“الحل السياسي” في عيون الإعلام البديل

  • 2016/06/05
  • 5:59 ص

إعداد محمد رشدي شربجي بالتعاون مع أرشيف المطبوعات السورية

انطلق الربيع العربي أواخر عام 2010 من تونس، وسرعان ما امتد إلى مصر وليبيا واليمن ليصل إلى سوريا، خلافًا لكل التوقعات، التي طالما افترضت أن لسوريا وضعًا خاصًا يتمثل بنظام قوي أكثر تماسكًا من باقي الأنظمة، ورئيس ينال شعبية نتيجة وقوفه مع القضية الفلسطينية.

لكن الثورة السورية أثبتت أن الشعوب لا تختلف عن بعضها في توقها نحو الحرية والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل متساو، وأن ما يختلف هو شكل الأنظمة وبنيتها وتعاملها مع شعوبها، الأمر الذي كان فيه حظ الشعب السوري عاثرًا إلى أبعد حد.

جاءت الثورة في لحظةٍ فارقةٍ على مستوى السياسة الدولية والإقليمية، تمثلت بإعادة الولايات المتحدة لتقييم دورها في المنطقة خاصة بعد ثورة النفط الصخري لديها، وعزمها التوجه شرقًا لمحاصرة التنين الصيني الصاعد، ترافق ذلك مع سعي روسي “قيصري” لاستعادة دور الدولة العظمى المفقود منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

وعلى مستوى الإقليم تمتع نظام الأسد بعلاقات ممتازة مع إيران وتركيا وقطر، وهاتان الأخيرتان هما اللتان أخذتا على عاتقهما فك العزلة الدولية المفروضة على الأسد بعد اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، إذ استخدم الأمير القطري علاقته المميزة مع ساركوزي لإقناع الأخير بزيارة دمشق، وتمثل القمة التي عقدها الأسد والأمير حمد وأردوغان وساركوزي عام 2008 تتويجًا لهذا المسعى.

وعدا عن الوضع الدولي، فقد حكمت الثورة السورية خصوصيات محلية زادتها تعقيدًا، فسوريا واقعة في قلب إقليمٍ رخوٍ جيوبولوتيكيًا، تشكّل نتيجة اتفاقات بعد نهاية الحرب العالمية الأولى دون أخذ آراء سكانه بعين الاعتبار، بالإضافة لبنية سوريا المتعددة طائفيًا وعرقيًا وهي البنية التي ميّزت المشرق العربي كامله، ما يهدّد بنقل الاضطراب الحاصل داخل سوريا إلى دول الشرق الأوسط كاملةً إن لم تتعداها إلى ما أبعد من ذلك، وسوريا أيضا من “دول الطوق” المحيطة بإسرائيل، وتحكم البلدين معاهدة فك الاشتباك منذ عام 1974 والذي أبدى نظام الأسد تجاهها التزامًا مطلقًا.

لمجمل الأسباب السابقة كان التعاطي الدولي مع الثورة السورية حذرًا، وقياسًا على الثورات السابقة فقد تأخرت المطالبة الأمريكية للرئيس الأسد بالتنحي حتى آب 2011، لتتبعها بعد ذلك عديد من الدول العربية والأوروبية، وحتى مع مطالبة الأسد تلك، فإن الولايات المتحدة لم تتخلّ يومًا عن القول إنّ الحل السياسي هو الحل الوحيد لـ “الأزمة السورية”.

نستعرض في هذا التقرير رؤية الإعلام البديل للحل السياسي، والمبادرات السياسية المختلفة التي طرحتها مختلف الأطراف خلال خمس سنوات من عمر الثورة.

السفير الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين يصوت في مجلس الأمن ضد إحالة الأزمة السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية – (رويترز)

مبادرات عربية دفنها فيتو روسيصيني مزدوج

حاولت كلّ من قطر وتركيا بداية الثورة استغلال علاقاتهما الجيدة مع نظام الأسد لحثّه على الإصلاح، ولذلك لم تكن تغطية قناة الجزيرة للثورة السورية بمستوى تغطيتها للثورات العربية الأخرى، رغم الحملة الشرسة التي شنها النظام إعلاميًا على قطر معتبرًا الثورة مؤامرة بتدبيرها.

