حنين النقري – عنب بلدي
“مع بداية العام الدراسي الجديد عاد ملايين الطلاب والتلاميذ في سوريا إلى مقاعدهم متجاوزين صعوبات وتحديات الأزمة متحدين وأسرهم الإرهاب… ويحضر المعلمون أيضًا حاملين معهم رسالتهم المقدسة”، بهذه العبارة الوردية وصف إعلام النظام وضع المدارس في سوريا، وهي مقتبسة حرفيًا من تقرير لوكالة سانا للأنباء عن بداية العام الدراسي 2015-2016، والذي اختتمه طلاب المدارس السورية أواخر أيار الماضي، عدا الشهادة الثانوية، فهل كان عامًا تدريسيًا أفضل مما سبقه؟ وكيف يرى المدرّسون الواقع التعليمي اليوم؟
المدارس الصناعية “الأسوأ بين السيئ”
“الوضع التعليمي تعيس جدًا جدًا” هكذا لخّص الأستاذ محمود، وهو معلّم في ثانوية صناعية منذ عامين، المشهد عندما سألناه عن رؤيته لما آل إليه التعليم اليوم.
يقول الأستاذ محمود إن حال المدارس الصناعية هو الأسوأ بين المدارس الحكومية، فالتعليم فيها متدنٍ والاهتمام الذي تخصّ به الوزارة المدارس شبه معدوم، ويضيف “من بين 35 طالبًا في الصف ثمة خمسة طلاب مهتمون فقط، والباقي في حالة تسيّب لا توصف”.
يدلل الأستاذ على حالة التسيب، كما وصفها، بعدم التحاق الطلاب بالمدرسة إلا بعد مرور أسبوعين أو ثلاثة من بداية العام الدراسي “عدا عن الغياب لأيام متتالية والهروب من المدرسة، لا نجد طالبًا واحدًا في الحصص الأخيرة، في آخر ثلاثة أسابيع من كل فصل يغيب معظم الطلاب أيضًا… تخيّلي أنني أتعرف على كثير من الطلاب في الامتحانات فقط!”.
الامتحانات النهائية فقط.. تسهيلات الموسم!
يعزو الأستاذ محمود حالة التسيب هذه إلى السطوة الأمنية المتنامية والمسيطرة على التعليم، ويضيف “أول نصيحة وجهها لي المدرسون عند تعييني هي أن أتجنب التصادم مع الطلاب، فالكثير منهم مدعومون ومتطوعون ولن أسلم من أذاهم، وهو ما يمنعني من اتخاذ أي إجراء بحق الطالب مهما بلغ تطاوله أو تسيبه”.
يطلب مدير المدرسة من محمود وباقي المدرسين أن يتساهلوا مع الطلاب من ناحية النجاح والعلامات، ويشرح “فحتى لو لم أرَ الطالب طيلة الفصل ولم يتقدم لأي مذاكرة، يكفي أن يأتي للامتحانين النصفي والنهائي، فأسجل له علامات العملي شبيهة بما ناله في الامتحان، عدا عن إمكانية خضوع الطالب لدورة التكميلي إن رسب في الامتحانات”.
ويشير محمود إلى أن هذا التساهل من جانب الإدارة إنما هو تطبيق لتوصيات من وزارة التربية، وتفسيره الشخصي لها “ليتوقف الطلاب عن تأجيل العسكرية بحجة الدراسة ويسرّعوا بالتحاقهم في الجيش”.
“كنت بمهمة“
سألنا الأستاذ محمود عن تبرير الغياب لفصل كامل وإمكانيته في المدرسة، فأجاب أن الموضوع سهل للغاية، بل وبات أسهل مع الأوضاع الأمنية الحالية “يأتينا الكثير من الطلاب في آخر كل فصل مع ورقة تثبت أنهم كانوا بمهمة أمنية خلال فترة غيابهم”، يعقّب ساخرًا “كل طلابنا عناصر بالأفرع”.
ويشير محمود إلى أن كل ما ذكره أدى إلى استحالة تغطية المنهاج كاملًا من قبل الأساتذة “فحالة الغياب الكثيفة بين الطلاب، إضافة لانتهاء العام الدراسي قبل موعده المعتاد بما يقارب الشهر في الصفوف الانتقالية والتسيب الإداري وعدم التدقيق، كل ذلك يجعلنا نعطي جزءًا قليلًا من المنهاج”.
على عينك يا مراقب
تصادق الآنسة سميرة، مدرّسة لغة عربية للمرحلتين الثانوية والإعدادية بمدرسة في حمص، على ما رواه الأستاذ محمود من حالة التسيب، وتضيف على ذلك ما تراه من شيوع كبير للغش بين الطلاب في كافة المراحل وتتساءل “كيف يمكن للطالب أن يكون أكثر انضباطًا وهو يعرف أن كل شغبه وتسيّبه وعدم دراسته لن يضره بشيء ما دام قادرًا على إدخال الموبايل إلى قاعة الامتحان في النهاية!”.
تدلّل سميرة على ما قالته بحادثة كانت شاهدة عليها أثناء مراقبة امتحانات الصف التاسع لهذا العام “ضبط المراقب في القاعة طالبًا ينقل الإجابات من شاشة الموبايل الذي بحوزته فصادره منه، فما كان من الطالب إلا أن هدّده بأخيه لكن الأستاذ لم يتراجع”.
