عنب بلدي – العدد 64 – الأحد 12-5-2013
نور الدين الرفاعي
عبارة يساء فهمها من قبل بعض الناس، إذ يعتبرونها متناقضة مع الإسلام.
والعبارة تعني بالأساس أن المواطنة هي العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة المدنية، التي تعطي جميع أبنائها نفس الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس الطائفة أو العرق أوالدين، والتي تضمن في نفس الوقت حياد السلطة عن التدخل في عقائد الناس، فلا تفرض نمطا معينا من التدين عليهم، لأن الدين في جوهره يمثل علاقة الإنسان بخالقه، ولا قيمة له إن كان قائمًا على الإكراه، إذ يتحول عندئذ إلى نفاق ورياء!
والعبارة المذكورة -إذا فهمت على هذا النحو- لا تحمل أي إساءة للدين الإسلامي، بل هي تتوافق مع اجتهادات إسلامية قديمة وحديثة في مقاربة الشأن السياسي، حيث أن الدولة في الإسلام تقوم على مبدأين أساسيين هما: الشورى والعدل، أما شكل الدولة وطبيعة العقد الاجتماعي الذي يشكلها، فهو أمر متروك لاجتهاد البشر شريطة مراعاة المبدأين المذكورين.
فدولة المدينة المنورة –على سبيل المثال- والتي أسسها النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد هجرته إلى يثرب قامت على أساس عقد اجتماعي يشبه إلى حد كبيرعقد المواطنة، نقرأ ذلك بوضوح في صحيفة المدينة، التي هي بمثابة الدستور لهذه الدولة الناشئة، والتي أعطى فيها النبي يهود يثرب حقوق المواطنة، على الرغم من اختلاف العقيدة.
إذ ميزت «الصحيفة» بين الدين والمواطنة، فاعتبرت المهاجرين والأنصار ومن لحقهم «أمة من دون الناس»، أمة العقيدة. واعتبرت اليهود بتعدد قبائلهم «أمة من دون الناس»، أمة العقيدة. ثم جمعت هؤلاء وأولئك ووصفتهم بـ «أنهم أمة من دون الناس» هي أمة السياسة، على أساس الاشتراك في المواطنة وواجب إقامة العدل والدفاع عن المدينة. وبهذا قدم دستور المدينة سابقة تاريخية مهمة لتأسيس الدولة على مبدأ المواطنة.
وعند استحضار مثال الخلافة الراشدة في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) نجد أنها قد بنيت على أساس عقد اجتماعي قائم على «شرعية الفتح وتحرير الشعوب من ظلم الفرس والروم»، وعلى الرغم من ذلك فقد حفظ لنا التاريخ توجيه عمر بن الخطاب لواليه على مصر (عمرو بن العاص) بضرورة مشاركة أهل مصر الأصليين في حكمها، عندما أمره بأن لا ينفذ أمرًا في مصر دون مشورة الأب بنيامن (المسؤول عن كنيستها والذي كان يمثل أقباط مصر)، وحفظ لنا التاريخ أيضًا أنه عزل واليًا ولّاه على قبائل بني تغلب –النصارى- لأنهم اشتكوا من فظاظته، فعزله وعين واليًا آخر يرضونه ويقبلون بحكمه.
لنتأمل أيضا في كتاب الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لواليه على مصر مالك الأشتر (والذي اعتبرته الأمم المتحدة أحد مصادر التشريع الدولي) وعلى رأسها تلك القاعدة العظيمة التي قال فيها الإمام علي: «يا مالك، إن الناس بين اثنين: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، وهي عبارة تتفق إلى حدٍ كبيرٍ مع فكرة المواطنة ومع إنسانية الإسلام، وقد علق عليها الأمين العام السابق للأمم المتحدة –كوفي عنان- قائلا: «هذه العبارة يجب أن تعلق على كل المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية» .
وسوريا قامت في العصر الحديث كدولة قطرية مستقلة على أساس «شرعية التحرير»، الذي شاركت فيه جميع طوائف الشعب، حيث قاتل الشيخ صالح العلي في جبال العلويين، وسلطان باشا الأطرش في جبل الدروز، وإبراهيم هنانو –الكردي- في جبل الزاوية، وحسن الخراط وثوار الغوطة في دمشق، وأعلن فارس الخوري من على منبر الجامع الأموي موجهًا خطابه للجنرال غورو: «إذا كانت فرنسا تدعي أنها احتلت سوريا لحمايتنا نحن المسيحيين من المسلمين، فأنا المسيحي من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله.»
وهذا يعني أن الدولة السورية ينبغي أن تقوم على أساس عقد المواطنة الذي يحقق العدالة والمساواة لكافة أطياف الشعب.