عبادة كوجان – عنب بلدي
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، على حد سواء، لإنهاء الصراع الدموي في سوريا بين النظام وحلفائه من جهة، وفصائل المعارضة من جهة أخرى، ونقل الملف كليًا إلى الصالونات الأوروبية، التي ربما تشهد خلال الأشهر المقبلة اتفاقًا إلزاميًا للأطراف، ينتج عنه قرار أممي ملزم.
ليس من الضروري أن يكون الاتفاق والمآلات المستقبلية مرضية للأطراف السورية- السورية، أو حتى الحلفاء القريبين (تركيا والسعودية وإيران على سبيل المثال)، لكن تحركات القطبين الدوليين تعكس خطة تبدو محكمة لتطويق الصراع، عبر تجميد القتال الذي يفضي إلى تثبيت خطوط التماس، استباقًا لأي عملية سياسية حقيقية.
تعتبر المعارضة السورية روسيا حليفًا قويًا للنظام السوري، وساعدته على النهوض من عجزه الذي كان واضحًا قبل أيلول 2015، وهو أمر منطقي إذا ما اعتبرنا النظام من تركات السوفييت للنظام البوتيني الحالي، لكن معظم الآراء والتحليلات الغربية تقول إن موسكو باتت لاعبًا رئيسيًا وليست مجرد “حليف”، بل إنها تمتلك التفويض اللازم لأي حل معقول تصنعه مع الأمريكيين، ومستعدة دون هوادة للتخلي عن الأسد إن لزم الأمر.
“قناعتي أن الروس عندهم تفويض في الملف السوري، والذي يجري الآن هو أن هناك مرحلة من تثبيت خطوط التماس، أي تجميد القتال والاعتماد على السلطات المحلية، سواء كانت عند النظام أو المعارضة، حتى مجيء الإدارة الأمريكية المقبلة“.
أنس العبدة، رئيس “الائتلاف الوطني السوري” لصحيفة “الحياة” اللندنية.
معظم القوى السورية تقرّ بالمخطط الذي سيطبق عاجلًا أم آجلًا، ولذا تعمل جاهدة على استثمار “الشلل” السياسي الحالي الذي أكده المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، وتحاول اقتناص أي مكتسبات ميدانية في الشمال والجنوب، وهذا ما بدا في الساحل الذي يشهد استمرارًا لـ “وأد” المعارضة بشكل كامل، وجنوب حلب الذي أنعش المعارضة وكسر هيبة الإيرانيين، ومنطقة حوران التي تعمل فصائلها على “تطهيرها” من الفصائل الجهادية غربًا.محاولات التهدئة التي فرضتها موسكو وواشنطن خلال الأشهر الثلاثة الماضية في الساحة السورية، لم تكن رصينة بالقدر الكافي، فشهدت خروقات مبكرة من قبل الأسد الذي بدا غير مرتاح للخطة الجديدة، وافتتح جبهات جديدة ومنع دخول المساعدات في بعض المناطق، كذلك ذهبت “جبهة النصرة” في ذات السياق، فقادت وحلفاءها هجمات مضادة على مواقع النظام في الشمال السوري، على اعتبارها فصيلًا “غير مشمول” بأي قرار تهدئة، وسيواجه ضربات جوية في المستقبل القريب، كما صرّح الروس.
أيضًا، فإن “غرفة حميميم” التي انتدبها بوتين لتنفيذ المصالحات، أظهرت نشاطًا جليًا في أرياف دمشق وحمص وحماة، ودخلت عدة بلدات وقرى في هدن مفتوحة مع النظام السوري، وهذا ما حدث في مدينة الرحيبة القلمونية، وبلدتي الهامة وقدسيا على أطراف العاصمة، وقرى في ريف حماة الشرقي والغربي، وبعض القرى في درعا، لتجنّب بذلك هذه القرى أي صراع وتكون جاهزة قبيل تثبيت خطوط التماس.
العملية السياسية قادمة لا محالة، وجميع الأطراف تستبقها بتحسين ظروفها الميدانية والسياسية، بما فيها تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” رغم كونهما خارج الاتفاقات، بينما تغرّد فصائل المعارضة السورية خارج السرب، فتمضي دون كيان واحد يمثلها شمالًا وجنوبًا، ويزيد الاقتتال من ضعف موقفها أمام أي استحقاق مقبل.
“إن إحداث أي تغيير في سياق واقع ما بعد الهدنة، والذي يبدو أنه يسير باتجاه الثبات النسبي، لا يمكن أن يتم قبل تغيير داخلي وحقيقي في استراتيجية المعارضة السورية، عبر دينامية داخلية تفرض نفسها بشكل حقيقي على معادلة التدافع الدولي، مستندة في ذلك إلى تدعيم القرار المركزي– العسكري– السياسي، على المستوى الوطني والذي تمت خسارته لصالح عدة أطراف“.
مركز “عمران” للدراسات