عنب بلدي – خاص
رغم تأكيدها على عدم التورط في “المستنقع السوري” الذي باتت تتحكم به أطراف إقليمية ودولية، إلا أن تقاطع المصالح والرغبة في لعب دور ما على الأرض ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” حفّز أعضاء مجلس الأمن الكبار (أمريكا، فرنسا، بريطانيا) ومعهم روسيا، على التوجه إلى سوريا وملء أجوائها بالطائرات وكذلك أرضها بالقوات البرية الداعمة للحلفاء السوريين.
خلال السنوات الخمس الماضية امتنعت القوات الأجنبية عن الدخول إلى الأراضي السورية، رغم معرفة حكومات هذه الدول بتمدد المجموعات “الجهادية” وعلى رأسها تنظيم “الدولة”، وكانت حجتها بأنها تريد دعم قوات سوريّة على الأرض تأخذ على عاتقها مقارعة التنظيم ومن يتعاون معه ويسانده، لكنها وجدت نفسها مع مرور الوقت بحاجة لأن تدفع بقوات إلى الأرض لتقديم العون برًا وجوًا سواء لصالح النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران، أو لصالح قوات “سوريا الديمقراطية” حليف واشنطن الأبرز في الشمال السوري.
وتجد حكومات هذه الدول بالتمركز على الأرض فرصة لتحجيم تنظيم “الدولة”، في وقت يخوض فيه معارك على جبهات طويلة بدءًا من الفلوجة في العراق وصولًا إلى مدينة منبج شرق حلب.
فالولايات المتحدة الأمريكية، التي تقود تحالفًا دوليًا ضد تنظيم “الدولة” منذ آذار 2014، تجد أن دعم الوحدات العسكرية على الأرض هو الحل الأمثل لقتال التنظيم، لكن هذه الرؤية اقترنت بوجود عسكري أمريكي على الأرض يقدّر بنحو 400 عسكري من المستشارين والقوات الخاصة.
الإنكليز يدعمون جيش “سوريا الجديد”
امتنعت بريطانيا عن الزج بنفسها وبقواتها في الصراع السوري على الأرض، واكتفت بالدعم الإنساني وعقد المؤتمرات للدول المانحة للسوريين، لكنها باتت الآن في وضع المدافع عن قوات “جيش سوريا الجديد”، وهو المكون الجديد التابع لجبهة الأصالة والتنمية والذي يسيطر على معبر التنف مع العراق، حيث تقدم قوات جوية بريطانية الدعم لهذا الجيش ضد التنظيم.
وذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن قادة عسكريين من القوات الخاصة يقاتلون على الجبهة الأمامية في سوريا دفاعًا عن “جيش سوريا الجديد”، من هجمات يومية لتنظيم “الدولة”.
وتشكل هذه المعطيات الدليل الأول على انخراط مباشر للقوات البريطانية في الحرب على الأراضي السورية، بعدما كانت تكتفي بتدريب الجيش الحر في الأردن.
وبحسب الصحيفة فإن القوات الخاصة البريطانية المتمركزة في الأردن تعبر دوريًا إلى سوريا لمساعدة الجيش السوري الجديد في قرية التنف في جنوب شرق سوريا.
وأشارت إلى أن نشر القوات الخاصة البريطانية، خلافًا للقوات النظامية، لا يحتاج إلى موافقة البرلمان البريطاني.
وحدات فرنسية لتقديم المشورة لـ “سوريا الديمقراطية”
للمرة الأولى تعترف فرنسا بانخراطها بشكل مباشر في الصراع السوري على الأرض، بعدما أعلنت عن نيتها نشر عناصر من القوات الخاصة لتقديم المشورة لقوات “سوريا الديمقراطية”.
وقال مصدر مقرب من وزير الدفاع الفرنسي، إن “هجوم منبج كان مدعومًا بشكل واضح من بعض الدول بينها فرنسا.. الدعم هو نفسه بتقديم المشورة”.
وكان وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان ألمح في وقت سابق إلى وجود جنود فرنسيين مع جنود أمريكيين إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية في محيط منبج.
الروس يحشدون مع الأسد ضد “داعش“
بعد أن خاض النظام السوري حرب استنزاف ضد المعارضة طيلة السنوات الخمس الماضية، لم يعد يقوى على مواجهة أعدائه، بالتوازي مع رغبة الكرملين في الحفاظ على ما تبقى من النظام من أجل ضمان مصالح روسيا في المنطقة.
لذلك أعلنت موسكو العضو الدائم العضوية في مجلس الأمن عن تدخلها علنًا إلى جانب النظام السوري، وشنت ضربات جوية على مناطق المعارضة المعتدلة وألحقت خسائر فادحة بالمناطق المدنية بحجة ضرب “الإرهابيين”، في وقت امتنعت فيه عن ضرب تنظيم “الدولة” في معاقله الأساسية.
وساهم الدعم الروسي للنظام، إلى جانب الميليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية، في تحقيق مكاسب على الأرض كان آخرها السيطرة على تدمر والتقدم باتجاه مدينة الطبقة في الرقة.
الصين.. على خط الصراع
بقيت الصين وطيلة السنوات الخمس الماضية تراقب الوضع السوري وتدعو لحل سياسي يرضي جميع الأطراف، إلا أنها باتت تشعر بضرورة الحاجة للعب دور ما يحفظ مصالحها في سوريا والمنطقة عمومًا، فأعلنت بكين عن تعيين أول مبعوث خاص لها للأزمة السورية.
وقال هونغ لي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، إن “المبعوث الخاص الجديد لدى سوريا هو شيه شياو يان، وكان في الآونة الأخيرة سفير الصين لدى إثيوبيا والاتحاد الإفريقي”.
وتابع أن الصين تدعم جهود الوساطة التي يقوم بها ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، وأنها قدمت مساعدات إنسانية للمنطقة.
ويرى محللون أن الوجود الأجنبي على الأرض السورية، إنما يؤشر إلى ارتفاع مستوى التهديد الذي تستشعر به هذه الدول من تنظيم “الدولة” والمجموعات الجهادية الأخرى، وخشيةً من عودة آلاف المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم الأم في أوروبا، ما يرفع التكهنات من إمكانية شن هجمات “إرهابية” في تلك البلدان كما حصل في هجمات باريس وبعدها بروكسل مطلع هذا العام.
لكنهم يجمعون على أن التنظيم ليس في أفضل حالاته فقد تقلصت مداخيله المالية بشكل كبير، وساهمت الحملة العسكرية الدولية ضده في تقليص المساحة التي يسيطر عليها في سوريا والعراق بنسبة 20% و40% على التوالي.
وبلغت الحملة الدولية لاستعادة المدن الرئيسية من التنظيم أوجها في سوريا والعراق، لكنها تبقى دون جدوى في سوريا ما لم تجد حلًا للصراع الذي كان التنظيم أحد مفرزاته، وبقي الأسد أس المشكة.