تقول سميرة إن ما حدث بعد ذلك جعلهم يدركون جدية التهديد “دخل إلى القاعة بعد عشر دقائق عسكريّ يحذّرنا من إزعاج هذا الطالب أو الضغط عليه بأي ملاحظة، قدمنا تحية للعسكري وأعدنا الموبايل للطالب مع ابتسامة ودعاء بالتوفيق، لم نستطع فعل شيء”.
تضيف سميرة أن حالة شغب عمّت القاعة بعد خروج العسكري، إذ تمرّد الطلاب على المراقبين ورفضوا الالتزام بتعليماتهم “كلما وجهنا ملاحظة لطالب أو حاولنا منعه من الغش يصيح بنا (شو الدنيا خيار وفقوس)، كيف يمكنني أن أغير الحقيقة التي رآها الطلاب بأعينهم؟”.
أسئلة الساعة السابعة
شاهر، طالب هندسة في كلية البعث وأستاذ خصوصي لطلاب الشهادات، يخبرنا عن “موضة” جديدة بين الطلاب وأساتذة التعليم الخاص، وهي مجموعات “الواتساب”، موضحًا “ثمة مجموعات واتساب تضم أعدادًا كبيرة من الطلاب وبعض الأساتذة يجري الغش عن طريقها فيما بينهم ما يسهل وصول المعلومة للجميع في قاعة الامتحان”.
ويضيف شاهر أنه يساعد الطلاب في حل الأسئلة بالاتفاق معهم “أتفرغ في أيام مواد معينة وأرسل الإجابات لطلابي على هذه المجموعات”.
كشف شاهر أمرًا ليس بالجديد، لكنه كان حكرًا على أبناء المسؤولين وأصحاب الواسطات “في امتحان التاسع لهذا العام تم تسريب أسئلة جميع المواد ووصلت للطلاب الساعة السابعة صباحًا”، ويوضح أن التسريب هو عبارة عن صورة ملتقطة لورقة الأسئلة تصل إلى مجموعات الواتساب، ويفسّر مصدرها “على الغالب ترسل وزارة التربية الأسئلة باكرًا للمناطق البعيدة والضيع، هناك حيث لا رقابة ولا اهتمام، يمكن لأحد الأساتذة فتح ظرف الأسئلة وتصويرها وإرسالها ليتمكن الطلاب من معرفة الإجابات قبل الدخول للقاعة”.
يؤكد شاهر على ذلك بمشاركته الشخصية بمساعدة الطلاب وحلّ الأسئلة المسرّبة، ويعلّل ذلك “أعتقد أن الغش لا يعتبر جريمة أمام القتل الذي يراه الطلاب كل يوم، لازم ساعدهم”.
“عودي إلى الغوطة“
تروي لنا الآنسة رغدة، وهي مدرسة رياضيات للمرحلة الإعدادية في إحدى مدارس ريف دمشق، عن حادثة جرت معها و”أهينت فيها كرامتها”، حسب وصفها من قبل طالبة في الصف الثامن “أنا من الغوطة الشرقية، ونزحت مع زوجي وأولادي إلى هذه المنطقة منذ أربعة أعوام جراء قصف منزلي، ووجدت شاغرًا في المدرسة وبدأت العمل كمدرّسة رياضيات منذ عامين”.
تقول رغدة إنها تحاول ما استطاعت ضبط الطلاب، إلا أنها تشعر بغربتها بينهم “كنازحة” بشكل كبير، زاد من هذا الإحساس الموقف الذي تعرضت له منذ شهرين “وجّهتُ ملاحظة لإحدى الطالبات في الصف لكنها لم تستجب، كررت الملاحظات مرات عدة نتيجة شغبها وقلة تهذيبها، فما كان منها إلا أن وقفت وقالت: ارجعي على بلدك، ضيعتنا لنا والغوطة لك”.
صدمت رغدة من جواب الطالبة و”وقاحتها”، كما تقول، لكنها تمالكت أعصابها وأتمّت الدرس وكأن شيئًا لم يكن، موضحةً سبب عدم اتخاذ أي إجراء بحق الطالبة “عائلتها أكبر عائلة في هذه البلدة، وعمها له شأن كبير في أحد أفرع الأمن، خفت أن أُطرد من عملي وأنا بحاجته، أضيفي إلى كوني غريبة ولا سند لي هنا”.
هيبة الأستاذ!
قابل الأساتذة سؤالنا عن هيبة الأستاذ بإشارات التعجب والسخرية، وكان تعليق الآنسة سميرة “هل تتخيلين أن الطلاب يتصورون سيلفي في قاعة الامتحانات ومع الأوراق الامتحانية ويعرضونها عبر الإنترنت دون قدرتنا على ضبطهم، وتسألين عن الهيبة؟!”.
أما رغدة فتقول “احترام الأستاذ صار من الماضي، بل تحول من احترام الطالب لأستاذه، إلى مداراة الأستاذ لطلابه مخافة منهم”.
في حين يختم الأستاذ محمود “أتبحثين عن هيبة الأستاذ، اسمعي إذن: تجرأ أحد أساتذة مدرستي على ضرب طالب مدعومٍ لقلة أدبه، بعد نصف ساعة اقتحمت سيارة دوشكا المدرسة وضرب العناصر الأستاذ بشكل عنيف على مرأى من الطلاب ثم أخذوه معهم”، ويضيف بتحسّر “أنا حزين لأن أقول ذلك.. لكن وضع التعليم كارثي ومن سيئ لأسوأ، وجميعنا مستاؤون من ذلك: الطالب والأستاذ والإدارة”.