أعطني دعمًا، أعطيك ولاءً !
حنين النقري – دوما
للمجتمعات معايير قوة، تعطي من يحملها قوة وسلطة حتى ولو لم يكن له لقب رسمي، لعلّ هذه المعايير والمقومات تختلف من عصر ﻵخر، ومن مجتمع ﻵخر… فثمة مجتمعات تعني القوة فيها كثرة العدد، وأخرى نجد القوة تكافئ الثروة فيها، وثمة من يعطي للقوة مرادفًا وهو العدة والعتاد والتسلح.. ومن المجتمعات من يكون فيها الأقوى هو الأكثر علمًا وحكمة. فأي تلك المجتمعات نحن، وما أهمية أن نعي ذلك؟
عندما ينشأ المجتمع على أن تكون الكلمة فيه «للمال»، وتكون للمال سلطة لا تعلوها سلطة قانون ولا عقل، ويستمر على ذلك لعقود، فمن المحال أن نقول بأن ثورة عمرها سنتين قادرة على تغيير ذلك، ومن الغباء أن نطلب من الثورة ذلك ..
لكن صدى هذا الأمر اليوم أكبر، وخطورته في ظل الثورة آكد وأوضح، ﻷن المال لم يعد مجرد مال، وليست سلطته اليوم رشوة أو معاملة غير قانونية،بل هو مسار تاريخي، ومنعطف خطير، لا يصح أن يكون المال فيه اللاعب الأكبر، والمتحكم في مصائر الشعب وإراقة دمه،وشق صفوفه وتوسيع خلافاته..
لا يخفى على أحد اليوم، أن تمويل جماعة ما، فصيل ما، كتيبة ما، لا يكون خالصًا لوجه الله تعالى، وإنما لغرض فكري أيديولوجي محدد، من مبدأ «أعطني دعمًا.. أعطيك ولاءًا» وهو أمر محقق تمامًا ولا داعي للخوض فيه..
لكن المشكلة هنا في الولاء القائم على المادة، في اختلاف ولاء كل جماعة تبعًا لجهة تمويلها وبالتالي شق الصف تبعًا لمصدر المال، لتدخل المال في إدارة الأمور على الأرض وفي توسيع هوّة الخلافات، للاتجار بالإنسان وجعله أداة لتبييض صفحة الجهات الممولة..
نعم، أعطني دعمًا أعطيك ولاءًا، والمشكلة هنا ليست في أن نعطي ولاءنا لتوجه فكري ما، بل في السبب الذي يجعلنا نعطيه إياه،هل أعجبنا فكره؟ أم ابتاع ولاءنا بنقوده؟
لا، ليست صدقاتٍ سريّة تصدق بها أحدهم حتى لم تعلم شماله ما أنفقت يمينه، بل هي إثبات وجود، وكسب ولاء، ومن ثم، ضمان موقع جيد في سوريا ما بعد النصر، والخاسر الأكبر، المهمش الأكبر في هذا كلّه، هو الإنسان، الإنسان الذي ﻷجل كرامته وحريته، وانسانيته ووعيه، قامت ثورة لازالت تدفع أغلى الأثمان ﻷجله!
لا أتكلم عن التسليح فقط، بل أيضًا عن الجوانب الإغاثية والطبية والخدمية، الطعام اليوم غدا وسيلة لشراء الولاء، الوقود والثياب وخيام اللاجئين والماء، الدواء والمشافي، كلها تقدّم في سبيل تبيض صفحة جهة ما، نراها تبذل وسعها في إظهار «الراعي» لهذا العمل وذاك، كسبا للولاء، كل ذلك بالمال..
المال الذي سيشتري السلاح، ويزيد العدد، ويبتاع الولاء، وينال السلطة..
هل في الإسلام مشكلة في ذلك؟ وكيف سعى لحلّ هذا الأمر وجعل الولاء قائمًا على أساس الاقتناع والفكر الموضوعيين؟
لعلّ تفكري في هذه المحاور، ذكرني بفكرة مهمة، وهي بيت مال المسلمين، تلك المنظومة الرائعة والعبقرية لجمع كل جهات التمويل، الغنائم والصدقات والزكاة وجل مصادر تمويل الدولة، بخزينة واحدة، جهة رسمية واحدة، تكون بدورها المسؤول الوحيد عن توزيع هذا المال وإدارته، بغض النظر عن مصدره.. سيكون بيت المال إذن مكان تجمع هذه المصادر، ومركز توزيع لها على المجتمع دون تمييز، دون تفضل على أحد، أو منّة من أحد، ودون أن تكسب أي جهة ولاء أي فرد بناءًا على المال!
تريد أن تكسب الناس؟ إعمل لنفعهم، لا لنفع نفسك ومنظومتك، علمهم التفكير، انشر بينهم الوعي، عبر عن أفكارك بوضوح «دون إكراه» ولا تقنّعها وتغلفها بورق لماع وسلّة غذائية، ثم دعهم يتخيّرون الفكر الذي يريدون في ساحة مليئة بالأفكار المتنوعة..
لا تستلب عقولهم، وإرادتهم الحرة، لا تشترِ ولاءهم برغيف خبز، ﻷنه لن يدوم إلا كدوام الرغيف!
ولن يكون الولاء الحق، إلا عن قناعة، ووعي وإدراك..
شئنا أم أبينا..
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :