عنب بلدي – داريا
داريا التي اشتهرت بحراكها السلمي، اشتهرت أيضًا بعملها العسكري المنظم وأعطت من خلاله صورة مشرقة لسوريا المستقبل، وتعود بدايات العمل المسلح في مدينة داريا إلى بدايات عام 2012 حيث بدأت بمجموعة من الشباب لا تتجاوز أصابع اليدين معظمهم أصبح الآن في عداد الشهداء. وشهدت المدينة خلال عملها العسكري عدة محطات هامة تركت بصمتها على مسار الثورة في المدينة، أولها كان ما عرف فيما بعد بالسبت الأسود في شباط من عام 2012 حيث استشهد ما يقارب 17 شابًا في تشييع الشهيد يمان الأحمر، ويبقى الحدث الأكبر في تاريخ المدينة هو المجزرة الكبرى التي ارتكبتها قوات الأسد بتاريخ 24 آب من العام الماضي، حيث قتلت قوات الأسد ما يزيد عن 700 شهيد، ولكن المدينة تعافت من هذه المجزرة لتنتج أحد أبرز تجارب سوريا ريادة في الإدارة المحلية تمثلت بالمجلس المحلي لمدينة داريا الذي ضم بشكل فريد المكتب العسكري ليكون أحد مكاتبه العشرة.
عنب بلدي وبعد طول عناد استطاعت أن تجري لقاءًا مع النقيب أبو جمال قائد لواء شهداء الإسلام التابع للمكتب العسكري في المجلس المحلي لمدينة داريا، وذلك على أصوات القصف والانفجارات التي لا تهدأ في المدينة، اللقاء الذي قطع أكثر من مرة بسبب الوضع الأمني الخطير في المدينة وبسبب مقاطعة عناصر الجيش الحر له بسبب حاجتهم الدائمة للنقيب.
نقيب أبو جمال:
ما هو السبب الذي دفعك للانشقاق عن النظام وهل شاركت بالعمليات العسكرية مع الجيش النظامي؟
منذ قيام الثورة في تونس وفي مصر وامتدادها إلى اليمن ثم ليبيا كنت أفكر وأتمنى أن تقوم ثورة في سوريا وكنت مدركًا أنها ستقوم، نظرًا للمرحلة والفساد الذي وصل إليه المجتمع ونظرًا للوضع الذي وصلنا إليه، فكان لابد من قيام ثورة لتغيير هذا الوضع، فعندما بدأت الثورة كنت مؤيدًا لها منذ اللحظة الأولى، ولكن تأخرت بالانشقاق حيث انشققت في بداية عام 2012، حيث كنت أراهن على قيام هذا الجيش بفعل ما، كما حدث في تونس أو مصر للمحافظة على هيكلية الجيش وعلى قطعاته العسكرية، ولكن بعد أن فقدت الأمل في هذا الجيش بسبب تركيبته الطائفية قمت بالانشقاق بشكل إفرادي ثم اللجوء إلى الأردن، ثم عدت الى أرض الوطن للقيام بواجبي في الدفاع عن هذا الشعب، أنا في حقيقة الأمر لم أشارك في أي مهمة كانت، خدمتي كانت في منشأة تعليمية ولم أشارك في الحواجز أو الاقتحامات التي كان تحدث للمدن، وعندما انشققت في بداية 2012 لم يكن الأمر بهذا السوء، وبسبب خدمتي في المنشأة التعليمية كنت بعيدًا جدًا عن خروجي على الحواجز أو الاقتحامات.
أين تكمن أهمية داريا في الثورة السورية؟
داريا مهمة للثورة السورية بسبب مكانها الجغرافي، حيث تقع على جنوب دمشق على بعد 7 إلى 8 كيلو متر عن العاصمة دمشق، بالإضافة لطبيعة وتركيبة سكانها، ومنذ أن انطلقت الثورة السورية كانت بداية المظاهرات في داريا، حيث انطلقت منذ السادس عشر أو السابع عشر من آذار 2011، وعلمت أن هناك أناسًا شاركوا في المظاهرات التي انطلقت في الجامع الأموي. بالإضافة إلى الشباب المعارضين لهذا النظام والذين كانوا معتقلين منذ تشكيل إعلان دمشق وبداية حكم بشار، حيث كان عدد من الشباب معتقلين في سجون النظام السوري الذي أدرك خطورة تواجد معارضين في المدينة وتأثير مشاركة المدينة في الثورة وأسبقيتها، كل هذا عزز إصرار النظام على قتل الثورة في مدينة داريا
بالرغم من خسائر النظام في الحملة الاخيرة التي بدأت في أواخر تشرين الثاني من العام الماضي.
