محمد قطيفان– درعا
يحمل المسجد العمري في مدينة درعا قيمة تاريخية وبعدًا ثوريًا مهمًا لأبناء المنطقة الجنوبية والسوريين عمومًا، فالمسجد الذي بني في عهد الخليفة عمر بن الخطاب وحمل اسمه، تحول إلى باحة اعتصامات وتظاهرات مبكرة كانت شرارة الثورة السورية ومنطلقها، ما جعل هذا الصرح الأثري ومئذنته التاريخية أيقونة، حاول النظام السوري إسقاطها.
هذه المكانة التي حملها المسجد العمري، جعلته هدفًا لقوات الأسد التي أمطرته بعشرات القذائف والصواريخ، وحوّلت أروقته إلى ساحات للمعارك، قبل أن يدمّر مئذنته التاريخية في نيسان 2013، ويحوله إلى “أيقونة مدمرة” لعلها تعبّر بحجارتها عن حال الثورة السورية اليوم.
ماذا تعرف عن المسجد العمري؟
هو أحد أهم المساجد الأثرية المنتشرة في محافظة درعا، ويقع وسط منطقة “درعا البلد” في مركز المدينة، وينسب اسمه إلى الخليفة عمر بن الخطاب، حين أمر ببنائه عندما زار المدينة في العام 635 للميلاد.
وأشرف على بناء المسجد عدد من الصحابة، منهم: أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحافظ على شكله القديم حتى دخلت عليه عمليات الترميم الحديثة، وغيرت بعضًا من معالمه القديمة، إلا أنها لم تطل منارته وواجهته القبلية.
أصبح المسجد بمخططه الحديث عبارةً عن نسخة مصغرة عن “الجامع الأموي” في دمشق، من حيث احتوائه على أروقة انسيابية، وحرم واسع للصلاة، وصحن خارجي مكشوف، ومئذنة شامخة.
شهد المسجد انطلاقة شرارة الثورة والاحتجاجات ضد النظام السوري في آذار 2011، وتحول بعدها إلى ساحات معارك، ومن ثم تعرّض لقصف متواصل أدى إلى تدمير مئذنته بشكل كامل، وأضرار كبيرة في صحنه.
العمري دون آذان وصلاة
وللحديث عن حال المسجد العمري، التقت عنب بلدي، الشيخ فيصل أبازيد، إمام وخطيب مسجد “الأربعين” في درعا البلد، والذي أوضح أن الدمار الكبير الذي لحق بـ “العمري” نتيجة الاستهداف المستمر له من قبل قوات الأسد جعله خارجًا عن خدمة رواده، وأضاف: “لا يُرفع الأذان ولا تُقام الصلاة ولا خطب الجمعة في المسجد، وقليل من جيرانه يتخذون أحد الأروقة فيه لإقامة صلاتي الظهر والعصر فقط”.
وتحتاج إعادة ترميم المسجد إلى خبراء في الآثار والهندسة المعمارية ليحافظ على طرازه المعماري وقيمته الأثرية الكبيرة، وأوضح الشيخ أبازيد أن بعض الأهالي حاولوا إصلاح الأضرار داخله، لكن “الاستهداف المتكرر للمسجد بالقصف، وتدمير ما تم إصلاحه، جعل فكرة ترميمه مؤجلة حتى وقت لاحق”.
مساجد “درعا المحررة” ليست بأفضل حال
ليس “العمري” وحده من طاله قصف النظام، فأشار الشيخ أبازيد إلى أن معظم المساجد الرئيسية في مدينة درعا طالها التدمير وأصبحت خارج الخدمة “العمري، الحمزة والعباس، أبو بكر، بلال الحبشي، الشيخ عبد العزيز، جميعها من المساجد الرئيسية في درعا، وهي الآن خارج الخدمة بسبب الدمار الكامل أو شبه الكامل فيها”.
هذا الدمار أعاد الأهالي مجددًا نحو المساجد الصغيرة أو ما يعرف بـ “المصليات”، وهي غرف صغيرة يتسع معظمها للعشرات فقط، وكانت قبل الثورة “مصليات” صغيرة يتردد عليها بعض أهالي الأحياء القريبة منها، وتابع الشيخ أبازيد “بالإضافة للمصليات هناك بعض المساجد المدمرة بشكل جزئي، والتي يتم صيانة ما أمكن صيانته منها وإقامة الصلاة فيها”.
مسجدٌ “بعيد” استعدادًا لرمضان
ومع اقتراب شهر رمضان، يصبح احتضان مساجد مدينة درعا لصلاة التراويح دافعًا لقوات الأسد لاستهدافها بالقصف المتكرر، الأمر الذي دفع الأهالي للتوجه نحو بناء مسجد يبتعد عن مرمى النيران، وأوضح الشيخ أبازيد أن مسجد “الشياح” الذي يتم بناؤه حاليًا، جاء تلبية لحاجة الأهالي النازحين في منطقة الشياح لمسجد تُقام فيه الصلاة.
وأضاف الشيخ “نتيجة القصف المستمر لأحياء درعا المدينة، هربت نحو مئتي عائلة باتجاه منطقة الشياح التي تبعد خمسة كيلومترات عن مدينة درعا”، وأصبحت تلك المنطقة الزراعية أشبه بقرية صغيرة ينقصها مسجد صغير، موضحًا “تبرع أحد الإخوة بقطعة أرض، وباشرنا بدعم أهل الخير في بناء المسجد، ورغم كل الصعوبات التي واجهتنا فإن المسجد سيفتتح أبوابه مع أولى أيام رمضان إن شاء الله”.
وتشير بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى أن قوات الأسد ألحقت الدمار بأكثر من عشرة آلاف مسجد في مختلف المحافظات، منذ مطلع الاحتجاجات، في سياسة ممنهجة لتدمير المساجد والمراكز الدينية، كما عمدت إلى اتخاذ عدد آخر منها “ثكنات” عسكرية، انتهى بها المطاف إلى التدمير الكامل، كما حصل في مسجد “أبو بكر الصديق” في درعا البلد، ومسجد “الشيخ عبد العزيز أبازيد” في درعا المحطة.