عنب بلدي – العدد 62 – الأحد 28-4-2013
(محمد أديب) عينان لم يمسهما اليأس، تجد لهما في كل مكان أثر، حليفهما الأمل، إذ كان عين الواقع التي برهنت تهافت الإعلام أمام الحدث، عين أبت إلا أن ترى الواقع كما هو، عاينته بكل شفافية، كانت أصدق من كاميرات السياسة، كان مع الحدث قلبًا وقالبًا، صوتًا يصدح بالحقيقة، وأنامل خطت لشباب داريا قصص معاناتهم وأوجاعهم، شاب ثائر مفعم بالحيوية والحركة والعنفوان، نخوة أعادت لذاكرتنا انتماءها للماضي المجيد، إذ كان رجلًا من الحاضر، مفعمًا بروح الماضي الراشدي، فقد رفض أن يكون رقمًا في بلده، فآمن بقدرة الفرد على البناء والتغيير، وأيقن أن سعي الأفراد نحو بناء ذاتهم وإصلاحها هو بداية التحرر والعامل الأساسي لتطور البلد.
تميز محمد بقراءاته العديدة وشغفه بمطالعة الكتب الدينية والتاريخية، وشقّ طريقه في الحياة بالمزاوجة بين التدين والحداثة، ودرس في مدارس مدينته الصامدة داريا، ودخل كلية الاقتصاد وتخصص في التمويل والمصارف، ثم التحق بالدراسات العليا، لينال شهادته في الفردوس لا في دنيا الظلم والطغاة، وكان مولعًا بالتكنولوجيا وعلوم الحاسب، ونال عدة شهادات بالتحاقه لدورات متتالية في عالم الشبكات والحاسب.
محمد كما يصفه أحد أصدقائه «شعلة» كلما حاول النظام إطفاءها، أوقدها حبه لبلده، وانتفاضته من أجل الحق، إذ اعتُقل محمد في مشاركته باعتصام التضامن مع أهالي معتقلي الرأي في سوريا، وذلك في 16آذار 2011م، أمام وزارة الداخلية، حيث اعتُقل يومها وأفرج عنه بعد أسبوع متأثرًا بإصابة في رأسه من آثار التعذيب التي تعرض له في الأفرع الأمنية، ولم يردعه ذلك عن إتمام مشاركته في نشاطاته الثورية، فقد علا صوته في كل أنحاء داريا هاتفًا باسم الحرية، إذ أبصرته شوارع داريا الحرة، وجهًا يعبق بالعنفوان، لم يتوانى عن مظاهرة، ولم يتأخر في تتبع أخبار المعتقلين، فقد سعى جاهدًا لإيصال أخبارهم إلى ذويهم، فكان قلبًا نابضًا بالحرية، وصوتًا صادحًا بالعدالة، وجهًا آخر للحقيقة، لواقع مأساوي فرضه النظام الجائر.
رفض البقاء خارج داريا بعيدًا عن رفاق الدرب، شباب الثورة الذين أحيوا في صدورنا صوت الحق المنيّم فينا، فحذا حذوهم حتى نال شرف الاستشهاد في قلب الحدث، كما أراد وتمنى، فلم تردعه إصابته في الفترة الأخيرة من حياته عن المشاركة في الثورة، سُمع يقول «لبيك ياالله شهادة ترضاها عني، لقد أخطأني القناص»، وما إن تماثل للشفاء حتى هرع مسرعًا إلى ميدان المعركة، مشرعًا قلمه وعدسته لنقل الصورة الصادقة دونما مواربة، لم يرضَ بالمنزلة الدنيا، فطموحه لم يقف عند حد، فقد خرج لبيان الحقيقة، وكشف أساليب الزيف التي اتبعها النظام لتحقيق أهدافه، ثم حقق مبتغاه فقد سُمع يردد قوله تعالى {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } (الكهف46)
محمّد أديب مطر شاب قل نظيره في واقعنا، شاب سيظل خالدًا وكل الشهداء في قلوبنا، وسنظل نحيا على ذكراهم، ونحذو حذوهم مادام في الروح بقية من رمق، وكلما لاح طيف محمد أمامنا تذكرنا أبيات شعر أحبها محمد وتمثّلها بكل ما تعنيه الكلمة:
إن لله عبادا فطنا
طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجّة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا
رحل محمد عنا ليبقى صوته أغنية نرددها على مسامعنا، وكلماته رسمًا يزين مذكراتنا، وستبقى أفكاره إرثنا وحافظتنا لمستقبل أبنائنا، إذ غاب عن دنيانا ليشرق في جنة مولانا، وليبقى في قلوبنا وذاكرتنا ما حيينا.
- محمد أديب مطر
- من مواليد داريا 1984
- إجازة في الاقتصاد / جامعة دمشق.
- موظف سابق في شركة MTN (أجبر على تقديم استقالته من عمله بسبب تحريضه لأصدقائه للمطالبة بحقوقهم).
- ضرب وسحل ومن ثم اعتقل في 16 آذار خلال اعتصامات وزارة الداخلية في دمشق.
- شارك في معظم مظاهرات وفعاليات مدينة داريا.
- رفض الخروج من داريا أثناء الحملة، واستشهد جراء صاروخ سقط بالقرب منه بتاريخ 17 / 1 / 2013