهي منحة مقدمة من منظمة “Spark” الهولندية، كما يقول مدير المكتب الدولي الزراعي، عبد السلام حامد.
وينتسب للمعهد كل طالب سوري أنهى الثانوية العامة أو انقطع عن دراسته في مجال الزراعة خلال الحرب، ويتبع منهجًا تعليميًا أوروبيًا معتمدًا، حيث يدرس الطالب خلال وجوده في المعهد لمدة ست دورات وبعدها يحوز على إجازة دبلوم في العلوم الزراعية معترف به من الاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الدولية.
تعداد القوى العاملة السورية المشتغلة في الزراعة بين 2001 – 2011 (ذكور وإناث):
النظام “يكسر الحصار” ويستأنف تصدير التفاح والحمضيات
كحال مناطق سيطرة المعارضة السورية، لم تكن الزراعة والمزارعين في مناطق سيطرة النظام بوضع جيد، لكن حكومة النظام ممثلة بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي عمدت إلى تقديم الدعم للقطاع الزراعي بعدما حصلت عليه من منظمة الـ “FAO” والاتحاد الأوروبي، الذي دخل خلال حزيران الجاري على خط المساعدات الإنسانية للقطاع الزراعي ورصد مبلغ ستة ملايين يورو، تشمل إنتاج المحاصيل الزراعية والإنتاج الحيواني وإدارة التربة والمياه والغاز الحيوي، والأنشطة المولدة للدخل وبناء القدرات المؤسساتية. وكانت منظمة الـ “FAO” منحت في خطتها الزراعية مبلغ 152 مليون دولار، لدعم القطاع الزراعي السوري ضمن خطتها لعامَي 2016-2017.
وساهم السخاء الدولي هذا في جعل عجلة الاقتصاد الزراعي في حالة دوران، وهناك إقبال ملحوظ على زراعة محاصيل بعينها، مثل الحمضيات في الساحل السوري والتبغ، وقد نجحت وزارة الزراعة وعبر أذرع من القطاع الخاص في تسهيل الطريق على المزارعين لتصدير منتجاتهم إلى دول الجوار، حيث المردود الأعلى بدلًا من طرحها في السوق المحلي، وهو ما انعكس سلبًا على أسعار الأصناف الزراعية في الأسواق.
الحمضيات السورية تغزو روسيا
ومن خلال “اتحاد المصدّرين السوريين” كسر النظام طوق العقوبات العربية المفروضة عليه، وتمكنت منتجات زراعية من اختراق أسواق عربية كمصر والإمارات والعراق، حيث تمكن اتحاد المصدّرين من إرسال شحنات تفاح وحمضيات إلى هذه البلدان، وذلك لأول مرة منذ اندلاع الثورة في سوريا، ما شكل بارقة أمل للمزارعين، وحثهم على الاستمرار في أراضيهم. وشكل توتر العلاقات الاقتصادية بين موسكو وأنقرة فرصة كبيرة لدخول الصادرات الزراعية السورية إلى روسيا بعدما منعت الأخيرة أي منتجات تركية من دخول أراضيها.
وبحسب مدير الزراعة في محافظة اللاذقية، منذر خيربك، فقد وصلت الصادرات الزراعية لروسيا إلى تسعة آلاف طن منذ بداية موسمها في العام الحالي، وبلغ حجم الخضار والحمضيات المصدرة نحو 8445 طنًا منذ بداية الموسم، بينما بلغت صادرات البندورة والرمان 482 طنًا، في حين حجزت الحمضيات حصة في السوق الروسية وصلت إلى 10% مع نهاية 2015.
ويتوقع أن يبلغ حجم شحنات المحاصيل الزراعية السورية المصدرة إلى روسيا بين 150-200 ألف طن سنويًا، بعد أن تم تأسيس ممر بحري جديد، وقرية صادرات سورية روسية.
وتعد الحمضيات والتبغ من أهم صادرات حكومة النظام خلال هذه الفترة، بعدما توقفت عن تصدير محاصيل القمح والشوندر السكري وغيرها لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ولعل جهود اتحاد المصدّرين السوريين تصب في صالح الفلاحين بمناطق الساحل لدفعهم على الاستمرار.
وتمتد زراعة الحمضيات في سوريا على مساحة 36 ألف هكتار، يقدر إنتاجها بنحو مليون طن، ويعمل فيها 50 ألف أسرة، ويشكل إنتاج سوريا واحدًا بالمئة من الإنتاج العالمي المقدر بمئة مليون طن سنويًا.
