من سوريا إلى تركيا.. تضاعف الراتب عشر مرات ولكنه “لا يكفي”
حسن مطلق – عنب بلدي
يتأمل ملهم بضع ليرات تركية على طاولة مطبخ منزله مبتسمًا، فهذه الليرات التي يكسبها من عمله داخل أحد مغاسل السيارات في مدينة اسطنبول التركية، كانت كنزًا ثمينًا يصعب تحصيله عندما كان في بلده سوريا، إلا أنه ورغم تضاعف راتبه مرات عدة يعيش مع عائلته الضغوط نفسها، في بلدٍ ظن أنه سيخفف من وطأة ما عاشه إلى جانب الآلاف من أقرانه في سوريا قبل لجوئه إلى تركيا.
في الوقت ذاته، ورغم بعد المسافة بينهما، يسير أحمد، صديق ملهم الذي يعيش في مدينة حماة بسوريا، مقطبًا حاجبيه بعد دفعه فاتورة الكهرباء التي ربما يعادل قدرها بضع ليرات من تلك التي يضعها ملهم على طاولته، ورغم أن أغلب أصدقائه وأفراد عائلته كانوا يرددون على مسامعه عبارات يراها “سخيفة”، مثل “خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود”، إلا أن أحمد كان يرد مرارًا وبلا تفكير بعبارة تظهر عجزه أمام عشرات الالتزامات المنزلية بقوله “العين بصيرة واليد قصيرة”.
أحمد الذي رضخ مع زملائه لقرارات مؤسسته الحكومية، يعمل ثماني ساعات متواصلة، ويحصل على راتب شهري قدره 26500 ليرة سورية (حوالي 53 دولارًا باعتبار كل دولار يساوي 500 ليرة سورية تقريبًا).
ملهم يحصل على مبلغ 1500 ليرة تركية (حوالي 510 دولارات)، لكنه لا يبدو أنه أفضل حالًا من أحمد، رغم أن تركيا تحتل مراكز متقدمة في الاقتصاد العالمي، بينما يفصل سوريا عن المرتبة الأخيرة أربع خطوات من قائمة 200 دولة في تدني الأجور، بحسب آخر إحصائية للبنك الدولي في أيار 2016.
مدفوعات ملهم الذي يملك تصريح عمل، وهو واحد من ضمن أربعة آلاف سوري حصلوا على تصاريح حتى أيار 2016، كما أحصت وزارة العمل التركية، تبدو مقبولة قياسًا بما قدّره المتخصص بشؤون الخدمات في اسطنبول، يمان السقا، فالعائلة المكونة من خمسة أفراد يرى السقا أنها تحتاج 450 دولارًا كمصروف منزلي في تركيا، فضلًا عن أجرة المنزل التي تتراوح بين 250 و500 دولار، بحسب المنطقة.
ويرى أحمد، الذي يعيش في حي الحاضر بحماة، أنه محظوظ عندما يقارن نفسه بآخرين يعملون في شركات القطاع الخاص بسوريا، كخالد، عامل البوفيه في إحدى الشركات بضواحي المدينة، والذي يحصل على راتب شهري قدره سبعة آلاف ليرة سورية (14 دولارًا)، وهو مصروف ملهم اليومي تقريبًا.
يصرف ملهم، الذي يقطن في حي يعقوبلو بمدينة اسطنبول، عشرة أضعاف ما يصرفه أحمد على ما يرى أنه يؤمّن له ولعائلته احتياجاتهم اليومية فقط، ومن ضمنها أجرة المنزل، ويرى خبراء اقتصاديون أن الضغوط التي يعيشها السوريون لا تختلف في سوريا عنها في تركيا، لكن ارتفاع كلفة المعيشة في تركيا تجعل من الوضع أصعب على اللاجئين السوريين.
ولا يمكن مقارنة الوضع الاقتصادي بين البلدين، كما يرى الخبير الاقتصادي في دمشق، منير حسين، لأن الاقتصاد التركي يشكل أضعاف نظيره السوري، كما أن الدخل السنوي للتركي أعلى من السوري، والقدرة الشرائية لليرة التركية أقوى من نظيرتها السورية وقابلة للتداول عالميًا بشكل أكبر، علاوة على أن الاقتصاد السوري تحول إلى اقتصاد حرب.
ربما تشغل فكرة الهجرة سواء إلى تركيا أو أي دولة أخرى، حيزًا من تفكير بعض السوريين، ظنًا منهم أنها ستزيح عن كاهلهم ضغوط المعيشة اليومية، فكل امرئ يسعى بفطرته إلى الأفضل، بينما ينتظر يومًا قريبًا يتغير فيه واقعه، فـ “دوام الحال من المحال”، كما يقول المثل، كما أن نموذج حياتهم ربما يكون أفضل بكثير من حوالي 10.9 مليون نسمة من أقرانهم، نزحوا عن منازلهم، وباتوا هائمين في مهب الريح، حتى مطلع عام 2016، بحسب الأمم المتحدة.
لكن المقارنة التي يمكن أن يجريها أحدهم بين ملهم الذي يعيش في حي “يعقوبلو” وأحمد الذي مازال يقطن في حي الحاضر في حماة، تشير إلى أنهما يعيشان تحت وطأة العوز نفسه والوجع ذاته.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :