في مشهد عكسي مشابه للجوء أهالي سوريا إلى دول الجوار، نزحت مئات العائلات العراقية عبر الحدود إلى سوريا، وأقامت في مخيماتٍ للاجئين أنشئت في الحسكة، وخاصة عقب الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها ميليشيات الحشد الشعبي والقوات العراقية، ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” على مدينة الفلوجة.
وازداد عدد العائلات النازحة من العراق خلال الأيام القليلة الماضية، وجميعهم قادمون من محافظة الموصل، ومدينتي الربيعة والفلوجة، وفق رواية غنّام الساير، وهو مواطن من بلدة طربيل جنوب الحسكة المنطقة التي تستقبل اللاجئين.
غنّام أوضح لعنب بلدي أن بعض العائلات تتوجه إلى مخيمات المالكية، أقصى شمال شرق سوريا، بينما تسير أخرى وأطفالها إلى مخيم “الهول” القريب من الحسكة، وينهكهم المشي لساعات طويلة حتى تجاوز الحدود.
مخيمات مخصصة للاجئين العراقيين
قبل بدء العمليات العسكرية على الفلوجة، أنشئ مخيم “نوروز” في منطقة “ديرك” القريبة من الحدود العراقية، واستقبل مع بداية الهجوم على “شنكال”، ذات الأغلبية الإيزيدية، نحو 350 عائلة، كما أنشئت مخيماتٌ أخرى مثل مخيم “الروج” و”المبروكة” و”الهول”.
وخصصت “الإدارة الذاتية” التي تشرف على المخيمات، مخيمي “الهول” و”المبروكة” للاجئين العراقيين، وتديرها هيئة شؤون المنظمات التابعة للإدارة، والتي وفّرت سيارات لنقلهم من الحدود إلى المخيم.
سكينة جعفر الموظفة بمنظمة “روج آفا”، قالت لعنب بلدي إن مخيم “الهول” مجهز بأفضل الخدمات من ماء وخيام وكهرباء، مشيرةً إلى أن المنظمة تعمل بالتنسيق مع الهيئة “لتقدم الأفضل للاجئ العراقي الفار من بطش الحرب”، على خدمة نحو 500 عائلة عراقية في المخيم.
توقعات بزيادة عدد النازحين
استمرار الحرب في العراق وزيادة رقعتها، ستزيد من أعداد المهجرين إذ لا منفذ سوى إلى سوريا، التي تشهد بدورها حربًا معقدةً بدأت بعنف رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ضد الثورة الشعبية المندلعة ضده في 2011.
لكن محافظة الحسكة تعيش هدوءًا نسبيًا مقارنة بباقي مناطق سوريا الخارجة عن سيطرة النظام السوري، لكنها مهددة بمفخخات متكررة وهجمات مباغتة، يتبنى تنفيذها تنظيم “الدولة”. كما تشهد اضطرابات واشتباكات تكررت مؤخرًا بين مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية، وقوات النظام السوري والدفاع الوطني الموالية له.
حازم البلو، نازح من مدينة الموصل، ومقيم في مخيم “المبروكة”، قال إن العراقيين يهربون من أن يكونوا دروعًا بشرية لتنظيم “الدولة”، في محاولة لإيجاد مكان أكثر أمنًا، لافتًا إلى أن عشرات العائلات تصل يوميًا من العراق إلى مخيم “الهول” بينما يُحوّل قسم آخر إلى مخيم “المبروكة”، الذي يبعد عن مدينة رأس العين نحو 50 كيلومترًا.
واعتبر البلو، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن الحرب في العراق تختلف عن الحرب السورية، “لأن الحكومة العراقية تسعى للقضاء على داعش ولا تقتل الشعب على خلاف الحكومة السورية التي تبيد شعبها”.
أما فاطمة الحسن، التي نزحت من حي “الشهداء” في مدينة الفلوجة مؤخرًا، فقالت إنها وصلت مع أولادها الخمس إلى سوريا بمساعدة الأمن العراقي المشرف على الحدود، بعد اعتقال التنظيم لزوجها في الحي،
وأوضحت الحسن أنها “مرتاحة نسبيًا في الإقامة داخل المخيم”، عازية ذلك “لأن المشرفين عليه يهتمون بأمور اللاجئين و يقدمون الأفضل”.
نرمين سيامند، موظفة في منظمة “يان” للحماية البيئية، أوضحت أن المنظمة أحصت عدد العائلات التي وصلت مخيم “الهول”، مشيرةً إلى أن العدد الكلي حتى حزيران الجاري، وصل إلى 212 عائلة.
وتوقعت سيامند زيادة الأعداد خلال الأيام المقبلة، لافتةً إلى أن ست منظمات أخرى وجمعيتين خيريتين تقدم جميعها الخدمات للنازحين كل بحسب المشروع الموكل به.
مخاوف من انتشار الأمراض
مع وصول أعداد كبيرة من العراقيين إلى مخيمات الحسكة، تزداد المخاوف من انتشار الأمراض المعدية التي انتشرت مؤخرًا في العراق وأبرزها الكوليرا.
شلال المدري، مواطن عراقي يقطن في مخيم “الهول”، قال إن العراق أصبح بيئة مناسبة للأمراض السارية، لافتًا إلى احتمال انتقال الأمراض بين اللاجئين.
وناشد المدري، من خلال عنب بلدي، كافة المنظمات الطبية العالمية لزيارة المخيم والوقوف على الوضع بجدية، عبر توفير ما يلزم من لقاحات وعقاقير طبية، “وفحص كل من يدخل المخيم لمنع انتشار الأمراض والأوبئة”.
وأنشأت “الإدارة الذاتية” مخيمات في الحسكة لاستقبال اللاجئين القادمين من محافظات الداخل السوري، قبل وصول الفارين من العراق، ويعتبر مخيم “نوروز” أولها وأكبرها، كما أنشأت أيار الماضي مخيمًا جديدًا في منطقة “الكوجرات” بريف الحسكة، تحت اسم “كري رش”، ويقيم فيه عراقيون وسوريون.
لكنّ من تحدثت إليهم عنب بلدي من النازحين العراقيين اعتبروا أنهم يتحملون “وطأة العيش” في محلّ لجوئهم، وهذا ما قاله شرو شبيب، الإيزيدي الذي نزح إبان هجوم تنظيم “الدولة” على جبل سنجار، مضيفًا “الخدمات جيدة هنا ولكن ما إن ينتهي الخطر الداعشي سنعود إلى موطننا”.
بهار ديرك – الحسكة