منذ العام 2000 إلى 2014، زادت مساحات الأراضي المزروعة بالحمضيات من 25 ألف هكتار إلى 43 ألف هكتار، وارتفع عدد الأشجار في الفترة ذاتها من عشرة ملايين شجرة إلى 14 مليونًا.
وكانت سوريا تحتل المركز العشرين عالميًا في الإنتاج من بين ثمانين دولة، وتأتي في المرتبة السابعة متوسطيًا، وسوريا الثالثة عربيًا بالإنتاج بعد مصر والمغرب.
وتتركز الزراعة في محافظة اللاذقية بنسبة 76% من المساحة المزروعة بالحمضيات في عموم سوريا، وتنتج أكثر من 82% من إجمالي الإنتاج، تليها محافظة طرطوس.
المناطق الزراعية في سوريا بالتفصيل وحسب المساحات:
منطقة الاستقرار الأولى:
مساحتها 2.7 مليون هكتار، وتشكل 14.6% من مساحة البلاد، معدل أمطارها السنوي أكثر من 350 مم/سنة، ومحاصيلها الرئيسية الحبوب والبقوليات والمحاصيل الصيفية والخضار والأشجار المثمرة وأهمها الحمضيات والتفاحيات واللوزيات.
منطقة الاستقرار الثانية:
مساحتها 2.5 مليون هكتار، وتشكل 13.3% من مساحة سوريا، معدل أمطارها 250-350مم/سنة، محاصيلها الرئيسية الحبوب والبقوليات والأشجار المثمرة وأهمها الكرمة والزيتون واللوز.
منطقة الاستقرار الثالثة:
مساحتها 1.3 مليون هكتار وتشكل 7.1% من مساحة البلاد، معدل أمطارها السنوي يزيد عن 250مم/سنة، ولا يقل عن هذا الرقم، وأهم محاصيلها الزراعية الشعير.
منطقة الاستقرار الرابعة:
مساحتها 1.8 مليون هكتار وتشكل 9.9% من مساحة سوريا، معدل أمطارها السنوي 200-250مم/سنة، وأهم محاصيلها الزراعية الشعير.
منطقة الاستقرار الخامسة:
مساحتها 10.2 مليون هكتار، وتشكل 55.1% من مساحة سوريا، أمطارها السنوية غير مستقرة وتتراوح بين 100- 150مم/سنة، وهي تستخدم كمراعٍ للأغنام.ويبلغ مجموع الأراضي القابلة للزراعة ستة ملايين هكتار مستثمر منها 5.7 مليون هكتار، وتبلغ مساحة الأراضي المروية 1.4 مليون هكتار، والبعلية 3.3 مليون هكتار، وتبلغ مساحة الحراج 576 ألف هكتار.
(المصدر: هيئة البحوث العلمية الزراعية – وزارة الزراعة السورية)
استطلاع رأي: الزراعة ستستمر لأنها قوت غالبية السوريين
تتباين ردود فعل المزارعين في مختلف المناطق السورية حول واقع القطاع الزراعي وما آل إليه بعد خمس سنوات من الثورة، وتتفاوت آراء الخبراء الزراعيين حول مصير الزراعة في سوريا ككل، منهم من يقول إنها إلى زوال ولن تقوم لسوريا بعدها قائمة، ومنهم من يقول إن الزراعة مستمرة لأنها أساس الحياة في بلد تغلب على مساحته الأرياف والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة.
يقول مدير مؤسسة الحبوب، حسان المحمد، إنه لا خيار أمام المزارعين إلا زراعة القمح، فالمساحات الشاسعة لا يمكن أن تزرع إلا بالحبوب، على عكس الأراضي التي تزرع فيها الأشجار.
أبو أحمد، مواطن من درعا، يرى أن أسعار الخضراوات ماتزال مرتفعة، وتختلف من مكان لآخر في المحافظة، ولا تتوافق مع دخل المواطن، وقدر نفقات الأسرة السورية في درعا خلال الشهر بحوالي 18 ألف ليرة، بعدما كان الإنفاق بحدود أربعة آلاف ليرة.
حسام طه، مزارع في بلدة المسيفرة، يقول “نشتري الخضار والفواكه يومًا بيوم، الأسعار حاليًا مقبولة ويبلع معدل إنفاق أسرتي في رمضان 15 إلى 25 ألف ليرة سورية، وقبل رمضان نحو عشرة آلاف ليرة”، ويعتبر أن الزراعة خيار أساسي للمواطنين ولا بد من استمرارها.
مواطن من حلب، يشتكي ارتفاع الأسعار، وهو لا يستطيع شراء كيلو تفاح واحد بسبب الغلاء، الذي أدى إلى حرمان المواطنين من الفواكه، وهو يعتقد أن احتكار الخضراوات والمحاصيل الصيفية سبب أساسي لارتفاع أسعارها.