استلمت جامعة الدول العربية، المعروفة عادةً بعدم فعاليتها وعدم إجراءاتها الحاسمة، زمام الأمور في المبادرات المبكرة لصنع السلام. ويرجع أحد أسباب تحلّي جامعة الدول العربية بمزيدٍ من الحزم في تلك المرحلة التأسيسية إلى أن قطر تولّت رئاستها الدورية لولاية ثانية غير مسبوقة.

فبعد تأجيل قمة شباط 2011 وصدور قرار قضى بإعادة الرئاسة إلى الدوحة، وضع هذا التحوّل، غير المتوقع للأحداث، قطر في موقع تأدية دور تنظيمي في الرد العربي على المجازر في سوريا خلال تولّي الدوحة رئاستها الثانية حتى ربيع العام 2012.

خلال هذه الفترة، وتحديدًا في تشرين الأول 2011، عارضت روسيا والصين، باستخدام حق “الفيتو”، مشروع قرار من مجلس الأمن الدولي لإدانة نظام الأسد وممارساته في حملته الأمنية.

استمر النظام السوري بحملته الأمنية ضد الشعب، وازدادت العلاقة بين قطر والنظام السوري سوءًا، ما دفع القيادة القطرية لإغلاق السفارة القطرية في دمشق، ثم تطورت الأمور إلى ما يشبه القطيعة التامة مع حملات النظام العسكرية على حماة ودير الزور. تمهلت قطر في مطالبة الأسد بالتنحي لأنها كانت تعول على مسار جامعة الدول العربية الذي كانت تقوده بحكم رئاستها للجامعة.

مثّلت المبادرة العربية الأولى في 10 أيلول 2011، أوّل تحرك جدي من قبل جامعة الدول العربية، ونصت المبادرة على ضرورة الإفراج عن المعتقلين وتعويض الضحايا والمتضررين والسماح بانتخابات رئاسية تعددية، ورعاية الجامعة للحوار بين الفرقاء السوريين، وغيرها من النقاط التي انطلقت على قاعدة الأمل أن يقود النظام الإصلاح بنفسه ليمنع عن سوريا سيناريوهات التدخل وانهيار الدولة والمجتمع.

حاولت الجامعة العربية بعدها وضع المبادرة موضع التنفيذ، وشكّلت في 16 تشرين الأول 2011، لجنة وزارية عربية خاصة بسوريا برئاسة قطر وعضوية السودان والجزائر وسلطنة عمان ومصر وجامعة الدول العربية ممثلة بنبيل العربي، وأوكلت لهذه اللجنة مهمة التواصل مع النظام السوري لوضع المبادرة موضع التنفيذ. تلا ذلك زيارة لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الدوحة في 30 تشرين الأول توصل خلالها النظام إلى خطة عمل أولية لتنيفذ المبادرة العربية الأولى.

لم يلتزم النظام بخطة العمل، فعلّقت الجامعة مشاركة الوفود السورية في اجتماعاتها، كما فرضت الجامعة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية على المسؤولين السوريين في 12 تشرين الثاني من العام ذاته، لكنها لم توصد الباب نهائيًا واقترحت على النظام فرصة لتطبيق الحل العربي وإرسال بعثة مراقبة عربية إلى سوريا للوقوف على التطبيق.

دخلت بعثة المراقبين العرب في بداية كانون الثاني 2012 وانسحبت بعد نحو أسبوعين نتيجة استمرار العنف، ولذلك اجتمع مجلس وزراء الخارجية العرب في 22 كانون الثاني، وأقرت المبادرة العربية الثانية، والتي تميزت عن الأولى بكونها نصت صراحة على تفويض الأسد صلاحياته لنائبه، والذهاب إلى مجلس الأمن لإضفاء الصيغة الإلزامية عليها وهو المسار الذي اصطدم بالفيتو الروسي- الصيني مرة أخرى، في 4 شباط 2012، عشية مجزرة حي الخالدية في حمص، لتنتهي الجهود القطرية لإيجاد حل من خلال جامعة الدول العربية بالفشل.

كيف رأى الإعلام البديل المبادرات العربية؟

سوريتنا وعنب بلدي هما الجريدتان الوحيدتان المستمرتان بالصدور منذ تلك الفترة، وتظهر متابعة أعداد سوريتنا، خلال الفترة من أيلول 2011 إلى منتصف شباط 2012، أن قضية المبادرات العربية ومسار الحل السياسي لم تحظ بتغطية تذكر إلا مرات قليلة، وقد عكست بذلك المزاج الشعبي الثوري، الذي رفض المبادرات العربية وسمى إحدى الجمع “جمعة شهداء المهلة العربية” و”جمعة بروتوكول الموت: رخصة مفتوحة للقتل” في أواخر كانون الأول 2011.

تنقل سوريتنا في العدد 15 عن مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن “الدابي (رئيس بعثة المراقبين العرب إلى سوريا) أسوأ مراقب لحقوق الإنسان”، كما شكك ياسر مرزوق وليلى السمان في مقال مشترك في نفس العدد بقدرة الجامعة العربية وأهدافها، بينما نقلت الجريدة في العدد 18 رسالة المراقب العربي أنور مالك، المستقيل ردًا على الدابي، الذي اتهمه بتزوير الحقائق حينها، كما هيمن الفيتو الروسي- الصيني المشترك على العدد 21.

صدر العدد الأول من جريدة عنب بلدي في أواخر كانون الثاني 2012، ونجد في العدد “0” عمودًا صغيرًا عن بعثة جامعة الدول العربية باعتبار “الرمد أحسن من العمى”، فقد خففت بعثة المراقبين القتل نسبيًا، وإن عكس تقرير المراقبين مواقف دولهم الداعمة للأسد.

كما أشارت الجريدة في عددها الأول إلى الفيتو الروسي- الصيني، منتقدةً حق الفيتو الذي استطاع حماية القتلة والمجرمين حتى اليوم.

كوفي عنانيتابع بالفشل

في 24 شباط 2012 تم تعيين كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة موفدًا خاصًا لجامعة الدول العربية وللأمم المتحدة إلى سوريا “للقيام بمساع حميدة بهدف وقف كل أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وتشجيع حل سلمي للأزمة السورية”.

وأضاف بيانٌ تلاه حينها بان كي مون ونبيل العربي بأن مهمة عنان هي الإسهام في “تسهيل حل سلمي وكامل (للأزمة) يقوده السوريون أنفسهم ويستجيب للتطلعات الديمقراطية للشعب، عن طريق حوار سياسي واسع بين الحكومة السورية والمعارضة السورية في مجملها”.

لم تعلق جريدتا عنب بلدي وسوريتنا على الخبر، وركزت الجريدتان أكثر على فشل مؤتمر تونس “لأصدقاء الشعب السوري”، كما ركزت عنب بلدي في العدد 4 على انسحاب الوفد السعودي من المؤتمر، وفي العدد 5 تتساءل الصحيفة إن كانت الدعوة السعودية- القطرية لتسليح المعارضة السورية هي “الحل المنتظر للثورة السورية”.

في 16 آذار 2012 اقترح كوفي عنان خطة اعتبرها “مدخلًا لحل الأزمة السورية”، وهي مكونة من ست نقاط، جاء فيها “وضع حلول سياسية داخلية تأخذ في عين الاعتبار تطلعات الشعب السوري ومخاوفه”، وافق النظام السوري على خطة عنان ثم صدر قرار من مجلس الأمن الدولي في 14 نيسان 2012 بإرسال مراقبين عسكريين لمراقبة وقف إطلاق النار، ليعلقوا مهمتهم بعد شهرين نتيجة “تصاعد أعمال العنف”.

اعتبرت “عنب بلدي” في العدد 9 أن مبادرة كوفي عنان لم تأت بجديد في ظل ما أسمته “تخاذل المجتمع الدولي”، داعيةً إلى “استمرار الثورة حتى إسقاط الأسد”، في حين ذكرت في العدد 11 أن خطة عنان مكتوبٌ لها الفشل حتى قبل أن ترى النور، وتحولت “من حل سياسي إلى غطاء سياسي” بحسب العدد 15، كما شككت من خلال عدة أعداد بمهمة المراقبين الدوليين وجدواها، واتهمت الجنرال روبروت مود، رئيس فريق المراقبين، بتزوير الحقائق بدل تقصيها في العدد 16.