لماذا يصر النظام على اقتحام داريا في الوقت الذي يستطيع فيه فرض طوق أمني حولها؟
كما قلت لك، النظام لا يريد فرض طوق أمني على مدينة داريا، النظام يريد أن يقضي على المعارضة المسلحة بكافة أشكالها في مدينة داريا، النظام لا يريد للجيش الحر أن يكون في مدينة داريا، فلذلك هو مصر على اقتحامها حتى القضاء على الجيش الحر فيها نهائيًا. منذ المجزرة الماضية عندما اقتحم داريا في الشهر الثامن من العام الماضي حيث ارتكب مجزرة فظيعة أودت بحياة ما يقارب 800 قتيل (شهيد) أو حتى قارب الألف قتيل، فكان الغرض هو إبادة الجيش الحر أو فصل الحاضنة الشعبية للجيش الحر، ولكنه فشل بعد المجزرة، فقد كانت النتائج عكسية، كان التوحد وكان توحيد الكتائب، وبدأ التأسيس لشيء منظم أنتج المجلس المحلي لمدينة داريا، في هذه المرة حاول الاقتحام ولكن الوضع كان منظمًا، المجلس المحلي منظمًا لموارد الجيش الحر والدعم، والمكتب العسكري كان مشرفًا بشكل مباشر على غرفة العمليات وعلى التنسيق والتعاون بين كتائب الجيش الحر، فبذلك وبحمد الله تم الصمود حتى هذه اللحظة.
من هي القوات التي تقاتل مع جيش النظام في مدينة داريا؟
الحرس الجمهوري وقوات من الفرقة الرابعة والقوات الخاصة وقوات من فرع فلسطين خاصة، والأفرع الأمنية بشكل عام، كذلك لوحظ عند مقام سكينة وجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله، وتم قتل العديد منهم وباعترافهم هم أن هؤلاء قتلوا أثناء الدفاع على مقام سكينة المزعوم.
هل ينتمي جميع مقاتلو المعارضة لقيادة واحدة؟
حقيقة في مدينة داريا هناك عدة أطراف تقاتل النظام السوري، هناك تجمع أنصار الإسلام ممثلًا بكتائب الصحابة، وهناك لواء شهداء الإسلام، بالإضافة إلى كتيبة من لواء الفرقان ولواء كان هنا ـ لواء توحيد العاصمة ـ ولواء سيف الشام.
ما هي الصعوبات التي تواجه الجيش الحر بداريا؟
صعوبات تتعلق بالتسليح ونوع السلاح الذي يصل للجيش الحر، ينقصنا السلاح النوعي في مدينة داريا، السلاح النوعي القادر على تدمير دبابات النظام والقادر على إيقاف أو إسقاط طائرات هذا النظام التي تقوم بقصف المدنيين والتي تقوم بتدمير المباني والبنى التحتية في المدينة.
هل خبرة عناصر الجيش الحر في داريا كافية لخوض معارك طويلة الأمد؟
نعم، بعد المعارك الطويلة التي خاضوها مع قوات النظام، بدأت تتشكل خبرات وخبرات جيدة، هي التي أدت إلى الصمود حتى الوقت الحالي، وأنا باعتقادي هي قادرة على الصمود أكثر بكثير، وحتى هي قادرة على الانتقال من الدفاع إلى الهجوم.
هل يتقاضى مقاتلو الجيش الحر أجورًا لقاء أعمالهم؟
لا يتقاضى أي مقاتل أجرًا على عمله، فجميعهم انتموا للجيش الحر دفاعًا عن أرضهم ولإسقاط هذا النظام، ولكن هناك مبالغ تصرف لهؤلاء المقاتلين كمصاريف شخصية بسيطة لسد الاحتياجات القليلة للمقاتلين.
ما هي العلاقة بين المجلس العسكري والمجلس المحلي في مدينة داريا؟
في داريا تجربة ناجحة، بدأت والحمد لله -بسبب نجاحها- محاولات تطبيقها في أكثر من منطقة في سوريا، وهذه التجربة هي كون الجيش الحر أو المجلس العسكري من ضمن مكاتب المجلس المحلي ولا ينفصل عنها.
إذن هل نستطيع القول أن سبب صمود الجيش الحر في مدينة داريا هو التنظيم الجيد؟
طبعًا، الصمود سواء كان في داريا أو في أي منطقة هو بسبب التنظيم والإدارة الجيدة للمعركة وللمقاتلين.
مدينة داريا كانت تحوي العديد من الكتائب، تشكلت مؤخرًا تحت راية «لواء شهداء الاسلام»، ما هو الدافع وراء تشكيل هذا اللواء؟
تشكيل لواء شهداء الاسلام جاء نتيجة لزيادة عدد أفراد الجيش الحر وضرورة استيعابهم في تشكيل أكبر من تشكيل الكتيبة، وفي التسلسل العسكري تشكيل الكتيبة يأتي بعده تشكيل اللواء، فنظرًا لتوسع الأعداد وزيادة السلاح النوعي الذي دخل على قلته، فقمنا بتشكيل اللواء لأمور تنظيمية ولاستيعاب أعداد أكبر من المقاتلين.
