عنب بلدي – العدد 61 – الأحد 21-4-2013
همام أبو العبد
كثيرة هي الكلمات التي تنحبس خلف اللسان كما هي كثيرة تلك الدموع التي تحجرت في المآقي، لا لشيء إنّما للدماء التي أريقت على مذبح الحرّية في معرة النعمان وما حولها وفي كل بقعة من بقاع أرضنا الطاهرة، لكن ما جرى منذ أيّام وعلى جبهة معرّة النعمان وتحديدًا في بابولين لأمر تعجز الألسن على تفسيره، في الوقت الذي سطّر فيه الأبطال ملاحم بطوليّة على تلك الجبهة حتى أصبحنا نظنّ أنّ الحسم هناك صار قاب قوسين أو أدنى.
لست في معرض الحديث عمّن يتحمّل مسؤوليّة ما حدث هناك لكنّنا اليوم نحن أحوج ما نكون قبلاً إلى محاسبة أنفسنا وتعلّم الدرس
فبعد الانتصارات والأمجاد التي حققها المرابطون على جبهات القتال شاء الله أن يمتحن عباده ليميز الصادقين من المنافقين تمامًا كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد مع البون الواسع في التمثيل حيث جاء في محكم التنزيل تعليقًا على نتائج أحد: ﴿ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب﴾[آل عمران 179].
فلئن كانت النوازع البشرية تؤثر الدنيا على الآخرة فأنّى يتأتّى النصر لهم، في وقت كنا نسمع فيه عن مدى التنازع حول الاستئثار بغنائم لم تُغتنم بعد في الوقت الذي راح بعض من يسمّون أنفسهم قادة يتبخترون في الكثير من المواقع تحت أعين عدسات المصورين ببزّاتهم العسكريّة ومرافقيهم المدجّجين بأسلحة لا تصلح إلاّ للتبختر فيها أمام الصبايا في الملاهي وغيرها.
فلئن كان إيثار الدنيا على الاخرة هو ديدنكم، فبشراكم قد فقدتم بذلك أهم عون ونصير لكم وهو الله؟
فلتكن هذه الوقعة درسًا للجميع واعتبارها نموذجًا حيًا لما يمر به المسلمون اليوم من محن وشدائد، فما أحوجنا اليوم أن نقف عندها، ونستفيد من دروسها وعبرها، وليكن النبي صلّى الله عليه وسلّم مثلنا الأعلى إذ كان يأخذ بأسباب النصر الماديّة والمعنويّة ويتوكّل على الله ويعتمد عليه في كلّ غزوة يتهيّأ لها.
وإذ نتوجّه للجميع بتفهّم الدرس وتحليله تحليل المجدّ لكشف ملابسات ما حصل وتحليل نتائجه ضمن الشكل الذي يضمن لنا عدم تكرار ما حدث. فما حصل بالأمس ليس الهزيمة بعينها لكنّه النصر إنشاء الله؛ فنتيجة كل معركة عسكريًّا لا تُقاس بعدَد الخسائر في الأرواح فقط، بل تقاس بالحصول على هدفِ القتال، وهو القضاء المبرم على العدوِّ ماديًّا ومعنويًّا، وهذا هو الذي لم يحدُث، ولا يمكن اعتبار فشل القوَّة الكبيرة – وهي قوَّة النظام في القضاء على القوَّة الصغيرة ماديًّا ومعنويًّا في مِثل هذا الموقف – نصرًا.
فكلّنا كنّا نتابع أخبار المرابطين في تلك المعركة وقدِ استطاعوا الخروج من محنتهم تلك لمطاردة قوّات الجيش وتكبيدهم خسائر فادحة وفي أكثر من موقع .
لكن الأهمّ في مثل هذه المواقف أن تكونَ قيادة المرابطين هناك وعلى كلّ الجبهات أمامَ أعدائهم واحدةً في أهدافها، وأن يلتفَّ المرابطون جميعًا حولَ تلك القيادة، ومهما تعدَّد الأفراد مِن قادة المرابطين على الجبهات فيُمكن أن يكون هدفُهم واحدًا، وأن يستمدُّوا أوامرَهم من تلك القيادة الموحَّدة، التي تبعدهم عن العداوة والخِصام، والخلاف والانقسام.
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال: 46]. صدق الله العظيم