بدورها، تساءلت الكاتبة والناشطة رزان زيتونة في العدد 3 من مجلة طلعنا عالحرية، الصادر بتاريخ 25 شباط 2012، ما إذا كانت مبادرة عنان هي مهلة جديدة للقتل، متوقعةً أن يكون مصير المبادرة كسابقاتها، كما أوضحت المجلة في افتتاحية العدد 4 أن هدف مهمة المراقبين تنحصر في رصد وقف إطلاق النار ولا تتعداها لشيء آخر.

بعد ذلك، أصدرت “مجموعة العمل من أجل سوريا”، وهي مجموعة مؤلفة من الدول الخمسة دائمة العضوية وتركيا وقطر والكويت والعراق ومفوضية الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في 30 حزيران 2012، ما بات يعرف ببيان “جنيف1″، وينص على خطة عنان ذات النقاط الست وعلى “تأسيس مجلس حكم انتقالي يوفر مناخًا محايدًا يتيح التحول السياسي في البلاد، وأن يتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية ويمكن أن يضم أفرادًا من الحكومة الحالية والمعارضة وبقية المجموعات بناءً على الاتفاق المتبادل”.

رأت عنب بلدي في العدد22 أن جنيف هو صفقة بين الغرب وروسيا و”رقص على دماء الشعب السوري”، وبينما لم تنشر الصحيفة قراءة تفصيلية لمحتوى بيان جنيف، لم تقدم سوريتنا تغطية لبيان جنيف على الإطلاق.

في حين نجد في افتتاحية العدد 9 من مجلة طلعنا عالحرية افتتاحية بقلم الكاتب ياسين الحاج صالح، أشار فيها إلى اللغة الفضفاضة التي كتب فيها بيان جنيف، الذي لم يضع خارطة طريق للحل ولا أسسًا للتفاوض.

اختلفت الدول فيما بينها في تفسير بيان جنيف، والواقع أن الدول الكبرى وضعت صياغة مبهمة حول مصير الأسد لتستطيع كل دولة أن تحدث جمهورها بما تشاء، وقد تجلى ذلك حين استخدمت روسيا والصين فيتو ثالثًا في 19 تموز 2012 ضد مشروع قرار غربي يضع بنودًا من خطة عنان تحت الفصل السابع، وهو ما يعني عمليًا القضاء على احتمال أن تشكّل خطة عنان مخرجًا للأزمة السورية، ليعلن كوفي عنان استقالته بعدها في الثاني من آب 2012 ويتسلم الأخضر الإبراهيمي مهامه.

الأخضر الإبراهيمي: لا شيء على الإطلاق

وافق الأخضر الإبراهيمي على تسلمه مهام المبعوث الأممي إلى سوريا في 17 آب 2012، ولم يفعل الأخضر الإبراهيمي شيئًا في الحقيقة، وقد وصف مهمته أساسًا بأنها مهمة شبه مستحيلة، سوى أنه انطلق من بيان جنيف، سابق الذكر، الذي يحظى بإجماع القوى الدولية بالرغم من تفسيراتها المتناقضة لمضمون البيان.

لم ينل الإبراهيمي ومهتمه إلا التشكيك بشكل عام، فسوريا “أكبر من المخضرم الإبراهيمي وأفكاره الطائفية”، كما تقول سماح هدايا في العدد 29 من عنب بلدي، في حين تنبأ العدد 30 بفشله، في حين اعتبر ياسر مرزوق مهمة الإبراهيمي، في العدد 49 من جريدة سوريتنا، “جرعة مخدرة تعطي للعالم وقتًا قبل أن يواجه هول ما يجري في سوريا”.

فشلت الهدنة التي اقترحها الإبراهيمي في سوريا في عيد الأضحى في تشرين الأول 2012، ولم تصمد حتى لساعات، وأعلن الإبراهيمي بعدها أن لديه أفكارًا جديدة سيطرحها في مجلس الأمن، وفي الحقيقة لم يكن لديه شيء عمليًا سوى التحذير الدائم من “صوملة” الحالة في سوريا، وانتظار الاتفاق الروسي- الأمريكي، الذي تم أخيرًا بعد قرار مجلس الأمن بتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية.

في 22 كانون الثاني 2014 انعقد مؤتمر “جنيف2″، بحضور النظام والمعارضة ممثلة بأحمد عاصي الجربا، رئيس الائتلاف السوري آنذاك، وبالرغم من عمل وزيري الخارجية الروسي والأمريكي لشهور، لإقناع النظام والمعارضة المشاركة بالمؤتمر، الأمر الذي أوحى بجدية الموضوع، إلا أن ما ظهر أن الدولتين كانتا تريدان انطلاق المفاوضات فقط على النموذج الفلسطيني- الإسرائيلي، مفاوضات مفتوحة بلا جدول زمني ولا شروط، وهو ما أدى بالنهاية لفشل المؤتمر واستقالة الإبراهيمي في 14 أيار 2014.

لم تتوقع عنب بلدي الوصول إلى حلّ عبر “جنيف2″، كما هو واضح في افتتاحية العدد 101 “فجنيف لم يقدم إلى الآن للأسد تذكرة قطار مغادرة السلطة”، وأشارت الافتتاحية إلى أن جميع الأطراف ماتزال تدعم وكلاءها داخل سوريا بالمال والسلاح.

في حين اعتبر دياب سرية، رئيس تحرير جريدة تمدن، في العدد 18 منها، مفاوضات “جنيف2” شبيهة بمفاوضات مدريد للسلام الفلسطيني- الإسرائيلي التي دامت 23 عامًا، واعتبر أيضًا في العدد الذي يليه أن الفعل الحقيقي هو في سوريا التي يحاول الأسد أن يكسب فيها الأرض وليس في جنيف.

وقدم ياسر مرزوق في العدد 123 من “سوريتنا” قراءة شاملة عن “جنيف2″، مبينًا مواقف كل الأطراف، سواء السورية أو الإقليمية والدولية، بينما انتقدت ليلى الصفدي في افتتاحية العدد 39 من “طلعنا عالحرية” اعتماد المعارضة على “أصدقاء الشعب السوري”، علمًا أن الحل هو بيد روسيا التي يجب على المعارضة السورية التفاوض معها.

ستيفان دي مستورا: الرقص على أنغام تنظيمالدولة

تسلّم دي مستورا مهمة المبعوث الدولي خلفًا للإبراهيمي في 11 تموز 2014، وقد ترافق تسلّمه للمهمة مع معطى جديد غيّر الحسابات الدولية، وهو ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” كتهديد عالمي وإقليمي بعد سيطرته على الموصل في حزيران 2014، وتعاظم قوته بما غنمه من سلاح وأموال هائلة.

سعى ستيفان دي مستورا لحشد التأييد الدوليّ والإقليميّ لمقترحاته المتعلقة بإقامة مناطق صراع “مجمَّدة” في مناطق سوريّة مختلفة، وفي مقدمتها مدينة حلب، والتوصل إلى هدن أو مصالحاتٍ مؤقتةٍ تتيح ممارسة إدارة ذاتيّة في هذه المناطق، ويجري التعبير عن هذه الإدارات من خلال مجالس محليّة منتخبة أو توافقيّة يتمّ فيها تمثيل فصائل المعارضة المسلحة، بحسب حجم كلّ فصيلٍ وفاعليته.

لم تنجح خطة دي مستورا بتجميد القتال في حلب، وظهر أنه من الصعب اجتراحُ حلول جزئية للحالة السورية، ولذلك حاول المبعوث الدولي الالتفاف على مطلب المعارضة بأن يكون مصير الأسد شرطًا مسبقًا للمضي قدمًا في المفاوضات بطرح مبادرة أخرى في 29 تموز 2015، تقوم على تشكيل أربع مجموعات عمل ستركز على أربعة مجالات هي: السلامة والحماية بما في ذلك إنهاء الحصار وضمان وصول المساعدات الطبية، والمسائل السياسية والدستورية، مثل إنشاء هيئة الحكم الانتقالي والانتخابات، والمسائل العسكرية والأمنية بما في ذلك مكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار، والمؤسسات العامة والتنمية مع التركيز على إعادة إعمار البلاد. أعرب مجلس الأمن الدولي عن تأييده لمبادرة دي ميستورا بتشكيل أربع مجموعات عمل مع ممثلي الحكومة والمعارضة السوريتين لتنفيذ بيان جنيف.

واعتمد أعضاء المجلس بيانًا رئاسيًا في نهاية جلسة بخصوص سوريا، في 17 آب 2015، ويعدّ البيان أول وثيقة للمجلس بشأن التسوية السورية، يوافق عليها بالإجماع. وجاء في البيان أن مجلس الأمن “يدعم النهج الذي صاغه المبعوث الخاص، الذي ينص على أن المفاوضات السياسية وتنفيذ الإصلاحات السياسية على أساس بيان جنيف تتم من خلال أربعة مجالات موضوعية من خلال إنشاء مجموعات عمل”.

كما طالب بيان المجلس من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن يُقدم إليه تقريرًا عن المرحلة المقبلة من جهود الوساطة في سوريا خلال 90 يومًا، معبرًا عن قلقه البالغ من أن الصراع في سوريا أصبح أكبر أزمة إنسانية في العالم.

“مقاربة جديدة للحل، ولا جديد في تعاطي الأطراف المؤثرة”، هكذا غطّت عنب بلدي في عددها 180 مبادرة دي مستورا الجديدة، بينما اعتبرت افتتاحية العدد 85 من تمدن أن المبادرة بعيدة كل البعد عن واقع الحال في سوريا، ولن يكون لها إلا مصير سابقاتها.


التدخل الروسي يزرع نظرة تشاؤمية تجاه
الحل

في حين دعا حازم نهار في افتتاحية العدد 35 من جريدة كلنا سوريون إلى “تعامل عقلاني مع فكرة الحل السياسي”، بالرغم من كونه لا يعوّل الكثير على ما يمكن أن يحدث في جنيف، في حين غابت إلى حد ما تغطية مبادرات ديمستورا عن باقي صحف الإعلام البديل التي تابعناها.

قلب التدخل الروسي في أيلول 2015 الطاولة على الجميع، مع تساهل أمريكي واضح حيال التدخل، وبدت روسيا أنها صاحبة الكلمة الأولى في الشأن السوري، وهو ما بدا في اجتماع فيينا الذي عقد في 14 تشرين الثاني 2015، غداة هجمات تنظيم “الدولة” على باريس، لتطغى أولوية محاربة التنظيم على أجندات الاجتماع.

سنرى أنه منذ اجتماعات فيينا وما تلاها من مؤتمر الرياض وقرارات مجلس الأمن الناظمة لعملية التفاوض، أصبحت المفاوضات ومسار الحل السياسي من أبرز المواضيع التي تغطيها صحف الإعلام البديل التي تابعناها، فقد نشرت “عنب بلدي” في العدد 195 بنود اتفاق فيينا وكذلك فعلت مجلة عين المدينة في العدد 61، وقدمت “عنب بلدي” من العدد 195 إلى العدد 201 تغطية شاملة لمسار الحل السياسي.

كما نشرت “تمدن” في العدد 98 خطة المرحلة الانتقالية التي قدمتها المعارضة، وقدم الكاتب “أبو القاسم السوري” في العدد 61 من “طلعنا عالحرية” قراءة شاملة لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 معتبرًا “أننا أمام بوادر إرادة دولية لحل الصراع في سوريا”، كما غطت “سوريتنا”، وإن بشكل أقل نسبيًا، مجريات الحراك الدولي السياسي منذ العدد 217.

تنوعت القراءات التي قدمتها الصحف بهذا الخصوص، وإن كان بينها كثير من القواسم المشتركة، فقد اعتبرت “عين المدينة” في العدد 62 أن اجتماعات فيينا هي “مرحلة جديدة من التورط الدولي في سوريا”، موضحةً أن هدف موسكو هو فرض إرادتها على دول المنطقة.

في حين قدّم فادي جومر في العدد 218 من “سوريتنا” مقالًا ساخرًا حمل عنوان “ليالي العبث فيينا”، وأنهاه بشكل ساخر بالقول “وفي ختام اللقاء، جدد الجميع دعوتهم لمحاربة الإرهاب، وقرروا الجلوس عقد صمت، تجاهلًا لأرواح ضحايا النظام السوري”.

بدوره، اعتبر الكاتب عبد القادر عبد اللي في العدد 116 من جريدة صدى الشام أن تنظيم “الدولة” حقق أهدافه في فيينا، فمخرجات الاجتماع جاءت ضد فصائل المعارضة المسلحة أكثر من التنظيم، وهذه الفصائل هي العدو الرئيسي له.

كما تحدث الكاتب بشار الأحمد في العدد 118 في ذات الجريدة عن “خفايا جنيف المؤجلة”، معتبرًا أن جنيف قد ينتهي بخيبة أمل، في ظل وجود عدد من العقد الرئيسية أبرزها مصير الأسد، والمرحلة الانتقالية وتصنيف الفصائل العسكرية. وفي حين اعتبرت جريدة كلنا سوريون ما يجري “مؤتمرات بلا معنى”، ذهبت الكاتبة حذام زهور عدي في “عنب بلدي” إلى أن قرار مجلس الأمن 2254 أغلق باب الحل السلمي وانقلب على مقررات فيينا ومؤتمر الرياض.

الكاتب أحمد الشامي في العدد 206 من “عنب بلدي” عنون مقاله بـ “عزيمة الشيطان”، معتبرًا أن شياطين الإنس هي من دعت إلى محادثات جنيف، وبالتالي لا يجب الذهاب إلى هناك، فلن تجد المعارضة إلا “الخازوق” بحسب تعبيره، وهو بذلك يعبر عن كثير من الآراء التي سادت الأوساط المعارضة الثورية التي رفضت الذهاب إلى جنيف بدون ضمانات حقيقية لإيقاف القتل، ومناقشة مصير الأسد بالدرجة الأولى.

المعارضة تعلّق مشاركتها وحلب تحترق

علّق رياض حجاب، رئيس وفد المفاوضات مشاركة وفد المعارضة، في محادثات جنيف في 19 نيسيان 2016، نتيجة خرق النظام المتكرر للهدنة، وعدم التزامه ببيان جنيف مرجعية للمفاوضات، وساد سوريا تصعيد عسكري كبير بعدها تركز في مدينة حلب، ليطلق ناشطون حملة إعلامية غير مسبوقة جعلت من هاشتاغ ” #حلب_تحترق” الأول عالميًا لعدة أيام، كما سادت في الأوساط الدبلوماسية الدولية وبعض أوساط المعارضة بعض الآراء التي تحمل المعارضة السورية برفضها التفاوض وتعنتها مسؤولية التدهور الحاصل.

لا نجد بتتبع الأعداد خلال شهر أيار 2016 كاملًا هكذا رأي (تحميل الوفد المسؤولية) لدى صحف الإعلام “البديل”، بل اشتركت مقالات الرأي بشكل عام بتحميل النظام وداعمته روسيا المسؤولية، واستنكار تخاذل المجتمع الدولي وتآمره الذي يريد أن يدفع المعارضة للمشاركة في مفاوضات جنيف بشروط روسيا والنظام السوري.

وأخيرًا..

لم تهتم صحف الإعلام البديل التي تابعناها بالجهود الدولية الرامية لإيجاد حل سياسي للوضع في سوريا، ويعود ذلك إلى قناعة ثورية في البداية بقرب إسقاط النظام وأن الحل السياسي قد دفنه الفيتو الروسي- الصيني في مجلس الأمن.

ومع مرور الوقت وتعقيد الوضع السوري وزيادة فاتورة الدم وازدياد خبرة الصحف السورية، زاد التركيز على هذا المسار، مع أن التشكيك بجدوى الحل السياسي وجديته بقيت موجودة على طول الخط.

شكلت محادثات فيينا في تشرين الثاني 2015 منعطفًا في اهتمام هذه الصحف بمفاوضات المسار السياسي، ويمكن تفسير ذلك جزئيًا بطول أمد الثورة وتشوش أهدافها أولًا، وانقلاب الموازين الذي أحدثه التدخل العسكري الروسي ثانيًا، وهجمات باريس التي تبناها تنظيم “الدولة” قبل اجتماع فيينا بيوم واحد، والتي تركت أثرها على المحادثات وعلى مجمل النظرة الدولية لحل “الأزمة السورية”، إذ أصبحت “محاربة الإرهاب” مقدَّمة على إسقاط الأسد.

بالرغم من الاهتمام بهذا المجال، إلا أن المواد الشارحة والمبينة لحيثيات ونصوص القرارات الدولية تعتبر قليلة نوعًا مًا، ولذلك فقد يكون على عاتق هذه الصحف مسؤولية نشر المعرفة بخصوص هذه القرارات وما يمكن الاستفادة منها لتخفيف المعاناة عن الشعب السوري.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق