محمد حسام حلمي
خلّف الحصار الاقتصادي المفروض على العراق إبان غزو العراق للكويت عام 1990 وضعًا اقتصاديًا مترديًا ونقصًا حادًا في الموارد الغذائية، فكان برنامج «النفط مقابل الغذاء» الصادر عن الأمم المتحدة عام 1995 بموجب القرار 986 هو الحل لتوفير الاحتياجات الإنسانية للشعب العراقي.
وأُنشئ مكتب برنامج العراق، التابع للأمم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر عام 1997 للإشراف على تنفيذ البرنامج.
إن فرض المجتمع الدولي للعقوبات الاقتصادية على العراق أدى إلى حصول كارثة إنسانية استدعت تدخل الأمم المتحدة، ليس من أجل فك الحصار عن الشعب العراقي وإنهاء معاناته، وإنما تنفيذًا لخطة حضارية مغلفة بقالب إنساني للسيطرة والتحكم بنفط العراق ورهنه لعشرات السنين من خلال برنامج «النفط مقابل الغذاء».
السيناريو نفسه يتكرر اليوم في سوريا، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي الموافقة على رفع القيود والحظر المفروض بشكل جزئي على تصدير النفط السوري، وذلك بحجة دعم المعارضة السورية من أجل تمويل عمليات شراء السلاح.
وجاء هذا القرار بعدما أصبحت معظم الحقول النفطية بأيدي المعارضة، حيث تقع معظم حقول النفط في مناطق دير الزور.
لكن مراقبين شككوا في نوايا الاتحاد الأوروبي من وراء هذا الإجراء، الذي جاء بحسب تصريح وزراء الدول الأوروبية أثناء اجتماعهم «مساعدة المدنيين السوريين وللاستجابة بشكل خاص للمشاكل الإنسانية، واستعادة النشاط الاقتصادي».
واعتبر المشككون أن قرار الاتحاد الأوروبي هذا هو استجابة لانتقادات الشعب السوري ومعارضته بأن المتضرر الأكبر من هذه العقوبات الاقتصادية كان الشعب وليس النظام.
كما يأتي هذا الإجراء بالتزامن مع دعوات متكررة من المعارضة السورية والجيش السوري الحر لرفع الحظر المفروض على بيع السلاح للمعارضة المسلحة، ما يعني، بحسب مراقبين، أن رفع الحظر كان رهينًا بالمصالح الأوروبية التي سمحت ببيع النفط من أجل تأمين السلاح، وليس بمصلحة الشعب السوري كما جاء في تصريح وزراء الخارجية.
ويعاني قطاع النفط السوري من فوضى كبيرة تتمثل في الصراع من قبل أطراف المعارضة والجهات المسلحة في السيطرة على آبار النفط طمعًا في تحقيق وتأمين مورد مادي لتمويل عمليات شراء الأسلحة وتوسيع نفوذها، فقد صرح أحد الموظفين بشركة النفط السورية لجريدة الحياة في مقال نشر في 11 أيار 2013 أن «كل قبيلة تسيطر الآن على جزء على الأقل من حقل نفطي. يتوقف هذا على حجمها وعدد المقاتلين الذين تستطيع نشرهم»، وتحدث عمليات التهريب اليومية من سوريا إلى تركيا عبر الحدود المفتوحة بشاحنات صغيرة.
وتطورت عملية سرقة النفط للتحول إلى قيام بعض المهربين باستخدام مصافي تكرير متحركة تم شراؤها بأسعار تصل إلى 230 ألف دولار، بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 برميل يوميًا، بحسب تقرير صحيفة الحياة.
فإذا كان هذا حال قطاع النفط اليوم وفي ظل التشرذم والسرقة والنهب والضياع والصراع عليه من قبل القوى المسلحة والمهربين، فمن هي الجهة التي ستكون المسؤولة عن عملية تصدير النفط؟ وهل الائتلاف قادر على بسط سيطرته واستعادة السيطرة على حقول النفط وإدارتها لصالح البلاد؟ وهل ستستخدم عوائد النفط لإغاثة الشعب المنكوب أم سيتم استخدامها لتمويل السلاح؟ أم سيتم ادخار جزء من عوائد النفط لتغطية جزء من حاجات إعادة الإعمار التي تجاوزت فاتورتها حتى الآن 200 مليار دولار؟