عنب بلدي – خاص
لم يبقَ أي منفذٍ للمدنيين أو مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” للخروج من منبج، فالمدينة غدت محاصرة من جهاتها الأربع، بعد عشرة أيام على المعارك في محيطها، تسببت بمقتل العشرات من مقاتلي التنظيم والقوى المهاجمة، كما سقط ضحايا بين الأهالي بفعل الغارات الجوية ونزح الآلاف عن المدينة.
ما هي القوى المشاركة في الهجوم؟
يمكن تقسيم القوى المشاركة في معركة منبج إلى ثلاثة أقسام: قوات برية، فرق دعم لوجستي، طيران حربي، وبدأ الهجوم فعليًا مطلع حزيران الجاري، بعد تأجيل طرأ على معركة الرقة (عاصمة التنظيم).
وتنقسم القوى البرية إلى جزأين أيضًا: قوات “سوريا الديمقراطية” وتضم فصائل كردية وعربية وتركمانية وآشورية، وتعدّ “وحدات حماية الشعب” الكردية العصب الرئيسي فيها، إلى جانب “المجلس العسكري لمنبج وريفها”، والذي يضم بدوره فصائل عربية وكردية وتركمانية أيضًا، ويدخل في تحالف وثيق مع “سوريا الديمقراطية”.
فرق الدعم اللوجستي، هي قوات أمريكية وفرنسية تشارك في الصفوف الخلفية للمعركة، فالقوات الأمريكية بدأت قبل نحو عامين بتبني “وحدات حماية الشعب” الكردية، كما تبنّت بشكل واضح قوات “سوريا الديمقراطية” منذ تأسيسها في تشرين الثاني من العام الماضي، وأسست قواعد عسكرية في منطقة القامشلي وعين العرب (كوباني)، لتشرف على وضع مخططات المعارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
القوات الفرنسية دخلت على الخط أيضًا، فكشف وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، مؤخرًا عن وجود جنود فرنسيين إلى جانب القوات الأمريكية في تقديم الدعم والاستشارة للمقاتلين السوريين في معركة منبج، مؤكدًا أن الدعم الفرنسي يقوم على تقديم الأسلحة والدعم الجوي والمشورة، كذلك رجّحت تقارير غربية وجود جنود بريطانيين في منبج، دون تأكيد رسمي يفيد بذلك.
طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يشارك في عملية منبج أيضًا، فيقدم غطاء جويًا لتقدم القوات على الأرض، كما يرصد مواقع التنظيم في المدينة ومحيطها، بحسبما أفادت تقارير سابقة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
مجريات ميدانية ترجّح السيطرة على منبج
باشرت القوات المدعومة أمريكيًا وفرنسيًا بالهجوم على المدينة مطلع حزيران الجاري، ابتداءً من المحور الشرقي والجنوبي، فسيطرت على عشرات القرى والمزارع من هذا المحور، لتنتقل مع اليوم الخامس للهجوم إلى المحور الشمالي، وتقطع خطوط إمداد التنظيم عن مدينة الطبقة في محافظة الرقة، ومدينة جرابلس في محافظة حلب.
ابتداءً من 9 حزيران الجاري، بدأت القوات المهاجمة التوغّل في الريف الغربي للمدينة، واستطاعت في اليوم ذاته قطع طريق منبج- الباب، لتتمكن في اليوم الذي يليه من إحكام قبضتها على المحور الغربي بالكامل، وبالتالي تطويق المدينة من جهاتها الأربع.
نحو 150 قتيلًا في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” خلال المعارك المندلعة في محيط منبج، معظمهم قتلوا بغارات طيران التحالف الدولي، وفق ما أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان، والذي يتخذ من لندن مقرًا له، مؤكدًا أن نحو 20 عنصرًا من قوات “سوريا الديمقراطية” و”المجلس العسكري في منبج” قتلوا خلال الاشتباكات، أبرزهم فيصل أبو ليلى، قائد كتائب “شمس الشمال”.
السقوط المتسارع لنحو 90 قرية ومزرعة في محيط منبج، يأتي بفضل الدعم الدولي للعملية، إلى جانب المساحات الواسعة والقرى المتناثرة على نحو أربعة آلاف هكتار، هي مساحة منطقة منبج، ساعدت أيضًا في تحرك القوات المهاجمة بغطاء جوي يعمل على مدار الساعة.
لكن لمدينة منبج حسابات مختلفة، بحسب ما يرى خبراء، فهي ماتزال تؤوي آلاف العائلات داخلها، وهو ما قد يعرضهم ليكونوا دروعًا بشرية لعناصر التنظيم، أو أهدافًا مشروعة من قبل القوى المهاجمة، ومن ناحية أخرى فإن حرب المدن تختلف عن الأرياف ذات المساحات الواسعة، ولها تكتيك ربما يجعل القوات المهاجمة تتريث في اقتحامها، وهو ما أشار إليه ناطق باسم “المجلس العسكري” قبل أيام.
الأمم المتحدة تحذّر وطائرات التحالف تحصد المدنيين
وكانت الأمم المتحدة حذرت قبل أيام من حركة نزوح كبيرة لنحو 200 ألف نسمة من منطقة منبج، مؤكدة فرار 20 ألف مواطن خلال الأيام الثلاثة الأولى فقط، في حين أشارت مصادر ميدانية إلى أن مئات العائلات هربت إلى جرابلس والباب ومسكنة والرقة، وجميعها تتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما لازمت عائلات أخرى قراها في محيط منبج رغم خروج التنظيم منها.
“المجلس العسكري لمنبج وريفها” أكد في تسجيلات سابقة أن المجلس المدني المشكل قبل نحو شهر سيشرف على تقديم المعونات والمساعدات الإغاثية للنازحين من منبج، ريثما يعودوا إلى منازلهم، في ظل تخوف ناشطين من أسلوب مشابه لما حصل في بعض المناطق العربية التي دخلتها “سوريا الديمقراطية” وأسلوب التهجير القسري الذي تتبعه.
طائرات التحالف الدولي تزيد بدورها من مأساة الأهالي في ظل المعركة، فبعد توثيق مقتل نحو 30 مدنيًا بينهم 11 طفلًا خلال الغارات على منبج قبل أيام، أفاد ناشطون بتنفيذ الطيران الحربي مجزرة أخرى في قرية أوجقناه بريف منبج الجنوبي الشرقي، السبت 11 حزيران، راح ضحيتها 22 مدنيًا وأصيب آخرون.
وتقع منبج في ريف حلب الشرقي، وتعتبر ثاني أكبر مدن المحافظة بعد مدينة حلب، ويبلغ عدد سكانها حوالي 250 ألف نسمة بإحصائيات تقديرية. دخلت تحت سيطرة “الجيش الحر” عام 2012، لتنتقل إلى سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” مطلع عام 2014.
خمس معلومات لا تعرفها عن مدينة منبج
وفيما يلي خمس معلومات لا يعرفها كثيرون عن المدينة الواقعة شرق محافظة حلب:
1. ثاني أكبر مدن المحافظة بعد مدينة حلب، إذ تبلغ مساحتها نحو ألفي هكتار، وبلغ عدد سكانها عام 2010 حوالي 150 ألف نسمة.
2. أعدها الرومان مقصدًا دينيًا ومحجًا للسكان المحليين، قبل الميلاد، واحتضنت الآلهة “آثار غاتيس” السورية، وأطلق عليها مستشرقون لقب “فاتيكان الشرق”.
3. افتتحها أبو عبيدة بن الجراح صلحًا عام 16 للهجرة، وأتبعت بمدينة قنسرين (العيس حاليًا) جنوب حلب.
4. أوج المدينة كان في زمن الحمدانيين، حيث اقترنت باسم أميرها أبو فراس الحمداني، الذي جعل منها حاضرة إلى أن احتلها الصليبيون عام 1110 ميلادي وأسروا أميرها.
5. تقترن المدينة أيضًا بشاعرين ولدا فيها، أحدهما يعتبر أبرز شعراء العصر العباسي، وهو الوليد بن عبيد بن يحيى التنوخي الطائي (البحتري)، والشاعر السوري الراحل عمر أبو ريشة.