سيرين عبد النور – أورفة
في مسجد قريب من ساحة “المدفع” وسط مدينة أورفة التركية، أو ما يعرف محليًا بـ “الطوبجي ميدان”، يصرخ أحد الشباب السوريين في المسجد بعد انتهاء الصلاة معلنًا “قدوم الخلافة وزوال الطواغيت” رافضًا الخروج من المسجد. مشهد تكرر مرارًا داخل مساجد المدينة، تصل الشرطة بعدها وتعتقل الشاب وتفرج عنه بعد ساعات من التحقيق.
ومع انتشار الأحاديث عن انتشار التيار السلفي الجهادي بين السوريين في أورفة، استطلعت عنب بلدي آراء عدد منهم، واعتبروا المدينة “إحدى البوابات الأساسية للمجاهدين الراغبين بالدخول إلى سوريا عبر معبر تل أبيض، إذ لا يفصلها عن الرقة، عاصمة الخلافة سوى كيلومترات قليلة”.
وقال آخرون إن الطابع المحافظ للمدينة، جعلها موطئ قدمٍ للكثير من المتعاطفين مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، ووصفوهم بأنهم “ترتبط ساعاتهم ودقات قلوبهم بتوقيت الخلافة”، بينما أكد بعض من التقتهم عنب بلدي أنهم يتجنبون أشخاصًا منتمين للتنظيم ومنتشرين بكثرة داخل المدينة.
“أورفة محسوبة على التنظيم“
ويتجنب معظم ناشطي الثورة السورية الذهاب إلى أورفة، التي باتت بنظرهم إحدى المناطق المحسوبة على التنظيم، بحكم “سهولة” حركة عناصره داخل المدينة، على حد وصفهم.
ويتخوف السوريون القاطنون في المدينة من عناصر التنظيم، وقال بعضهم لعنب بلدي إن بإمكانهم الوصول إلى من يريدون هناك، مدللين على ذلك بحادثة مقتل اثنين من فريق حملة “الرقة تذبح بصمت” في المدينة، تشرين الأول الماضي، والتي تبناها التنظيم، إضافة إلى محاولة خطف قائد لواء “ثوار الرقة”، أبو عيسى، قبل عام ونصف، من الساحة الرئيسية في المدينة، وغيرها من الحوادث المتكررة.
وأكد أحد السوريين المقيمين في المدينة (رفض كشف اسمه)، وجود “أعين للتنظيم تعد له قوائم بأسماء أعدائه ومعارضيه وتحدد له أهدافه المقبلة”.
ورغم اعتقال الأمن التركي العديد من المشتبه بانتمائهم أو صلتهم بالتنظيم، إلا أن الشاب السوري اعتبر أن هناك الكثير من الأشخاص والأسماء والهيئات الموجودة في المدينة، والتي تحوم حولها الكثير من الأسئلة عن علاقتها السابقة بالتنظيم، أو استمرار صلتها به، “بل إن بعضهم كانوا عناصر وأمنيين في صفوفه”.
التنظيم يتغلغل داخل المدينة
“لم ألحظ نشاطًا واسعًا للسلفية الجهادية في المدينة، لكن هناك تحركات لبعض الشباب الملتزم دينيًا” يقول أنس، وهو مدرس لغة عربية سوري يقطن في منطقة الهاشمية بالمدينة، وأوضح المدرس أن النشاط يشمل إلقاء المحاضرات والدروس الدينية المعتمدة على الفكر والعقيدة السلفية، كما أن هناك بعض المجموعات تلجأ إلى الصلاة في غرف صغيرة (مصليات) ويلتف حولهم عدد من السوريين، على حد وصفه.
وفسّر المدرس السوري تكتل الشباب السوري حول هذه الظواهر، “لاعتماد المجموعات على اللغة العربية في المصليات، واستفادتهم من ردود فعل الشباب تجاه المجتمع الجديد في الغربة، إضافة إلى استشراء البطالة، ما يدفع الكثير منهم إلى ملء أوقات فراغهم بالعبادات والدروس الدينية”.
“ثمن الناشطين رصاصة من ملثم“
أغلب السوريين اللاجئين الذين التقتهم عنب بلدي وافقوا أنس، ومن ضمنهم الناشط السوري حسن، والذي يقيم في أورفة منذ فترة، وقال إن بعض الشباب المتعاطفين مع أفكار “الدولة الإسلامية” والمجموعات المتطرفة فكريًا، استغلوا الفرصة لنشر أفكارهم والترويج لها.
“هذه المجموعات تعمل على نشر إصدارات التنظيم ضمن أقراص ليزرية توزع بشكل سري ومجاني للأشخاص الثقات، كما توزع كتيبات ومناشير ورقية تحتوي على فتاوى التنظيم وأفكاره داخل المدينة”، يضيف حسن، مشيرًا إلى أن “الكثير من عناصر التنظيم ممن قاتلوا في صفوفه موجودون حاليًا في المدينة ويعيشون بحرية مهددين حياة الناشطين”.
حسن اختار أورفة للعيش “بسب رخص أسعارها وقربها من طبيعة بلده الرقة”، على حد وصفه، إلا أنه لم يخفِ خوفه من التنظيم “في النهاية كل ما يحتاجه الأمر لإسكات أي صوت يجاهر بعداوة التنظيم، رصاصة من شاب ملثم في أحد الشوارع، وتحقيق يقفل بسرعة ناسبًا الجريمة لمجهول أو شخص خارج الحدود”.
التطرف يؤثر على وجود السوريين
داخل إحدى “المصليات” في حارات حي الهاشمية، يلقي شاب سوري خطبة الجمعة، متحدثًا عن فضائل الجهاد وأهمية دعم المجاهدين، مشهد لا يبدو بدوره غريبًا عن المدينة التي تشتهر بهدوئها الريفي، والتي تضم بحسب آخر الإحصائيات الرسمية أكثر من 250 ألف لاجئ سوري.
ويحذر مراقبون من التأثير السلبي للتطرف على الوجود السوري في المدينة، “إذ يصبح كل لاجئ مصدر خطر ومشروعًا إرهابيًا يجب الحذر منه، وهذا ما دفع بالبعض إلى التعصب والانغلاق على أنفسهم والابتعاد عن مجتمعهم”، وفق مايرى الشيخ جمال البدري، مدير أحد المعاهد الشرعية في اسطنبول.
ويعتقد البدري أن “واجب المسلم هو الاندماج ضمن المجتمع الجديد، مع التمسك بالصحيح من الدين وإبداء حسن الخلق والمعاملة”، منتقدًا في حديثه إلى عنب بلدي، تصرفات من يصفهم بـ “العوام” التي لا تنتمي إلى الدين وترجع إلى الجهل وغياب الفهم الصحيح لمقاصد الشريعة السمحاء، على حد وصفه، إذ “من الواجب احترام المجتمع الذي احتضننا ومبادلته المودة”.
ورغم صعوبة الحال في أورفة، لا ينكر الناشطون ظهور حالة “إيجابية وبناءة” يمكن الاعتماد عليها ودعمها لتكون درعًا حصينًا للمجتمع السوري داخل المدينة، وتتمثل بعدد من المعاهد الدينية السورية، التي يشرف عليها علماء وأساتذة سوريون يتبنون النهج الوسطي المعتدل.
وينهي البكري حديثه واصفًا المعاهد بأنها “تحفظ للشباب دينهم وأخلاقهم ولغتهم وهويتهم العربية، وتمنحهم العلم الصحيح بعيدًا عن التطرف والغلو، كما أنها تمثل صورة جيدة عن السوريين واعتدالهم وتمسكهم بفقه المحبة لا القتل والعنف”.