هل معركة داريا رابحة أم خاسرة إلى الآن، وهل الأماكن الهامة والحساسة بالنسبة للجيش الحر تحت سيطرتكم؟
معركة داريا لا تقاس بمقدار الأرض التي يسيطر عليها الجيش الحر أو التي يسيطر عليها النظام، معركة داريا هي معركة صمود، جميعنا يدرك أن داريا محاطة من جميع الجهات بقوات للنظام وبقطع عسكرية وليست متصلة بأي منطقة ثائرة سوى مدينة المعضمية، فصمود داريا على مدى خمسة أشهر وقد دخلنا بالسادس هو بحد ذاته نصر، نحن الآن نقاتل على الصمود وغير مهم ما نملكه أو نخسره من أبنية.
مع وضع مدينة داريا الجغرافي ما هي نظرتكم للأقليات المحيطة بها مثل صحنايا؟
حقيقة بالنسبة لنا لم نفكر يومًا من الأيام بالأقليات، نحن نفكر بمن هو مؤيد لهذا النظام، الذي قتل وشرد شعبنا ومن هو معارض لهذا النظام، فكل من يسير بركب الثورة سوف يشارك معنا في بناء سوريا المستقبل، وكل من أيد النظام في القتل والتدمير وشارك في القتل سوف يحاسب أمام القضاء العادل.
ما هو شعورك عندما يتحول معظم الفريق المقاتل والمجاهد إلى شهداء بعد تنفيذ عملية ما؟
نحن نأسف لأي مجاهد يصاب حتى لو إصابة خفيفة، ولكن عندما بدأنا الطريق كنا ندرك أن هذا النظام مجرم ولن يوفر سلاحًا في قتلنا وتدمير بيوتنا، فعندما يستشهد مقاتل من الجيش الحر نقوم بتهنئة أنفسنا به ونتمنى أن نلحق به في المرة القادمة، فمنطقنا دائمًا إما الشهادة أو النصر.
بعد الانشقاق، وبعد النظر الى مسار الثورة، هي رأيت أن الحرية تستحق كل هذا الثمن الذي تدفعه داريا خاصة وسوريا عامة؟
حقيقة الحرية ثمنها غالي وهذا الكلام عن تجربة، يقول أحمد شوقي «وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق»، فنحن مدركون ومنذ أول يوم بالثورة أن هذا النظام لن يتم استئصاله إلا بدفع الكثير من الدماء والكثير من الضحايا، وكنت مدركًا لهذه الجملة التي تم ترديدها فيما بعد «الأسد أو نحرق البلد»
ولكن لا بد من التخلص من هذا النظام رغم كل التضحيات التي سوف تقدم، ليس أمامنا خيار إلا أن نضحي بكل شيء من أجل أن نخلص شعبنا منه.
قدمت سوريا الكثير من التضحيات وكان الثمن باهظًا، هل لديك تخوف من تحول مسار الثورة وتغيير أهدافها؟
ليس لدي أي تخوف من تحول مسار الثورة، الثورة بدأت وجوبهت من جميع دول العالم، كل دول العالم ضد الثورة السورية، وبالرغم من ذلك لم يستطيعوا إيقافها أو حرف مسارها، وأنا أراهن على وعي شعبنا في الاستمرار بالثورة والاستمرار في تصحيح الأخطاء، حدثت الكثير من الأخطاء وتم تجاوزها، والأخطاء التي قد تحدث في المستقبل سيتم تجاوزها وليس لدي أي خوف من تحول مسار الثورة.
ما هي نظرتكم لسير الأمور في سوريا بشكل عام، وكيف يمكن أن تنتهي الأمور برأيك؟
نحن نسعى للتعاون مع المجلس المحلي وجميع الفاعلين على مدينة داريا لأن نكون نموذجًا يحتذى به في جميع مناطق سوريا، نرجو أن نوفق في هذا العمل وأن نكون على المسار الصحيح، وبشكل عام ففي سوريا هناك شعب واع ومثقف، رغم أن هناك العديد من الأخطاء التي حدثت ولكن تم تقويمها، ومن وجهة نظري إننا نسير في طريق صحيح.
هل ترى أنه هناك حلًا سياسيًا مع الأسد؟
لم يترك الأسد أي مجال للحل السياسي بعد مئة ألف شهيد وتدمير العديد من المحافظات، حمص دمرت وحلب دمرت، ونتمنى أن لا تدمر دمشق كما حدث لباقي المحافظات السورية، ولذلك وبعد هذا الخراب والضحايا لا يمكن أن يكون حوار مع هذا النظام ….
من وجهة نظرك نقيب أبو جمال، ما هو مستقبل الجيش الحر بعد سقوط النظام، وهل من المحتمل أن يتدخل في سياسة البلاد؟
من وجهة نظري، إلى الآن لم ترسم سياسة واضحة لاستيعاب المقاتلين في الجيش الحر، حتى الآن لا يوجد أي تشكيل من الممكن أن يكون نواة لجيش وطني، يجب العمل من الآن على تشكيل نواة للجيش الوطني يعترف بها جميع مقاتلي الجيش الحر لتكون أساسًا للجيش السوري في سوريا المستقبل.