بيت الجزار الأبيض
د. أحمد الشامي
يومًا بعد آخر تتضح الصورة النهائية لمعالم الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الثامن من شهر تشرين الثاني المقبل. إن لم تكن هناك مفاجآت، فسوف تقع “أم الانتخابات” )على وزن “أم المعارك”…( بين مرشح الحزب الجمهوري “دونالد ترامب” الملياردير المزواج والمتقلب من جهة، وبين مرشح الحزب الديمقراطي وهو سيكون، على اﻷغلب، السيدة “كلينتون” .
كل شيء تقريبًا متناقض بين الاثنين، فالسيد “ترامب” هوائي وانفعالي، سيئ الطبع وسليط اللسان، يحتقر الإسبان والعرب والزنوج… وهو مثال “لليانكي” القبيح. في حين تتمتع السيدة “كلينتون” بالاتزان وهي إنسانة مثقفة ومنفتحة.
السيد “ترامب” هو مرشح عن الحزب الجمهوري، الحزب الذي أعطى لأمريكا أنبل رؤسائها: “ابراهام لينكولن” محرر العبيد، في حين كان الحزب الديمقراطي يتحفظ على تحرير هؤلاء خوفًا من رد فعل ملاك الأراضي في الولايات الجنوبية وهو ما حصل بالفعل وأدى إلى الحرب الأهلية الأمريكية.
المقارنة بين “لينكولن” و”ترامب” تسمح بملاحظة إلى أي مدى انحدر الحزب الجمهوري الذي أصبح حزب الرعاع والعنصريين.
من جهة الحزب الديمقراطي، فالسيدة “كلينتون” لم تربح بعد الانتخابات التمهيدية ولن تتضح الصورة قبل انتخابات “كاليفورنيا” في السابع من حزيران. السيدة “كلينتون” تواجه خطر إدانتها في قضية الرسائل النصية غير الآمنة، في حالة إدانة السيدة كلينتون قبل مؤتمر الحزب الديمقراطي في الأيام القليلة المقبلة، فسيكون “ساندرز” هو المرشح الديمقراطي، وٳن تمت ٳدانتها بعد ذلك، فسيكون نائب الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” مستعدًا للترشح وهو الذي أبدى ندمه لعدم ترشحه.
على كل حال، سيبقى “أوباما” رئيسًا للولايات المتحدة لشهرين بعد الانتخابات وسيكون الرجل متحررًا من الضغوط الحزبية والسياسية، لكن “الجزار الأسمر” الذي أسهم بٳغراق سوريا في الدماء لن يفعل شيئًا لمصلحة السوريين، بالمقابل قد يقدم الرجل على خطوة معنوية في شأن القضية الفلسطينية كأن يفرض قرارًا أمميًا من مجلس الأمن يتبنى حل الدولتين، ليس حبًا بالفلسطينيين، لكن لإنقاذ إسرائيل من نفسها ومن متطرفيها.
لسنا في وارد عرض أفكار ومقترحات السيد “ترامب” فالرجل يريد بناء جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك وجعل المكسيكيين يدفعون ثمن بناء هذا الجدار! إضافة إلى ذلك، يعتبر الرجل أن “الصين” تسطو على أموال ووظائف الأمريكيين ويدعو كلًا من اليابان وكوريا الجنوبية للتسلح بالسلاح النووي لمواجهة الصين وكوريا الشمالية. السيد “ترامب” معجب بالرئيس الروسي “بوتين” وهو مستعد ليس فقط للقبول بالأسد كرئيس أبدي لسوريا، لكنه مستعد للعمل مع “بشار” بشكل أكثر صراحة ولدعم العصابة الأسدية علنًا وبشكل صريح، في حين يفعل “أوباما” ذات الشيء لكن بالسر…
ماذا سيختلف بالنسبة لنا كسوريين إن كان “ترامب” أو السيدة “كلينتون” وحتى “ساندرز” أو”بايدن” رئيسًا للولايات المتحدة؟
في رأيي لن يتغير شيء يذكر فيما يخصنا كسوريين يدفعون ثمن “المقاصصات” في بلد أصبح حلبة صراع دولي وٳقليمي يتجاوز حدوده ومقدرته على التحمل.
سوف نستمر في الموت ضمن إطار الحرب الأمريكية على “الإرهاب” التي أطلقها الرئيس الأخرق “بوش” الصغير، والتي تتلخص بالقضاء على الإسلام بنسخته “السنية” لصالح الشيعة حتى لو استوجب الأمر إبادة السنة بالملايين، لأن بعض المعتوهين من أتباع “بن لادن” اقترفوا جريمة الحادي عشر من أيلول 2001.
السياسة الأمريكية لا يحددها شخص الرئيس بل تحكمها توازنات دولية وداخلية كلها في غير صالح العرب والمسلمين ولن تتغير هذه التوازنات مالم نتغير نحن أولًا.
مع الأسف، أيًا يكن القاطن القادم “أو القاطنة!” في البيت الأبيض فلن يكون سوى “جزار” أو “جزارة”…
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :