مايزال حي الوعر يقبع تحت الحصار “الخانق” الذي فرضته قوات النظام منذ التاسع من آذار الماضي، بعد إعلان الأخيرة تعليق المفاوضات الجارية بين الطرفين في كانون الثاني من العام الماضي، ما أدى إلى إعادة إغلاق المعابر الحيوية المؤدية للحي وقطع التيار الكهربائي ومادة الخبز.
وأدى نفاد المواد الغذائية إلى أزمة إنسانية كبيرة، ضاق بها أهالي الحي البالغ عددهم 100 ألف نسمة وجعلتهم معرضين لخطر الموت جوعًا، حسب الناشط رضوان الهندي، وقال لعنب بلدي “انتشرت أمراض نقص التغذية في الحي بشكل كبير وخاصة لدى النساء والأطفال وذلك بسبب انعدام الغذاء في الحي ونفاد أغلب المواد من المنازل، فيما يعاني الحي أيضًا من فقدان تام للأدوية والفيتامينات، ما جعل الأطباء يضطرون إلى إعطاء أدوية منتهية الصلاحية، إضافة إلى وضع سيرومات منتهية الصلاحية للمرضى”.
في السابع عشر من أيار الماضي، أعلنت قوات النظام عن إمكانية خروج المدنيين إلى الفرن الآلي المتاخم للحي ما عرضهم للاعتقال، يضيف الهندي “خرج المئات من أهالي الحي يوميًا إلى حاجز الفرن الآلي، وتعرضوا للضرب والشتم والاعتقال من قبل قوات النظام، واستطعنا توثيق عشرات حالات الاعتقال التي طالت المدنيين ولم تستثن النساء، وتم توثيق إصابة سبعة مدنيين برصاص قوات النظام استهدفوا أثناء توجههم لأخذ الخبز في الثامن عشر من أيار، ومقتل شاب برصاص قناص في 13 من الشهر الجاري”.
ولمواجهة ضغوط الحصار، لجأ الأهالي إلى طرق بديلة مثل الزراعة، “وبرزت ظاهرة المقايضة والتي تُمكّن المحاصرين من مقايضة المواد المتوفرة وغير المرغوبة لديهم مقابل أخرى يحتاجونها”.
كيف يعيش المحاصرون في رمضان؟
قبل دخول رمضان بثلاثة أشهر، والخبز مفقود في الوعر، ومعه أغلب المواد الغذائية، وفق السيدة مريم غسان، إحدى سكان الحي المحاصر، تقول لعنب بلدي “كنا نسأل أنفسنا عن كيفية قضاء شهر رمضان، فقد وصلنا إلى مرحلة صعبة جدًا بسبب فقدان أغلب المواد الغذائية، ما اضطرنا إلى صنع الخبز من مادتي الأرز والبرغل، وهذا جعل مخزوننا في المنازل يقارب على النفاد.
وحول مائدتي السحور والإفطار، وما يمكن أن يتناوله المواطنون في الحي المحاصر خلال رمضان، تقول مريم “وجبتنا الأساسية على السحور هي كأس ماء، أما وجبة الإفطار فتتألف من صنفين هما: الأرز أو البرغل، كل يوم نجوب الشوارع لساعات بحثًا عن البقدونس والخس لنصنع منهما صحن السلطة”.
وأشارت إلى أن ظروف الحصار أفقدت المحاصرين طقوس رمضان، وكذلك العادات الاجتماعية مثل تبادل وجبات الطعام مع الجيران، والسهرات الرمضانية وغيرها.
قوافل أممية تدخل بعد غياب
زيارة الوفد الأممي الأخيرة، التي كانت في 24 آذار الماضي، حملت إلى أهالي الحي الأمل، الذي ما لبث أن زال فورًا بعد تلاشي الوعود الأممية للمحاصرين والتي تمثلت بعدم انقطاع الكهرباء والخبز عن الحي أبدًا، حيث لم تتمكن الأمم المتحدة من تغيير واقع الحصار في ظل رفض النظام المتكرر لإدخال أي مساعدة إنسانية.
لكن الحال تغير قليلًا، فقد سمح النظام في الأول من حزيران بدخول مساعدات أممية للحي إضافة إلى إدخاله مادة الخبز، بينما أفاد ناشطون بأن تصريحات النظام “عارية عن الصحة”، حيث سمح بإدخال ست سيارات تابعة للهلال الأحمر السوري محملة باللقاحات وحليب الأطفال، فيما لم تتجاوز كمية الخبز التي دخلت إلى الحي مقدار رغيف واحد لكل شخص.
وفي السادس عشر من حزيران الجاري، دخلت قافلة إنسانية إلى الحي برفقة ممثلين عن الأمم المتحدة، محمّلة بالمواد الصحيّة، إضافة إلى سلل مطبخية وأغطية وحصائر عازلة، والتي شكّلت بدورها نحو 70% من القافلة، فيما شكلت نسبة الأغذية الموجودة في القافلة نحو 30%، حسب الناشط محمد الحمصي، وقال “تضمنت القافلة الإنسانية 7500 سلة غذائية و7500 كيس طحين، إضافة إلى ستة آلاف سلة صحية، وعشرة آلاف كيس يحوي فوط للعجزة، وقرطاسية ولقاحات وأدوية أطفال وأجهزة لقياس سوء التغذية، فيما تنوعت البقية بين السلل المطبخية والمصابيح والأغطية والحصر العازلة بمقدار 10700 سلة و 600 كرتونة بسكويت”.
وتخللت زيارة الوفد الأممي اجتماعات مع فعاليات من الحي المحاصر، وأكد الوفد أن الأمم المتحدة تضغط على النظام وبشكل يومي للدخول إلى الحي المحاصر لكن لا يحصلون على الموافقات اللازمة للتحرك.
مساعدات لا تكفي ومطالبات بالمزيد
يعتبر ناشطون وسكان في الحي المحاصر أن الأمم المتحدة عجزت عن إدخال البذار الزراعية والأدوية والعدد الجراحية التي يحتاجها الحي بشدة، وأدخلت مقابلها مساعدات لا تمت للاحتياجات بصلة، وأن “هذه المساعدات جاءت بعد حرمان دام أكثر من نصف عام، حاول النظام خلالها فرض ضغوط على سكان الحي وثواره”.
يطالب الناشط الحمصي المجتمع الدولي والأمم المتحدة بتوفير المواد الغذائية، “وليس أدوات الطهي والمنظفات”، وزيادة حجم المساعدات لكي تسد احتياجات سكان الحي جميعًا”.
حي الوعر هو آخر معاقل المعارضة في حمص المدينة، ويعاني من انعدام شبه تام في كافة المواد الغذائية والطبية، في ظل سعي النظام لإرغام المعارضة على الخروج من الحي ورفض الأخيرة لهذه الخطوة، ظنًا منها أن خسارة الحي هي تغيير لديموغرافية المدينة للأبد.
جودي عرش – حمص