عنب بلدي – العدد 61 – الأحد 21-4-2013
يواجه سكان المدن المحررة والمقاتلون فيها، صعوبات جمة في الحصول على قوتهم ورغيفهم اليومي. جانب من جوانب حياتهم اليومية في رحلة تأمين وتحضير رغيف الخبز، فقد وقع على عاتق الثوار بالإضافة إلى المهام القتالية على الجبهات المتعددة تأمين ما يلزم من مواد لصناعة الخبز وتوصيله إلى السكان المتبقين داخل المدن المحررة، متقلدين دور الحكومة في تلك المدن.
ففي مدينة داريا المحاصرة منذ قرابة الستة أشهر لم يتبق من الأفران المؤهلة للإنتاج إلا فرنا واحدا، فيما تعرضت بقية أفران المدينة للقصف والدمار بحسب المراسلين داخل المدينة، إذ قصف قوات الأسد منذ بدء الحملة على داريا مطلع تشرين الثاني من العام الماضي – من بين ما قصفت – الأفران الموجودة فيها باستثناء فرن واحد لم تستطع تحديد مكانه، وقد عمل الثوار على إعادة تأهيل هذا الفرن وتأمين المواد اللازمة لتشغيله وإنتاجه من وقود وطحين، وبذلوا قصارى جهدهم لتأمين ما يسد رمقهم في استراحة المحارب اليومية، ويقصي الجوع ساعة من بطون السكان.
يروي أحد العاملين في مطبخ الثوار في مدينة داريا لعنب بلدي:
«بعد التدمير الذي تعرض له الفرن الآلي قمنا بتفقده فعثرنا فيه على كمية من الطحين تقارب 60 طنًا، وبعد أن تم استهلاكها بالكامل بمعدل 1.5 طن باليوم، بحثنا عن مصادر أخرى لتأمين الطحين من الخارج، لكننا لم نستطع أن ندخل إلا القليل، وحاليًا نقوم بطحن القمح مع الشعير ومن ثم خبزه بالفرن الوحيد داخل المدينة وتوزيعه على الجيش الحر في كل من داريا والمعضمية، بالإضافة لمن تبقى من المدنيين في كلتا المدينتين. ويتم تأمين القمح والشعير من مستودعات الحبوب في المدينة، بالإضافة إلى تأمينها من البيوت التي ترك أهلها كمية من القمح أو الطحين فيها ولو كانت قليلة.»
وذكر أنه في ظل الحصار الخانق الذي تتعرض له المدينة خلال الفترة الأخيرة لا يمكن إدخال ذرة قمح واحدة إليها، وأشار إلى وجود عشرات الأطنان المجهزة للإدخال إلى المدينة ولكن الحصار المطبق يحول دون ذلك.
والطريق إلى مراكز توزيع الخبز في المدينة محفوفة بالمخاطر في ظل القصف الصاروخي الذي تتعرض له المدينة كل يوم، بيد أن ذلك لم يمنع سكان المدينة من الذهاب وتعريض أنفسهم للخطر في سبيل لقمة عيشهم، كان ذلك في بادئ الأمر، ومع تقدم المعارك واشتداد وطأة القصف عمل الثوار على توصيل الخبز إلى بيوت سكان المدينة حفاظًا على أرواحهم، معرضين أنفسهم للخطر في سبيل ذلك.
يصف أحد سكان المدينة رغيف الخبز بأنه أشبه بقطعة البلاستيك لرداءة العجين، وعدم توفر الكمية اللازمة من المواد لإنتاج أفضل من ذلك، إضافة إلى خبرة الثوار العاملين داخل الفرن القليلة في هذه المهنة، وصعوبة الظروف التي يعملون بها، ولكن قطعة الخبز تلك -كما يقول- صيدٌ ثمينٌ يستطيعون الحصول عليه في ظل الحصار «أحسن ما نموت من الجوع».
في الحقيقة لا يدرك من هو خارج المدن «المحررة» حاجتها إلى كل المهن والخبرات داخلها لتستمر الحياة فيها، فقد عمد الثوار في داريا على تقسيم الواجبات بينهم، من دور على الجبهة في النهار إلى دور داخل الفرن في الليل أو العكس، لتكون كل الجبهات على أهبة الاستعداد، جبهة القتال وجبهة تأمين الطعام في ظل الحصار على المدينة، هذه معركة أخرى يخوضها الثوار.
سياسة استهداف الأفران في عدد من المدن جعلت من رحلة تحضير الخبز وتأمينه رحلة شاقة ومحفوفة بالمخاطر، لكن رغيف الخبز يستحق تلك المغامرة من أجله علّه يسمن ويغني جوع الذين فقدوا غيره، هو حال سكان المدن «المحررة» في داخلها والمحاصرة من حدودها وترزح تحت وطأة القصف.