مواطن آخر، أكد أنّ غلاء الخضراوات “لا يقبله العقل”، ويعزوه التجار إلى ارتفاع سعر الدولار “وهذا غير صحيح” برأيه. ويقول آخر “الغلاء فاحش ولم يكن هكذا من قبل وخاصة أسعار الخضار والبندورة، إذ ارتفعت 100 ليرة بسبب إغلاق طريق الكاستيلو”.
يقول أحد الباعة الحلبيين ”لا توجد ضوابط للسوق، والأسعار متفاوتة من مكان لآخر، لحجج عديدة منها عدم وجود المازوت وارتفاع سعره، وغياب الكهرباء”.
ويضيف آخر “البضاعة غير متوفرة في حلب، بسبب انقطاع طريق الكاستيلو، وبسبب القصف، لذلك أسعارها غير مقبولة”.
يقول أحد السكان في داريا “القصف بالبراميل قضى على الزراعة وتوقفت نهائيًا، كنا نزرع ونأكل والآن لم يعد بإمكاننا ذلك”.
أبو محمد مزارع من إدلب، بلدة تفتناز، أكد أن “المستلزمات الزراعية متوفرة عبر المنظمات الإغاثية، وواقع الزراعة تغير، فقد كان الفلاح مجبرًا على تسليم محصوله للدولة والآن أصبح حرًا بحيث يسلمه لمن يريد”، مشيرًا إلى أن المواطنين مستمرون بالزراعة لأنهم لا يرغبون بالهجرة وهي الخيار الوحيد المتاح.
مقابلة خاصة:
بعد تلاشي وزارة الزراعة المؤقتة..
مكتب التعاون الزراعي “أول كيان مؤسساتي” لدعم الفلاح السوري
بعد تلاشي وزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة وانهيارها ككيان مؤسساتي يمكن أن يبنى عليه لسوريا الجديدة، برزت الضرورة لوجود مديرية أو مؤسسة من صلب تلك الوزارة، فتم تأسيس مكتب التعاون الدولي الزراعي ليتولى مهام الوزارة سابقًا، ويشرف ويدير عمل المؤسسات الزراعية في الداخل السوري، ويبني تعاونًا وثيقًا قوامه الفائدة المشتركة مع كل من مؤسسة الحبوب، ومؤسسة إكثار البذار، ومؤسسة الأعلاف، إذ تعد هذه المؤسسات الثلاث عصب العمل الزراعي الإداري والمؤسساتي في المناطق المحررة، وتقع على عاتقها، رغم اتهامها بالتقصير، إدارة ما تبقى من العملية الزراعية في سبع محافظات هي درعا وحمص وحماة واللاذقية وإدلب وحلب وريف دمشق.
يتعهد المكتب بتغطية النشاط الزراعي والحيواني في المناطق المحررة، ويتطلع لتلبية كافة الاحتياجات التي تتطلبها العملية الزراعية من حاجات للمزارعين وتأمين التمويل اللازم من الدول المانحة ومؤسسات المجتمع المدني لدعم المزارع السوري.
وبحسب مدير عام المكتب، عبد السلام حامد، يوفر المكتب وهو جزء من الحكومة المؤقتة، التمويل عبر التقدم بمشاريع زراعية للداعمين والمنظمات الدولية لكي تنفذ في الداخل السوري، وبعد تأمين الدعم يبدأ بتنفيذ المشروع، ويعتبر حامد أن عمل المكتب هو “خدمة للمزارعين” ويركز عمله في محافظات درعا والقنيطرة وحمص وإدلب وحلب، كما يساهم المركز بتقديم التدريب التقني والفني والتأهيل الأكاديمي للطلاب السوريين في المجال الزراعي.
ينفذ المكتب عددًا من المشاريع في الداخل السوري بالتعاون مع جهات دولية ومنظمات عالمية، ليس من بينها منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، إذ يشرف المكتب على تنفيذ مشروع لمكافحة الآفات الزراعية وأمراض النبات، مثل “السونة” و”الجراد”، ويستهدف نحو خمسة آلاف مزارع، بدعم كامل من منظمة GIZ الألمانية، ويبلغ عدد كوادر المشروع نحو 27 موظفًا موزعين بين مهندس وفني وتقني.
