مهّدت دراسة ترشيد أسعار المشتقات النفطية، والتي كشف عنها وزير النفط في حكومة النظام، سليمان عباس لصحيفة الوطن المحلية، عن نية مبيتة لحكومة تصريف الأعمال برئاسة الحلقي رفع أسعار المشتقات النفطية، مع منح تعويض معاشي 7500 ليرة (16 دولارًا)، في خطوة تفسر على أنها “تزايد في العجز الحكومي وعدم القدرة على دعم السلع الأساسية والمشتقات النفطية“، بعدما توقفت صادرات النفط بشكل كامل، وكانت تدر نحو 2.5 مليار دولار سنويًا.
وعلى الفور، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في 16 حزيران، ثلاثة قرارات رفعت بموجبها أسعار المشتقات النفطية بنسبة 30%، دون الإشارة إلى أي تعويض مالي مقابلها، بعدما أكد وزير النفط رفع الأسعار بقوله “هناك دراسة لعقلنة وترشيد أسعار المشتقات النفطية من عدة لجان مختصة، ومنها لجنة رسم السياسات الاقتصادية بما يتناسب مع المتغيرات التي طالت سعر الصرف وارتفاع أسعار النفط عالميًا، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل والشحن للمشتقات النفطية.. ما يتطلب تحريك الأسعار بما يتناسب مع الفوارق الكبيرة التي حدثت”.
التعديلات على أسعار المشتقات النفطية
المازوت 135 ليرة أصبح 180 ليرة /ليتر
البنزين 160 ليرة أصبح 225 ليرة /ليتر
أسطوانة الغاز 1800 ليرة أصبحت 2500 ليرة
القروض لم تنفع
منذ اندلاع الاحتجاجات، دأبت حكومات النظام على تعزيز سياسة “رفع الدعم” لمواجهة التكاليف المترتبة على عمليات الإنتاج، ولتقليص فواتير استيراد السلع الضرورية، وخاصة فواتير المشتقات النفطية (البنزين – المازوت) والتي أصبح استيرادها الحل “الأنجع” من أجل تأمينها في الأسواق بعدما تضررت صناعة النفط بشكل كبير وخرجت معظم الآبار والحقول شرق البلاد عن سيطرة الحكومة. ولتحقيق هذه الغاية، سعت الحكومة إلى البحث عن مصادر للحصول على تمويل للمشتقات بأسعار “مؤجلة الدفع” عبر القروض الائتمانية من دول حليفة، فتمكنت عام 2013 من الحصول على قروض ائتمان بمقدار 3.6 مليار دولار على دفعات من أجل استجرار المنتجات الغذائية وبشكل أساسي الديزل والمحروقات.
وفي حزيران 2015، أصدر رئيس النظام، بشار الأسد، مرسومًا للتصديق على اتفاقية خط تسهيل ائتماني جديد من إيران بمقدار مليار دولار، في وقت اعتبر فيه محللون أن هذا الخط أو الدعم القادم من إيران “حيوي”، وبمثابة شريان حياة لحكومة النظام الباحثة عن منتجات بأسعار مدعومة التكاليف من المصدر، لكن استمرار تراجع الليرة أمام العملات الأجنبية مايزال يبدد هذه الفائدة، نظرًا لازدياد الفجوة بين الدخل والإنفاق في مختلف المناطق السورية، سواء التي يسيطر عليها المعارضة أو النظام.
ستشارف هذه القروض على الانتهاء ولا مؤشرات على نية حكومة النظام إبرام المزيد من الاتفاقيات حاليًا، بعدما امتنعت موسكو عن تزويد دمشق بقرض قدره مليار دولار في العام 2014، “ما يجعل رفع الأسعار أمرًا لا بد منه وحلًا نهائيًا، على أن يتحمل المواطن التكلفة والعبء الأكبر بعدما تخلت الدولة عن واجباتها بدعمه”، كما يقول محلل اقتصادي طلب عدم كشف اسمه، مشيرًا إلى أن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى رفع أسعار تكاليف الإنتاج بنسب تقترب من 100%.
حكومة جديدة دون إيرادات
ورغم ارتفاع الأسعار بشكل عام، وارتفاع معدلات التضخم إلى 500%، وفق دراسة أعدتها عنب بلدي سابقًا، تستمر حكومة النظام في رفع أسعار السلع التي يفترض أنها مدعومة، ومنها الخبز والمشتقات النفطية، بحثًا عن مداخيل جديدة لخزينة النظام، ولتخفيف الإنفاق، ما ينذر بقفزات لمعدلات التضخم وأسعار المستهلك خلال الفترة المقبلة. فكلام الوزير عباس، عن أن “دعم مادة المازوت وصل إلى 92 ليرة سورية في الليتر الواحد حيث كان يباع بـ 135 ليرة، بينما وصلت التكلفة إلى نحو 227، ليرة” وقوله إن البنزين مدعوم بحوالى 73 ليرة حيث يباع حاليًا بـ 160 ليرة، بينما تكلفته وصلت إلى 233 ليرة”، إنما يؤشر إلى حاجة فعلية لرفع أسعار المحروقات ما سينعكس سلبًا على حياة المواطنين والصناعة والمواصلات بشكل أساسي.
الوزير عباس، ألمح إلى الدعم الذي تتحمله الحكومة جراء تقديم أسطوانة الغاز المنزلي للمواطنين بسعر 1800 ليرة، مقدرًا دعم الأسطوانة بحوالي 853 ليرة سورية، وهي تكلف نحو 2653 ليرة، مشيرًا إلى أن التكلفة هنا حسب سعر صرف الدولار الحالي (470 ليرة أمام الدولار)، وعندما وصل سعر الصرف إلى أكثر من 600 ليرة فقد بلغت التكاليف حينها “أكثر من ذلك وكان مبلغ الدعم أكبر لكل مادة” على حد قوله.
يبلغ سعر ليتر المازوت وسطيًا في مناطق سيطرة المعارضة 275 ليرة، والبنزين 500 ليرة، وأسطوانة الغاز 7500 ليرة، تورد معظم المشتقات النفطية من مناطق سيطرة تنظيم الدولة، وجزء منها من مناطق النظام وخاصة البنزين.
وزير “بروباغندا”
يحاول وزير النفط، الذي يؤدي دعاية و”بروباغندا” للحكومة الماضية والمقبلة، بكلامه عن مقدار الدعم الحكومي الذي يرهق كاهل الحكومة، والجهود التي تبذلها حكومته لتأمين المحروقات بالنظر إلى ظروف البلاد والحرب وارتفاع التكاليف، أن يعزز الصورة الإيجابية في أذهان المواطنين عن الحكومة ودعمها للسلع الأساسية، فسعر ليتر المازوت في مناطق سيطرة النظام 135 ليرة وهو شبه مستقر وثابت، ويباع في مناطق المعارضة بأكثر من ذلك كون مصدره في الأغلب من مناطق “تنظيم الدولة”، وكذلك الأمر ليتر البنزين سعره 160 ليرة وهو مستقر ومتوفر أيضًا، ومثله أسطوانة الغاز 1800 ليرة، وبالتالي لا ضير في تحريك هذه الأسعار للأعلى تماشيًا مع ارتفاع سعر الصرف وتخفيفًا عن كاهل الحكومة. يؤكد سليمان على أن “الدعم سيستمر ولكن بهامش يتناسب مع ظروف الأزمة والإمكانيات بحيث يتراوح الدعم بين 10% و25% لمادتي المازوت والغاز، وبهامش دعم أقل لمادة البنزين، وذلك بما يتناسب مع الفروقات الشاسعة لجهة مادتي البنزين والمازوت”.
تأثير سلبي على ما تبقى من صناعة
قرارات رفع أسعار حوامل الطاقة في أي بلد وتحت أي ظرف أول ما تنعكس سلبًا على القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على الطاقة بشكل أساسي وخاصة الصناعة، إذ تتأثر مستلزمات الإنتاج وترتفع الأسعار ومعها ترتفع تكلفة المنتج النهائي، ويصبح هناك تضخم في الأسعار قد لا تقوى الحكومة على مواجهته، وفي الحالة الراهنة لحكومة النظام، فقد ساهم القرار الجديد بـ”سكب الزيت على النار”، كما يصف رئيس اتحاد غرف الصناعة فارس الشهابي، ويقول ردًا على قرار رفع سعر حوامل الطاقة “سترتفع تكاليف الإنتاج، وسترتفع الأسعار، وكذلك الدوامة التضخمية ستزداد قوة، بحيث نضطر لرفع المشتقات مجددًا في القريب العاجل ودون أن يكون لدينا القدرة على رفع الأجور أو الإنتاج للتصدي لهذا التضخم المتنامي”.
وبرأيه “كان من المفروض على الأقل اتباع سياسة تشغيلية رعائية حاضنة، تمنح محفزات وإعفاءات ضرورية لصغار الكسبة وللمزارعين وللصناعات الصغيرة والمتوسطة، ولكل الطبقات المنتجة في المناطق المتضررة، لمساعدتها على التعافي والصمود، وبحيث تكون نتيجة المعادلة الاقتصادية إيجابية ولصالح النشاط الاقتصادي المضاد للغلاء والتضخم، وبشكل تراكمي متنام مستقر وليس لصالح الغلاء و التضخم”.
رفع الأسعار لمنع التهريب
ولشرعنة قرار رفع الأسعار وجعله مقبولًا بالحد الأدنى بين المواطنين في مناطق سيطرة النظام، ولتبرير الخطوة الحكومية، تذّكر حكومة النظام بشكل عام، ووزارة النفط والثروة المعدنية دومًا بأسعار المشتقات النفطية في سوريا مقارنة مع دول الجوار، وخاصة في الأردن ولبنان، دون النظر إلى ظروف إنتاج هذين البلدين وعدم عدالة المقارنة مع سوريا لكون إنتاجها النفطي والغازي ضعف إنتاج البلدين.
يقول سليمان “إن أسعار المحروقات في دول الجوار أعلى من الأسعار المحلية ما يشجع ضعاف النفوس والمهربين على المتاجرة بالمادتين وتهريبهما إلى خارج البلد، وهذا الأمر يحتاج إلى معالجة وفق نهج الحكومة لعقلنة الدعم وإعادة دراسة ومواءمة الأسعار”.
يبلغ إنتاج النفط في مناطق النظام نحو تسعة آلاف برميل يوميًا بعدما كان 370 ألف برميل، و9.5 ملايين متر مكعب غاز يوميًا بعدما كان 28 مليون متر مكعب.
عمر الحلبي – عنب بلدي