أوس العربي – دير الزور
انهار الجسر المعلق يوم الخميس 2 أيار 2013 في مدينة دير الزور والذي يربط ضفتي نهر الفرات في ظل اتهامات للنظام بتفجير الجسر، بينما أشارت أنباء أخرى إلى سقوط قذائف عليه كانت تستهدف منطقة الحسينية التي يسيطر عليها الجيش الحر على إحدى ضفتيه.
يعتبر الجسر المعلق أحد أهم معالم المدينة الحضارية، بناه الفرنسيون في عشرينيات القرن المنصرم عام 1925 بإشراف المهندس الفرنسي مسيو فيفو ويبلغ طوله ٤٧٦ مترًا وارتفاعه 36 مترًا ويستند على أربعة قواعد ينبثق عنها أربعة ركائز بطول 25 مترًا لكل ركيزة وهو مبني على الطراز الحديث حيث لم يكن له نظير آنذاك إلا جسر معلق واحد في جنوب فرنسا. واستمر بناء الجسر مدة ست سنوات وتم الانتهاء منه في نيسان عام 1931. بينما يتميز الجسر بإنارة رائعة تعكس على مياه الفرات ليلًا وهو يصل بين منطقتي الجزرة والشامية. وكانت السيارات قديمًا تمشي عليه ولكن منعت من ذلك حفاظًا عليه.
ويقول بشار العثمان وهو ناشط من مدينة دير الزور أنه ورغم أن الجسر كان من تخطيط وتنفيذ الفرنسيين إلا أن «أولاد البلد» هم من بنوه، ويقال أن كثيرًا من الناس ماتوا خلال عملية البناء وكثيرون سقطوا بالأعمدة الإسمنتية حينها. ويتابع: «الجسر يمثل لنا المعبر أو الخلاص». ويجب على كل من يزور دير الزور من خارجها أن يعبر الجسر» وأنهى كلامه: بالنسبة لرموز دير الزور فهي ثلاثة: الجسر المعلق والفتوة والبامية، لم يتبق إلا الفتوة في إشارة منه للثوار في المدينة.
ومما يذكر تاريخيًا عن بناء الجسر وبداية استخدامه أن أهالي دير الزور كانوا يخافون المشي عليه لكثرة اهتزازه وخاصة عندما تمشي عليه السيارات مما دفع المهندس الفرنسي إلى المغامرة ليثبت للأهالي سلامة الجسر فقام هو وعائلته بالركوب في قارب والوقوف تحت الجسر تمامًا وطلب أن تسير ثماني سيارات دفعة واحدة فوق الجسر المعلق، فمرت السيارات بأمان وتيقن أهالي الدير أن الجسر آمن.
وللجسر المعلق خصوصية كبيرة عند أهالي دير الزور إذ طالما ذكر في قصائد الشعراء ولطالما كان لأهالي المدينة ذكريات هناك وإليه كان يشكي العشاق حالهم إضافة إلى ذلك كان الأهالي يتسابقون للقفز من على الجسر باتجاه المياه ويتنافسون في إظهار الشجاعة والبراعة في السباحة. إذ يقول المحامي إياد من دير الزور أن الجسر فيه حكايات كل أهل الدير وذكرياتهم، هو «مو حديد وحجر بس هو روح وجسد، هو أبو كل الديريين وأرواحنا وقلوبنا كانت معلقة بحباله»
هذا وبقي الجسر حتى عام 1980 المعبر الوحيد الذي يصل بين الريف والمدينة حيث أنشأ نظام الأسد جسرًا موازيًا له سمي بجسر السياسية ولا يبعد عن المعلق سوى مسافة قصيرة جداً.
ومع انطلاق الحراك السلمي كان لهذا الجسر حضورًا لافتًا أيضًا، فلطالما شهد تظاهرات مرت من فوقه في تحدٍ للنظام على اعتبار أنه قريب من منزل المحافظ وفرع الأمن السياسي، وقام جيش النظام باستهدافه أكثر من مرة إذ قصف منذ شهر تقريبًا وتضرر ومال وانقطعت بعض الكوابل الحديدية التي تحمله، كما بقي النظام متمسكًا به على مرار أشهر الحملة العشرة المنقضية لما له من أهمية إستراتيجية خشية من أن يقع تحت سيطرة الجيش الحر.
ويقول المهندس محمد وهو أحد أبناء المدينة أن الجسر يعد تحفة معمارية في حقبة إنشائه تبعًا للتقنيات البدائية التي استخدمت آنذاك إضافة إلى شكله وتصميمه وإنجازه في زمن قياسي وقد نال الجسر عددًا من الترشيحات ليدخل ضمن معالم التراث الإنساني، ويضيف محمد أن الإحتلال الفرنسي أراد قبل انسحابه في عام ستة وأربعين نسف الجسر قبل مغادرته، لكن أحد أبناء المدينة ويدعى محمد علي أبو محمود قام بقطع الفتيل المتفجر، وهذا ما يذكره أهالي دير الزور جيدًا.
يعد تاريخ الثاني من شهر أيار يومًا حزينًا بالنسبة لأهالي دير الزور ذلك أنه شهد انهيار الجسر المعلق حيث قامت كتائب النظام بتفخيخ هذا الجسر ومن ثم نسفه بعد «عجزهم عن الدفاع عنه» وذلك حسب رواية الناشطين بينما تواردت أنباء أخرى أن الجسر تعرض لقصف أدى إلى انهياره لأن القذائف كانت تستهدف منطقة الحسينية التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر وخاصة بعد أن تواردت أنباء عن عبور بعض الكتائب للجسر المعلق يوم استهدافه.
ويقول الأهالي في محاولة لمواساة أنفسهم أن الجسر لطالما كان مطلًا على نهر الفرات لكنه اليوم أبى مرغمًا إلا أن يعانق الفرات الذي لطالما لطمت مياهه متن الجسر في ما مضى. في هذا اليوم المشؤوم بكى أهالي دير الزور جسرهم كما يبكون شهدائهم وأبنائهم ولسان حالهم يقول أننا سنعيد بناءك بسواعدنا كما سنعيد بناء دير الزور بعد نيل حريتنا قريبًا.