محمد قطيفان – درعا
لم يكن “الذهب الأصفر” هذا الموسم بأفضل حالاته في سهول حوران، فالمساحات الصفراء انخفضت بشكل حاد وسط تحول الكثير من المزارعين نحو المحاصيل الأكثر ربحًا والأقل مجهودًا، وقبل ذلك الأكثر آمنًا وتأقلمًا مع الظروف الراهنة.
وبلغت مساحات الأراضي المزروعة بالقمح في درعا حوالي 46 ألف هكتار هذا العام، بحسب مديرية الزراعة في محافظة درعا التابعة للنظام السوري، بعدما كانت عام 2010 تزيد عن 71 ألف هكتار.
زراعة “تحت النار”
ويوضح أبو عمر النابلسي، أحد المزارعين من أبناء بلدة طفس، أن مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، خرجت عن الخدمة نتيجة وقوعها في نقاط تحكمها قوات النظام السوري ناريًا، وقال “لا نستطيع زراعة، ولا حتى الاقتراب، من معظم الأراضي في منطقة الخمان، بسبب وقوعها تحت نيران قوات النظام المتمركزة في تل الخضر”، وبحسب النابلسي، فإن الأمر نفسه ينطبق على آلاف الدونمات الزراعية في أماكن متفرقة من حوران، والتي باتت أراضي خاوية إلا من القذائف والألغام.
من جانب آخر، وفي تلك الأراضي القابلة للزراعة يكاد “اللون الأصفر” يغيب عن معظمها، وسط توجّه الفلاحين نحو محاصيل زراعية أخرى. يقول النابلسي إن زراعة محصولي القمح والشعير أصبحت بحاجة إلى شجاعة، إذ تعتبر مغامرة قد تقود الفلاح نحو خسائر مالية كبيرة.
ويبرر هذه المخاوف بقوله “نعاني في المواسم الأخيرة من انخفاض نسب هطول الأمطار الرئيسية لهذا النوع من المحاصيل، بالإضافة للتكلفة العالية لاستخدام أساليب الري”، لكنّ هذه المخاوف تعتبر أقل من “الخوف الأكبر”، كما وصفه النابلسي، متمثلًا باحتراق المحصول في حال القصف.
إحراق المحاصيل
وتتهم قوات النظام في المواسم الماضية بانتهاج سياسة متعمدة في استهداف المحاصيل الزراعية في مواسم الحصاد، بهدف إشعال الحرائق فيها وحرمان المناطق المحررة من إنتاجها المحلي، أما هذا الموسم فقد تسببت المعارك المندلعة في الريف الغربي لمحافظة درعا (بين فصائل المعارضة وكتائب محسوبة على تنظيم “الدولة”) باحتراق مساحات ليست بالقليلة من المحاصيل الزراعية نتيجة القصف العشوائي المتبادل.
يضيف المزارع “في حال امتلكت التوفيق من الله ووصلت لموسم الحصاد سالمًا، فتحديات تسويق المحصول وبيعه بسعر يحقق لك ربحًا في انتظارك”. فرغم وجود المشتري، سواء كان النظام أو مراكز الحبوب التابعة للحكومة المؤقتة، إلا أن هذين الخيارين لا يحققان طموح المزارع، ويرى النابلسي أن “التكاليف الباهظة والخطورة العالية التي يتحملها المزارع تستلزمان وجود سعر مرتفع يحقق له الربح في آخر الموسم، وهذا الأمر غير موجود فالأسعار المطروحة في السوق بالكاد تحقق رأس المال”.
على الرغم من توفير بعض المجالس المحلية لأكياس القمح بأسعار منخفضة وصلت لـ 50 ليرة للكيس الواحد، إلا أن هذه المساعدة لم تعط الدافع المطلوب للفلاحين للعودة لزراعة القمح والشعير.
وفي ظل المعطيات السابقة، يبدو أن زراعة القمح والشعير بحاجة إلى ثورة تساهم في عودة الذهب الأصفر إلى سهل حوران كما كان، فصمام المناطق “المحررة” الغذائي في خطر، وربما يصبح “القمح الحوراني” عملة مفقودة بعد أن كان يتربع في المراكز الأولى كأفضل أنواع القمح في العالم.