عنب بلدي – العدد 63 – الأحد 5-5-2013
مع علو الأصوات المنادية بإقامة دولة الخلافة الاسلامية -والذي رافقه رفض للبعض وتشكيك من آخرين- تطرح أمامنا إشكالية جديدة تذكرنا بضرورة إقامة مراجعات للفكر السياسي الإسلامي الذي يعاني من الإرهاق والخمول بعد تعطيله لقرون عدة بفعل الاستبداد حينًا والاستعمار حينًا آخر .
ومن أكثر القيود التي تقيد الفكر الإسلامي هو تلك الأحمال الثقيلة الموجودة في التراث الإسلامي والتي هي محض اجتهادات للعلماء في وقتهم .
وللأسف يصر البعض على تقييد نفسه بها ومنهم من يرى في تلك الاجتهادات البشرية صنما يتبعه ويعبده ..
ولتوضيح الأمر أكثر نقول أن الشريعة هي مجموع الأحكام الواردة في النصوص المتواترة في القرآن والسنة النبوية الصحيحة، والفقه هو الفهم البشري لتلك النصوص والذي يتأثر بالمكان والزمان وتطور الأدوات العقلية والمعرفية… وهذا ما يفسر تعدد الآراء الفقهية لنص واحد
ونجد أن أغلب من تكلم في الفقه السياسي الإسلامي حاليًا لم يخرج من أسر هذه القيود، وبقي يسعى إلى تجميل الفقه السياسي وسد ثغراته، ودون أن يفكر خارج الصندوق كما يقال!، ودون أن يرى هل هذه النظرية من صلب الدين؟ وهل هناك نص بوجوبها؟ أو هل هناك صورة محددة لأي نظام سياسي في الإسلام، وكل مخالف لذلك هو آثم ٌ حتمًا!؟
ولعل أكثر ما يواجه أي قارئ للفكر السياسي الإسلامي سابقًا وحاليًا هو أزمة العقل الإسلامي مع ذاته بفعل التراكمات الفقهية التي تمنعه عن العمل، وأزمة مع الخارج نتيجة سلسلة من الانكسارات التي لحقت بالمسلمين منذ عصور جعلته ينظر بتوجس وريبة لكل ما هو غربي أو غير إسلامي !مما دفعه إلى وضع أحكام استجابة للواقع السياسي والعسكري والنفسي، دون أي اعتبار لروح الدين وجوهر الدين الإسلامي كما سنرى لاحقًا !
فتحول التاريخ والواقع -باستخدام الفقه- إلى نص من النصوص الشرعية التي يأثم تاركها، واستخدم من أجل ذلك سلاح النص لمواجهة المناهضين له، وهذا ما نجده في التاريخ الإسلامي خصوصًا بعد الفتنة الكبرى وسلسلة من الثورات التي قمعت بصورة دموية! فكانت النظرية السياسية تطبيقًا لأمر واقع تتفاعل معه ويتفاعل معها لمنح الشرعية للسلطة الحاكمة !
ولن ينجح أي باحث أو قارئ في الفقه السياسي الإسلامي دون الرجوع إلى المبادئ العامة في القرآن والسنة المتواترة والتاريخ للاستفادة منه، ولا بدمن منهجية علمية تراعي ذلك، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقًا .
حيث سنطرح إشكاليات في الفقه السياسي الإسلامي لتحفيز التفكير في نظرية سياسية جدًا تراعي روح الدين وتستفيد من التاريخ وتواكب العصر.