عنب بلدي – العدد 62 – الأحد 28-4-2013
عامر مهدي
وأخيرًا ظهر وزير الدفاع الأمريكي تشك هيغل ليعلن للعالم أن الأمريكيين يمتلكون أدلّة على أن النظام السوري استخدم السلاح الكيميائي في سوريا. بدا هيغل متعبًا وكأنه تلقى خمسين صفعة على وجهه معبّرًا بذلك عن مأزق إدارة الرئيس أوباما. الأسوأ من ذلك أن إعلان الأمريكيين عن استخدام السلاح النووي لم يأت إلّا بعد أن أعلن ذلك الإسرائيليون، وكان قد أعلنه قبل ذلك البريطانييون والفرنسييون. بمعنى آخر، لا يمكن أن تكون أجهزة الاستخبارات هذه جميعها على خطأ، يبدو أن الأمر أصبح حقيقةً لهم ولن يستطيعو إخفاءه بعد الآن.
نعم لقد تجاوز النظام السوري الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس أوباما واضعًا نفسه في مأزق يدل على خطأ مبدئي في السياسة الخارجية الأمريكية خارقًا لأهم قاعدة من قواعد السياسة الخارجية وهي أن لا تتنطح بما لست قادرًا على تنفيذه.
الآن كل الأنظار تتوجه إلى البيت الأبيض لترى ردّة فعله والكل يعلم أنهم لا يريدون التدخل في الأزمة السورية وقد نأوا بنفسهم لمدّة تزيد عن السنتين، الآن وهم يشاهدون يومًا مشاهد القتل والدمار متنكرين لأبسط مبادئ حماية حقوق الإنسان.
ظنّ البعض أن أوباما، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام، يمتلك مفهومًا للعدل والسلام في سوريا يتعلق فقط باستخدام الكيميائي، والمضحك المبكي أنه يبدو أنه حتى الكيميائي ليس خطًّا واحدًا، وإنما عدة خطوط متدرّجة الألوان. هذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على اللاأخلاقية التي وصل إليها سياسيّو اليوم بما فيهم الإدارة الأمريكية.
يقولون، تمخّض الجبل فولد فأرًا. لقد أخذ المراقبون كلام الرئيس أوباما، عندما قدّم تهديده الشهير في آب الماضي بشأن استخدام النووي، على أنه تحذير شديد اللهجة وعلى أنه سيغيّر قواعد اللعبة ويقلب الطاولة على نظام الأسد، ولكن ذهبت جميع هذه التهديدات أدراج الرياح وها هو أوباما اليوم يطالب بالتروّي والتأكد من الحقائق وما إلى هنالك من لغة التقهقر واللاإكتراث التي تنتهجها هذه الإدارة منذ بداية الأزمة.
لطالما طالب بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي الجمهوريون بإنشاء منطقة عازلة توقف آلة القتل الأسدية على الأقل في الأجزاء المحرّرة من سوريا وتسمح للحكومة المتوقع ولادتها قريبًا ببسط سيطرتها على هذه الأراضي وتشكيل إدارة شرعية وعودة اللاجئين واستكمال تحرير باقي أجزاء سوريا من الاحتلال الأسدي، ولكن تستمرّ هذه الإدارة في تعنتها ولم يفهم أحد حتى الآن سبب هذه التقهقر.
بعض السياسيين يتفهّمون الحسابات الداخليّة للإدارة الأمريكية الديمقراطية من أنّ التدخل العسكري على الأرض في سوريا ليس فيه أي ربح سياسي على المستوى الداخلي، والجميع يتفهم تخوفات وحذر السياسة الخارجيّة لهذه الإدارة في ضوء الفشل الذريع في العراق وأفغانستان وبعد الأحداث المؤسفة التي أدّت إلى مقتل السفير الأمريكي في ليبيا. ولكن ما لا يتفهمه أحد هو أن تصل الحسابات السياسية الأمريكية إلى هذا المستوى من الضعف بحيث أنها لا ترى أيّ فائدة ترجى من التدخل الإنساني لحماية المدنيين في الأجزاء المحرّرة فقط في سوريا.
البعض الآخر يقول بأن تقهقر الإدارة الأمريكية يعود إلى أنّ إسرائيل تريد ذلك وهي مسرورة لأن سوريا تدمّرت ولن تقوم لها قائمة لعشرات السنين. ولكن ما تخشاه إسرائيل وأمريكا هو أن يفشل نظام الأسد في حماية هذه الأسلحة وتقع الأسلحة بيد المتطرفين أو حزب الله وعندها تكون قد خسرت خسارة كبيرة على مستوى السياسة الخارجية وعلى المستوى الاستراتيجي.
الآن وبعد أن تأكد أوباما من استخدام السلاح الكيميائي من قبل نظام الأسد، فإن أقصى ما نتوقعه منه أن يحاول بجدّية أكبر إرضاء روسيا بإعطائها جزءًا من الكعكة وهذا سيعطيه بعض الوقت للماطلة أكثر. ولكن الدبلوماسية لن تحلّ مشكلة استخدام الكيميائي في سوريا وأمام الرئيس أوباما محنة وضع تهديداته موضع التنفيذ في الأشهر القادمة.