تأسيس مديرية أعلاف في المناطق المحررة
يسعى المكتب لتأسيس مديرية أو مؤسسة أعلاف لتكون بديلًا عن تلك التي يديرها النظام، وذلك في جنوب وشمال سوريا، ولتقدّم الأعلاف للأغنام والأبقار ومنتجي الحليب واللحوم، بميزانية تقدر بحوالي 3.7 مليون دولار، وهي قيد الدراسة ومدعومة بالكامل من حكومة إيطاليا وصندوق إعمار سوريا، وقد انطلق المشروع فعليًا في الشمال ومع بداية شهر أيلول المقبل سينطلق في درعا والقنيطرة.
وخلال الأشهر الثلاثة الماضية تمت تغطية ثلاثة آلاف مزارع بالشمال السوري، “وهذا رقم جيد”، وفق مدير المكتب عبد السلام حامد.
ووفق تقديرات المكتب تبلغ تكلفة سعر طن الأعلاف المركبة 250 دولارًا، واصلًا إلى الفلاح، وتختلف نسبة الاستهلاك من منطقة إلى أخرى، وحسب طبيعة الثروة الحيوانية، بين الأبقار التي يستهلك الرأس الواحد منها يوميًا 15 كيلو علف، والأغنام التي يستهلك الرأس الواحد 2كيلو تقريبًا.
محاصيل “دورية” تدر أكثر
يعتبر حامد أن الواقع الذي فرض على الفلاحين في سوريا خلال الحرب، أجبرهم على ترك الزراعة والتخلي عن محاصيل مثل القمح المرتبط بالأمن الغذائي، لأسباب عديدة منها طول فترة زراعة المحصول من شهر حزيران حتى تشرين الأول. ونتيجة لعجزهم عن خدمة المحصول، فقد انخفض الإنتاج 40% في المناطق المحررة، وبات هناك توجه لزراعة محاصيل دورتها العمرية أقصر تدر “Cash money” لأنها تعطي أرباحًا أعلى، مثل البقوليات والخضراوات، التي من السهل إدخالها إلى السوق وبيعها.
كما برزت زراعات جديدة هي المحاصيل العطرية التي لا ترتبط بالأمن الغذائي وعمرها أقصر، إذ تزرع في شباط وتحصد في أيار من كل عام، وسعرها مرتفع جدًا وسوقها التصديرية نشطة، وخاصة إلى دول العراق وتركيا عبر تجار في الشمال السوري، وهذا ساهم في انتشارها على حساب مساحات القمح.
قاعدة إحصائية قادمة
يعد المكتب حاليًا القاعدة الإحصائية الزراعية، وهي الأولى من نوعها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وهي عبارة عن مسح شامل لكامل القطاع الزراعي في المناطق المحررة، يشمل القطاع الزراعي والنباتي والحيواني وهذه القاعدة ستعطي مؤشرات حول أهمية المحاصيل الاستراتيجية ودورها في الأمن الغذائي ومكانها وأنسب مراكز تسويقها وزراعتها، وبحسب حامد “ستمكن القاعدة المعنيين من رسم خطة مستقبلية للمحاصيل الاستراتيجية والتوجه للداعمين كدول ومنظمات لتقدير حاجات المناطق المختلفة وستكون جاهزة بحلول شهر تشرين الأول المقبل”.
مساع لشراء القمح السوري من منظمات الأمم المتحدة
يعتبر حامد أن الرقم الذي وضعته مؤسسة الحبوب لشراء القمح من الفلاحين جيد ومحفز، ويدفعهم إلى الاستمرار بالزراعة، لكن المكتب الزراعي كجهة شبه حكومية يحاول أن يحصل على دعم أكبر للمزارعين، فهو، والكلام لحامد، “يسعى لدعم الفلاح عبر دفع برنامج الغذاء العالمي (WFP) لشراء القمح من الفلاحين، لأن المنظمة الدولية أقدر على دفع أسعار أعلى من كل الجهات السورية سواء معارضة أو نظام، وذلك عن طريق مؤسسة الحبوب بعد تسليم الفلاحين المحصول لها، ما يشجعهم على الاستمرار بالزراعة بشكل أكبر، فاليوم تسعر مؤسّسة الحبوب الطن الواحد بحوالي 225 دولارًا ومنظمات مثل الـ “FAO”يمكن أن تشتري الطن بحوالي 300 دولار نظرًا لجودة القمح السوري والطلب عليه عالميًا”، وهذا ما سيحقق دعمًا للفلاح وسيردم الفجوة بين التكاليف والمبيعات وسيحقق هامش ربح جيد.
ويسعى المكتب بالتوازي مع ذلك إلى “فتح أسواق تصديرية للزيتون السوري والزيت والكمون وغيرها من المنتجات، بعد أن شهد العام الماضي تجربة تصديرية سرعان ما توقفت لأن المنتجات المنوي تصديرها كان الطلب عليها أكبر”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :