حذام زهور عدي
من أهم استراتيجيات السياسة الإيرانية صناعة النجوم والأبطال وتلميع الشخصيات التي تريد إظهارهم كقادة حربٍ لا يُهزمون محولة إياهم إلى فزاعة، يسربون أسماءهم للإعلام كجزء من الحرب النفسية التي يتقنونها.
هكذا فعلت إيران مع حسن نصر الله، وخاصة قبل حرب 2006 وبعدها، حتى أصبح “قاهر إسرائيل”، صاحب “النصر الإلهي”، وارتفعت أعلامه على امتداد الوطن العربي، ثم استثمرته في اختراق الجسد العربي حتى الآن، مستفيدة من مقدرته الخطابية، بينما تجاهلت التدمير الكبير للبنان، والحراك السياسي لرئيس الوزراء اللبناني حينذاك، والذي كان من أهم أسباب وقف العدوان الإسرائيلي، بل وبوقاحته المعروفة اتهمه السيد حسن في أحد خطاباته بالعمالة لإسرائيل، بعد أن استقرت دعاية النصر الإلهي في القلوب، وحققت السياسة الإيرانية بذلك نجاحًا ماتزال تقطف ثماره في الساحة اللبنانية.
إيران اليوم ومنذ بدء الثورة السورية يُقدّم إعلامها قاسم سليماني كشخصية متعددة الوجوه والمهام، وبشكل رئيسي كقائدٍ عسكري لايُشق له غبار، عبقرية العسكرية، وفزاعة الأعداء، فهو من نسّق سياسيًا وعسكريًا مع نظام الرئيس الروسي بوتين لاحتلال سوريا، وهو من كان يُدير معارك الميليشيات الشيعية التي دربتها فرقته وقذفت بها لمحاربة السوريين، وهو من يُشارك الآن بالإشراف على المعارك التي يخوضها التحالف الدولي بقيادة أمريكا والجيش العراقي، كقائد للميليشيات الطائفية العراقية الإيرانية، فتظهر صوره حول الفلوجة وكانت سابقًا حول الموصل وتكريت، بل أعلن العراق رسميًا أنه يعمل كمستشار عسكري لجيشه في الحرب على داعش، وكأن الشعب العراقي فقد القدرة على إنتاج القيادات العسكرية غير الطائفية القادرة على خوض تلك المعارك.
قاسم سليماني، المهزوم في سوريا والذي كانت الدعاية الملالية ترافقه في قفزاته من الجنوب السوري حتى شماله، سليماني الذي لقنه الثوار السوريون درسًا قاسيًا هرول بعده لطلب النجدة من روسيا بوتين، هو الآن المستشار العسكري للعراق، يقول للعالم” أنا ابن جلا وطلاع الثنايا”.
ولم يكن مهمًا أن سليماني هرب مصابًا من الثوار السوريين، كما ليس مهمًا لإعلام نظام الملالي، هزائم حزب الله وما يُصيبه من مقتلة على أيدي السوريين تكشف زيف ادعاءات زعيمه المدعوم إلهيًا، وتُفرّغ نفخته وغروره، فحجم إعلامهم القائم على الدجل والسفه قادرٌ على تغطية الهزائم ومظاهر ضعف شخصياتهم المبجلة وتحويلها إلى انتصارات إلهية.
كل ما سبق ممكن، لكن كيف تستطيع تلك السياسة تبرير وجود سليماني بجانب الجنرالات الأمريكيين لتنسيق المعارك معًا ودحر داعش، في حين مازال تابعوها من الحوثيين والميليشيات الأخرى يرفعون الأعلام التي تتباهى بما كُتب عليها “الموت لأمريكا”، بل مازال الحرس الثوري في إيران نفسها وأهم فيلق فيه “القدس” وقائده سليماني، يعتبر أمريكا الشيطان الأكبر وفق مقولة الخالد الخميني، وماتزال الدعوة لموت أمريكا بحناجرهم يصرخون بها في كل مناسبة؟
من المعروف أن سياسة أمريكا لا تقوم على الإيديولوجيا، إنما على ما تراه مصلحة مباشرة لها، ولذا فهي مستعدة للتغاضي عن المجرمين أصحاب المجازر، حتى لو كانت على اطلاع تام ودقيق بأدوارهم ومسؤوليتهم عن سفك دمٍ أمريكي أو اقتحام سفارة أمريكية لإذلالها، أو كان على علاقة بأسامة بن لادن وقاعدته، كسليماني مثلًا.
أليست الحرب على داعش تسمح لها بذلك؟ والمضحك تصريح الخارجية الأمريكية ووزارة دفاعها أنها لا تنسق في الحرب على داعش مع سليماني وإيران، وكأنهم يديرون ظهورهم له إذا ما قابلوه حول الفلوجة، لكن الفضيحة عند سليماني ومعلمه الخامنئي أصحاب الإيديولوجيات الدينية الذين تحالفوا مع أمريكا في أفغانستان، واختبؤوا خلفها في العراق ريثما أزاحوها، بينما لا يجدون اليوم بأسًا من التنسيق العلني الواضح معها في الحرب على”الإرهاب”، وإعلامهم يُخفف اليوم من اعتبارها زعيمة الإرهاب العالمي لكنه غدًا عندما يُحكم الملالي قبضتهم على العراق كله لن نستغرب أن تعلو الأصوات مجددًا ” الموت لأمريكا” وقد يسمعها الجنود الأمريكيون الموجودون في القواعد العسكرية المحاطة بالحشد الشعبي العراقي، فيصمون آذانهم عنها لأن صفقة ما قد وقع القادة عليها بين الطرفين، وينتقل سليماني أو غيره ممن لمع اسمهم إلى مهمة أخرى.
لله درّك أيتها الثورة السورية، أنت وحدك كنت الكاشفة لدجل سياسات العصر كلها، شرقًا وغربًا، وعجزها شمالًا وجنوبًا، أنت وحدك وضعت النقاط على الحروف، وجعلتِ من تعبتْ سياسة الملالي في تمجيدهم وتصنيعهم زبدًا يذهب جفاءً، حتى أصبحت شعارات المقاومة والممانعة مادة للكوميديا والإضحاك كشعارات الموت لأمريكا، وأمريكا هي الشيطان الأكبر.
لقد نسّق العراقيون والسوريون بل والشعب الإيراني نفسه تلك الشعارات وأبعدوها عن اهتمامهم، وعلى الملالي اختراع شعارات جديدة وتصنيع أبطالٍ جُدد، فقد بدأ عهدٌ جديد، فبماذا سيطالعنا إعلام العالم نقلًا عن إعلام الملالي بعد اليوم؟
لقد كان ثمن ذلك الكشف كبيرًا شديد الإيلام، قد لا يكون شعب في التاريخ القديم أو الحديث قد دفع مثله، فقد تكالبت على سوريا وشعبها الأمم، وكاد العظم أن يوهن، لكنّ لواء النصر معقود على جبهات الثوار السوريين، الذين أسقطوا أبطال الملالي، وجعلوهم كخيال المآتة حتى العصافير لا تهرب منه عندما تكتشفه.