طارق أبو زياد – إدلب
تعد قرية “أبو دالي” في ريف حماة الشمالي الشرقي، والخاضعة لسيطرة عشائر موالية للنظام السوري برئاسة الشيخ أحمد درويش، عضو مجلس الشعب، من أهم الحواضن التجارية بين مختلف القوى المسيطرة في المنطقة، ويمكن وصفها بـ”منطقة حرة” مملوءة بالبضائع تستفيد منها مختلف القوى على الأرض والمتمثلة بالمعارضة المسلحة وقوات النظام.
ويعد طريق “حماة- أبو دالي- المناطق المحررة”، شريان حياة للتجار والمهربين على حد سواء، ويعمل بموجب تنسيق واتفاقات متبادلة بين مختلف الأطراف لتسهيل الحركة، إذ لا يوجد حواجز للتفتيش، ولا مظاهر عسكرية تشي بأن هناك نقاط رصد أو مراقبة للجبهات التي لا تبعد كثيرًا عن الطريق.
وبحسب شهود من سكان المنطقة، يمكن لأي شخص دخول قرية “أبو دالي” والخروج منها بشكل طبيعي، شرط معرفته لأحد من “جماعة الشيخ”، أو أهالي القرية التي يرفع فيها علم النظام دون أي مشكلات.
يقول طالب برازي، من سكان ريف إدلب الجنوبي، “يعمل الطريق بشكل نموذجي، بعد أن اتفقت كافة الأطراف في المنطقة من فصائل عسكرية وتجار ومهربين وغيرهم، وجرى بينهم تنسيق عالي المستوى، وتعد المواد الغذائية والمحروقات من أهم السلع التي تدخل إلى القرية وتخرج منها”.
ويستخدم الطريق لعدد من الأغراض، أهمها التبادل التجاري بين مناطق النظام والمناطق “المحررة”، وذلك بدخول المواد الغذائية من طرف المعارضة يقابلها دخول المحروقات من البنزين والمازوت من جهة مناطق النظام. ويلفت برازي إلى أن لا أحد يمكن أن يعترض هذه القوافل على طول الطريق، ويضيف “هناك عملية مقايضة تجارية.. يجب أن يعمل الطريق بشكل طبيعي للاستفادة من نقص السلع والمواد الأساسية لدى كل طرف”.
أبو دالي قرية سورية تتبع ناحية عقيربات في منطقة سلمية في محافظة حماة.
بلغ عدد سكانها 288 نسمة عام 2004 حسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء.
تعرضت لعدة هجمات من فصائل المعارضة خلال الثورة السورية بعد تمركز مقاتلين يتبعون للدفاع الوطني فيها، عام 2014.
لكنها حيّدت بعد ذلك عن المعارك.
إدخال بضائع تركية
يصدّر أكرم حلبية، وهو تاجر مواد غذائية بريف إدلب، المواد والمنتجات الاستهلاكية إلى مناطق النظام عن طريق قرية “أبو دالي” منذ عام تقريبًا، ولكن المواد التي يرسلها إلى مناطق النظام كلها تركية المنشأ وممنوعة من الدخول إلى تلك المناطق، لكن حلبية يؤكد أنه “بدفع مبلغ من المال يمكنك كتاجر إدخال شحنتك إلى قرية (أبو دالي) ومنها لمناطق النظام، دون أي مساءلة من الحواجز الأمنية في مناطق النظام”.
ويضيف “إذا أردت يمكنك إرسال سيارات حماية من عناصر الشيخ أحمد درويش لمرافقة شحنتك، ومنع الحواجز من تفتيشها”.
تهريب البشر
إلى جانب إدخال البضائع والمحروقات وتبادلها بين النظام والمعارضة في تلك المنطقة، هناك تجارة أخرى تنشط مع نشاط الصراع العسكري على الأرض، إذ يهرّب عناصر الشيخ أحمد درويش المواطنين من مناطق سيطرة النظام ويوصلونهم إلى المناطق المحررة شمال سوريا دون تعرضهم للمساءلة من أي جهة أمنية.
وبحسب شهادات من سكان المنطقة يمكن لعناصر أحمد درويش المرور على كافة حواجز النظام، بعد أن يحصلوا على مبالغ كبيرة من الراغب بالخروج، وذلك بحسب “أبو محمد”، عسكري منشق عن جيش النظام من مدينة حلب، والذي وصل إلى شمال سوريا عن طريق “عناصر الشيخ”.
وأكد لعنب بلدي أنه لم يتعرض لأي مساءلة، وقد دفعت أحد الفصائل العسكرية في المعارضة (رفض ذكر اسمها) تكاليف الطريق له ولـ 11 عسكريًا كانوا برفقته من حمص ودمشق وحماة.
تسهيلات النظام لـ “الشيخ” وجماعته
محمد شكري، قائد كتيبة الأبرار التابعة لتجمع أجناد الشام في المنطقة، أوضح أن النائب في برلمان النظام، الشيخ أحمد درويش، لم يتعرض له النظام أبدًا رغم معرفته بكل ما يقوم به هو وجماعته، وذلك “لأن النظام يستفيد من المواد الغذائية التي تأتي عن طريق القرية”.
في المقابل، تعرضت قرية “أبو دالي” لعدة محاولات قصف واقتحام من قبل قوات المعارضة، بعد أن شهدت حركة غير طبيعية في الأشهر الأخيرة. وأكد شكري أن “أي حركة غير طبيعية أو تطاول من قبل شبيحة القرية ستقابل برد قاسٍ من قبل الفصائل، كتعرض المناطق المحررة للقصف من داخل القرية أو محاولة هذه القوات التقدم”، مشيرًا إلى أن هناك عددًا من الخطط العسكرية الموضوعة لإيقاف أي تقدم في المستقبل.
جعل هدوء المعارك في ريف حماة الشمالي، مقارنة مع باقي المناطق في حلب واللاذقية، من خطوط التماس مكانًا مناسبًا ليكون معبرًا تجاريًا ومدنيًا بين قوات المعارضة والنظام.
واليوم، هناك أكثر من نقطة تماس متفق عليها لتكون معبرًا بين الطرفين تسهل مرور المسافرين والبضائع التجارية داخل البلد الواحدة، وتسير الحركة بشكل طبيعي في هذه المعابر مع وجود تفتيش وتدقيق من كلا الطرفين على المارة، ولكن تبقى تجربة قرية “أبو دالي” وطريقها النموذج المتفرد والمختلف عن باقي المعابر.